بريطانيا تأخر على جميع الاصعدة : جسر لندن سقط!!

عشت في بريطانيا خلال الفترة بين 2008 و2010. ثم ها أنا أقيم في لندن مجددا منذ 2019. لاحظت تدهورا واضحا في مجالات عدة خلال فترة الإقامة الثانية. زيادة في تعقيدات الحياة، بطء المعاملات الحكومية وإصدار الوثائق الرسمية وفتور مفهوم “الخدمة العامة” في أذهان الموظفين الحكوميين، تراجع ملحوظ في الخدمات الصحية لا يوازيه إلا التراجع في الأمن والخدمة الشرطية، طوابير على محطات البنزين من آن لآخر وارتفاع حاد في أسعار كل شيء. حتى العناية بالحدائق العامة وجودة الطرق لاحظت أنها دون ما كانت عليه قبل ثلاثة عشر عاما. في المجمل تشعر وكأنك في منزل عتيق الطراز قديم الأثاث. وحده جهاز الجباية المسؤول عن تحصيل الضرائب ما زال يعمل بنفس الكفاءة. ولكي لا يتبادر إلى أذهان البعض، وهما، أن بريطانيا العظمى صارت دولة من العالم الثالث، أؤكد أن الملاحظات أعلاه تداعت إلى ذهني قياسا على المسطرة الغربية لجودة الحياة، البعيدة كل البعد عن جحيم بلداننا المنكوبة.
في حياة الأمم الرموز تعني الكثير. ووفاة الملكة إليزابيث الثانية (1926- 2022) ونهاية الحقبة “الإليزابيثية” كما يقولون هنا قد تصبح نقطة فاصلة في تاريخ بريطانيا العظمى التي لم تعد عظمى منذ بزوغ شمس الامبراطورية الأمريكية زعيمة وحيدة للحضارة الغربية؛ الزعامة التي تكرست عقب جريمة ضرب هيروشيما وناجازاكي بالقنابل الذرية سنة 1945. بريطانيا خرجت لتوها من الاتحاد الأوروبي بعد حالة غير مسبوقة من العجز وقلة الحيلة في عملية اتخاذ القرار، وشهدت سلسلة من الفضائح هزت أركان ديمقراطية ويستمنستر العريقة، والاسكتلنديون ما انفكوا يطالبون بتنظيم استفتاء جديد للاستقلال عن التاج البريطاني، وبعد حقبة بوريس جونسون الصاخبة آل منصب رئاسة الحكومة إلى ليز تراس صاحبة الأداء السياسي المتواضع. الخلاصة في جملة واحدة أن النظام الديمقراطي الليبرالي في بريطانيا ربما لم يعد يعمل بالفعالية ذاتها التي كان عليها ولم يعد قادرا على ابتكار حلول لمشكلات المملكة بعد تحوله لما يشبه ممارسات شكلية وتقاليد بالية، وقد أكون مخطئا والله أعلم!
* فور وفاة الملكة يجري تفعيل خطة واسعة النطاق موضوعة منذ ستينيات القرن الماضي تحمل اسم “سقوط جسر لندن” لترتيب انتقال الحكم إلى وريث الملكة وإجراءات الجنازة والتنسيق مع الحكومات الخمس عشرة المنضوية تحت التاج البريطاني. تبدأ الخطة بمجرد أن يتصل سكرتير الملكة الخاص برئيسة الوزراء ويبلغها عبارة محددة: جسر لندن سقط!!
محمود مراد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى