خبيرة في التربية تطلق صيحة فزع :”مستوى مهارات التّلاميذ: الصّورة قاتمة”
عندما بدأت عملية الإصلاح في عهد الوزير النّاجي جلّول أكّدت في أحد تدخّلاتي السّمعيّة، أظنّ مع أنيس المرعي، على أهمّية الإهتمام بصفة ممنهجة بتدريس اللّغات و خاصّة القراءة. لم القراءة؟ لأنّها كفاءة أفقيّة/شاملة (compétence transversale). قيل وقتها أنّني شدّدت على أهمّية اللّغات و القراءة لأنني من شعبة الآداب و لأنّ إختصاصي تدريس اللّغات و غاب عن نظر الكثير أنّ عدم القدرة على القراءة هو عائق يشمل كل المواد. ماعسى التّلميذ العاجز عن القراءة أن يفعل عندما نطلب منه حلّ مسألة حسابية أو أن يحلّل نص تاريخي أو علمي؟
في أحد تقارير اليونيساف تدلّ نتائج إحدى الدّراسات أن نسبة هامّة، و نتحدّث أيضا عن أغلبية، من التلاميذ التونسيين بين 7 و 14 سنة من العمر لا يكسبون المهارات الأساسيّة المُنتظرة في الثاني إبتدائي.
لهذا السّبب حاولنا أن نساهم في تكوين المتفقدين في تدريس القراءة السّنة الفارطة رغم أنّه قيل لنا أنّ تدريس القراءة ليس من أهم أولويّات التّكوين المستمرّ.
في نفس الوقت الذي قمنا فيه بهذا التّكوين قامت وزارة التّربية بشراكة مع البنك الدّولي بتقييم قدرة أطفال الإبتدائي على القراءة و الفهم في اللّغة العربيّة (ثالثة إبتدائي) و اللغة الفرنسية (رابعة إبتدائي). دراسة شملت 120 مؤسّسة تربويّة، 120 مدرّس عربيّة، 120 مدرّس فرنسيّة، 1200 تلميذ من أقسام عربيّة، 1200 تلميذ من أقسام فرنسيّة. بلغة أخرى، دراسة هامّة.
لن أعلّق على النّتائج على مستوى مهارات التّلاميذ. الصّورة قاتمة. التّقرير موجود على صفحة الوزارة (Évaluation EGRA Tunisie 2021) .
سأكتفي ببعض النّتائج على المستوى العائلي و على مستوى التّدريس.
عندما سُئل الأطفال هل يَقْرأُ لهم أحدا بالمنزل كتبا بالعربيّة أو بالفرنسية ، قالوا “أبدا” 47.6% بالنّسبة للعربيّة و 41% بالنّسبة للفرنسيّة. هذه النّتيجة لم تُفاجئني لكنّها أذهلتني. كنت أتمنّى لو فنّدت الدّراسة توقّعاتي.
عندما سّئل المدرّسون إن كانوا يقرؤون كتبا للأطفال تبيّن أن 58.3% من معلّمي العربيّة و45.5% من معلّمي الفرنسيّة لا يقومون بذلك أبدا.
تدلّ النّتائج أنّ أغلب وقت التّدريس مخصّص لقواعد اللّغة و أنّ تدريس مفردات اللّغة (vocabulaire) هي خامس الأولويّات. للعلم أنّ فهم النّص هو ثاني الأولويّات. هذه النّتائج تُخيف أيّ مختصّ في علم التّربية. لماذا؟ العربيّة هي لغة التّدريس و ليست اللّغة الأم. الفرنسيّة هي لغة أجنبيّة/ثانية.
هذا يعني أن معرفة المفردات اللّغوية في بداية الإبتدائي تكون محدودة، إن لم نقل منعدمة، في الّلغتين خاصّة في الأرياف و لدى أطفال العائلات المحدودة الدّخل لإنعدام الكتب في هذه الأوساط و صعوبة التّمتّع بالسّنة التحضيرية.
هام جدّا: لنفهم نصّ بصفة تلقائية، يجب معرفة 95% ـ 98% من المفردات لكن تدريس هذه المفردات يكاد يكون منعدم لأنّ جلّ الوقت مخصّص لتدريس قواعد اللّغة (أولى الأولويّات) و فهم النّص (الأولويّة الثانية). ماهو فحوى تدريس فهم النّص؟ في جلّ الحالات، يقوم المعلّم بإختيار نصّ في الكتاب المدرسي يقع حفظه و الإجابة على بعض الأسئلة اللتي لا تستدعي فهما كثيرا في مغلب الأحيان. يكفي تتبع (repérage) بعض المصطلحات. هل تُدرّس إسترتيجيّات الفهم؟ لم يدرّسني أحدا أيّة إستراتيجيّة و لا أظن أنه حصل أيّ تغيير خاصّة و أنّ نسبة كبيرة من المعلّمين ليسوا متخرّجي علوم تربية، أنّهم أُنتُدبوا في عمر متقدّم (بركاتك يا نهضة) و أنّ نسبة هامّة هم من غير المعيّنين.
حالة مزرية و مسؤولية مُشتركة. أتمنّى أن يقع إعتبار كلّ هذا في الإصلاح التّربوي و الّذي يحاول إيهامنا أنّنا نستحقّ تطوير منظومة و لا إصلاحها يفسّرلنا قصده.
*الدكتورة احلام عمار
عميدة لكلية علوم التربية في جامعة مونتريال في قيمة القراءة في العملية التربوية ودور المطالعة في تطوير هذه المهارة