سعيد : يتهافتون الآن لإرساء المحكمة الدستورية لعزل رئيس الجمهورية
كتب الأستاذ نوفل سعيد تدوينة مطولة تحدث فيها عن حالة التسريع التي تحصل من الحزام السياسي لإرساء المحكمة الدستورية.
حيث اوضح ان الهدف ليس الاشكال الحاصل حاليا بل يتجاوزه.
وقال سعيد:
– ملاحظات قانونية: المحكمة الدستورية… عزل الرئيس… وواجب الجحود:
1- لا يمكن تكييف الأزمة الراهنة بين رأسي السلطة التنفيذية على أنّها أزمة تنازع اختصاص بينهما، فلا أحد ينازع في كون رئيس الجمهورية هو الوحيد المختص دستوريا لتسمية أعضاء الحكومة الجدد و تلقي اليمين الدستورية منهم ، بالتالي حتى و ان كانت المحكمة الدستورية منتصبة فهي ، في رأيي، سوف تنتهي ، لو توخت الموضوعية و الحياد ، الى مثل هذه النتيجة.
2- ليست هناك مهمة مستقلة ( يجب التأكيد هنا على كلمة مستقلة) بذاتها مسندة الى المحكمة الدستورية اسمها “تأويل أحكام الدستور” فهذا خطأ شائع يتداوله بكثرة العديد من رجال السياسة والاعلام ، بمعنى أنّه لا يمكن دستوريا وقانونيا للمحكمة الدستورية أن تفصل في تنازع التأويلات لأحكام الدستور باعتبار أنّ مهمة الفصل هذه هي مهمّة مستقلة بذاتها. نعم المحكمة الدستورية تؤول أحكام الدستور و لكن لا تقوم بذلك الاّ بمناسبة قيامها بمهامها التى نص عليها الدستور و القانون الأساسي الذي ينظمها ( القانون الأساسي عدد 50- 2015 المؤرخ في 03 ديسمبر 2015).
3- أفهم المطالبة الملحة بتركيز المحكمة الدستورية الآن… ولكن أفهم أيضا، بالرجوع الى الأزمة السياسية الراهنة، أنّ هذه المسارعة تعود لأسباب اخرى غير تلك التي عددتها في النقطتين السابقتين …أسباب تعود بالأساس، وهذا أمر غير خاف على أحد، الى الحرص على توفير الآلية الدستورية الوحيدة لعزل رئيس الجمهورية و هي المحكمة الدستورية التي ظلّت غائبة على امتداد السنوات الأخيرة تحت تعلات مختلفة لأنّ الأجواء السياسية لم تكن عندئذ تتطلّب مثل هذه المسارعة الى تركيزها … وهذا كلّه يمثل مؤشرات جدّ سيئة على أنّ النية متّجهة ، منذ الآن ، الى جعل المحكمة طرفا في الصراعات السياسية الآنية وحتى المستقبلية… في حين أنّ المحكمة الدستورية من المفروض أن تكون محايدة و فوق هذه الصراعات
… وفي هذا الاطار بالذات أكاد أكون متأكدا من أنّ الذين يسارعون اليوم الى تركيز المحكمة الدستورية انّما يبحثون على تخيّر الأعضاء الذين يشاركونهم توجهاتهم وتموقعاتهم السياسية ليكونوا لهم سندا في صراعاتهم السياسية الآنية و المستقبلية …وهذا ، مرّةأخرى، أمر على غاية من الخطورة… ولا يساهم في الذهاب بعيدا في تكريس دولة القانون و المؤسسات المنشودة… نعم لتركيز المحكمة الدستورية ولكن لا لجعلها طرفا في المناكفات السياسية التي يمكن أن تنشأ بين مختلف السلط و في صراع المصالح بين السلط و حتى بين المواطنين أنفسهم بمناسبة النظر في مراقبة دستورية القوانين…فلا يجب على المحكمة الدستورية أن تتحول الى كلمة حقّ يراد بها باطل…أقول هذا الكلام وأنا استحضر قولة روبار بادينتار وهو الصديق الحميم للرئيس الراحل فرنسوا ميتران الذي قال له مباشرة بعد أن عيّنه على راس المجلس الدستوري الفرنسي يوم 04 مارس 1986:”السيد فرانسوا ميتران ، صديقي ، أشكرك على تعييني رئيسًا للمجلس الدستوري ، لكن عليك أن تعلم أنّه منذ هذه اللحظة ، لدي تجاهك ، واجب الجحود”.
« M. François Mitterrand, mon ami, merci de me nommer président du Conseil constitutionnel, mais sachez que dès cet instant, envers vous, j’ai un devoir d’ingratitude”.
نعم واجب الجحود ضروري لأن المحكمة الدستورية هي بالأساس سلطة مضادة للسلطة التي تعيّنها وهي من المفروض أن تكون ضمانة اضافية للمتقاضين مواطنين وحكّاما… ولايجب أن تصطف مع هذا الصف أو ذاك … اذ أنّ المتقاضي أيّا كان مواطنا أو سلطة ينتظر من القاضي الدستوري مثل ما ينتظره من سائر القضاة أن لا يدين بالولاء الى الجهة التي عيّنته … كلّ الدلائل تشير ، مع الأسف، انّنا لسنا في الطريق الصحيح