النائبة البرلمانية الفرنسية-التونسية صونيا كريمي : تركيا هي آخر من يحق له إعطاء فرنسا الدروس في التاريخ والديمقراطية
باريس- “ القدس العربي”:
رداً على الجدل الكبير الذي أثير حول المشادة الكلامية الحادة بشأن ‘‘الإبادة الأرمنية’’ التي حصلت بينها ووزير الخارجية التركي، خلال اجتماع للجمعية البرلمانية لحلف شمال الاطلسي (الناتو) بآنطاليا التركية؛ أكدت النائبة البرلمانية الفرنسية-التونسية صونيا كريمي في حديث لـ “القدس العربي” أن نيتها لم تكن إعطاء الدورس لتركيا، منددة في نفس الوقت بما اعتبرته “تغطرس” المسؤولين الأتراك.
كريمي ( 37 عاماً) تونسية حاصلة على الجنسية الفرنسية عام 2012، ودخلت البرلمان الفرنسي عام 2017 بعد انتخابها نائبة عن حركة الرئيس إيمانويل ماكرون ‘‘الجمهورية إلى الأمام’’.
“القدس العربي”: ضيعنا في الصورة.. ما الذي حدث يومها؟
صونيا كريمي: الذي حصل هو أن رئيس البرلمان التركي مصطفى شنتوب، استغل انعقاد اجتماع الجمعية البرلمانية لحلف شمال الاطلسي (الناتو) في بلده، لمهاجمة فرنسا واتهامها بــالتلاعب بالتاريخ وتحميلها مسؤولية المجازر المرتكبة في الجزائر في حقبة الاستعمار وفي رواند إبان الحرب الأهلية بداية التسيعنيات؛ مع أن هذا الاجتماع يهدف أساساً إلى الوقوف عند المواضيع التي تجمعنا وليس تلك التي تفرقنا.
كما اعتبر السيد شنتوب أن تكريس بلدي مؤخرا ليوم الـ ـ24 من إبريل/نيسان مناسبة وطنية لإحياء ذكرى ‘‘الإبادة الأرمنية ’’ التي وقعت في عام 1915، يعد عاراً وأمراً مخجلاً.
هذه التصريحات وطريقة كلام رئيس البرلمان التركي وإعطائه الدروس، أثارت حفيظتي أنا وزملائي البرلمانيين الفرنسيين وحتى برلمانيين آخرين، وهو ما جعلني أرد عليه، بعد استشارة زملائي، حيث عبرت عن صدمتي من هجومه العنيف على بلدي ومن خطابه المقلق.
“القدس العربي”: مقاطع الفيديو التي تم تدوالها بشكل كبير على منصات التواصل الاجتماعي ونشرتها وسائل إعلام تركية وعربية، تظهر رد وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو عليك بعد ذلك، حيث هاجم فرنسا قائلاً إنها هي آخر من يمكنه إعطاء الدروس لتركيا في الإبادة، ورأيناك تغادرين القاعة.. هل كان ذلك احتجاجاً على هذه التصريحات؟
صونيا كريمي: نعم، ولكن غادرت القاعة بعد الاستماع إلى الخطاب المتغطرس للوزير التركي، فلم يكن مسموح لي بالرد. أريد هنا أن أرد على تشاوش أوغلو والمسؤولين الأتراك والصحافيين والمدونين الذين هاجموني، أن نيتي لم تكن أبداً إعطاء الدروس لتركيا ولا لغيرها. وأقول لهم إن تركيا بدورها هي آخر من يحق له إعطاء فرنسا الدروس في التاريخ والديمقراطية. وخطاب رئيس الدبلوماسية التركي هذا لم يكن للأسف دبلوماسياً، خاصة أن الاجتماع هو للوقوف عند النقاط التي تجمعنا وليس للتصعيد.
كما أنني صُدمت أكثر بعد حديث رئيس البرلمان التركي في وسائل إعلام تركية عن أصولي التونسية وتلميحه إلى أنني لست فرنسية وغير ذلك. وبالمناسبة رئيس البرلمان الفرنسي ريشارد فيران سيبعث برسالة إلى نظيره التركي احتجاجاً على اتهامه لنائبة في البرلمان الفرنسي بأنها ليست فرنسية. وهذه للأسف هي أفكار اليمين المتطرف لدينا . إن هؤلاء لا يستوعبون حقيقة أن إمرأة عربية يمكن أن يكون لها وجود ورأي سياسي في فرنسا.
‘‘ القدس العربي’’: مدونون عرب كثيرون انتقدوك على منصات التواصل الاجتماعي، باعتبارك تونسية أيضاً وكان حري بك أولاً العمل على أن تقوم فرنسا بالاعتراف والاعتذار عن ماضيها الاستعماري الأسود في الجزائر وبدورها في الحرب الأهلية الرواندية؟ .. ما ردك على بني جلدتك وإن كنت اليوم تتحدثين بصفتك نائبة في البرلمان الفرنسي؟
صونيا كريمي: الاستعمار بشكل عام هو مرحلة سوداء في تاريخ فرنسا وأنا كنت ومازلت من الشاجبين لها. ولكن كوني ضد ما حصل للجزائريين في حقبة الاستعمار أو الدور الفرنسي في الحرب الأهلية في رواندا…إلخ لايعني ذلك أن أغض البصر عما حصل ويحصل في العالم. أنا انتمى للجيل الجديد من السياسيين الذين يكرهون لغة الخشب ويميلون إلى قول الأشياء كما هي وبشكل واضح.
وتكريس فرنسا ليوم الـ24إبريل/نيسان مناسبة لإحياء ذكرى ‘‘ الإبادة الأرمنية” التي وقعت في عام 1915 هي فقط خطوة رمزية لا تعني أننا ضد تركيا اليوم شعباً وحكومة، فهي حليف في الناتو وشريك اقتصادي، ولكن هو اعتراف بأننا ضد ما حصل وقتها أي قبل أكثر من قرن من الزمن في حق الأرمن الذين توجد منهم جالية مهمة في فرنسا، وطبعاً الكل يعرف الراحل الكبير شارل آزنفور. وأنا لست ضد أي خطوة مماثلة لها علاقة بالماضي الاستعماري.
وبالحديث عن الديمقراطية، ألفت انتباهكم إلى أن الشخص من أصول جزائرية أو رواندية يمكنه أن يصبح نائبا في البرلمان الفرنسي، لكن شخصاً من أصول آرمنية لايمكنه أن يصبح برلمانياً في تركيا.
ثم يجب الإشارة إلى أن الرئيس ماكرون، قام بخطوة مهمة في سبتمبر/ أيلول الماضي بإقراره بمسؤولية بلاده عن إقامة نظام تعذيب إبان حقبة استعمارها للجزائر. كما أنه شكل قبل أيام لجنة مكونة من مؤرخين وباحثين، للبحث في الدور الذي لعبته فرنسا في الإبادة الجماعية برواندا خلال الحرب الأهلية الرواندية. المسار صعب وطويل، ولكننا في البرلمان الفرنسي، سنواصل المساعي التي تصب في هذا الاتجاه.
‘‘ القدس العربي’’: تشاوش أوغلو أشار إلى نقطة مهمة .. وهي أن قرار الرئيس الفرنسي ماكرون تكريس يوماً وطنياً لإحياء ذكرى ‘‘الإبادة الأرمينية’’ يتعارض مع قرار المحكمة الدستورية في فرنسا .. لماذا هذا الإصرار؟
صونيا كريمي: مسألة اعتراف فرنسا بــ’ ‘الإبادة الأرمينية’’ تمت منذ عام 2001، وبعد ذلك في السنوات الماضية حاول البرلمان تمرير موضوع تكريس اليوم الوطني لإحياء ذكراها؛ غير أن المحكمة الدستورية رفضت ذلك. وتكريس ماكرون ليوم 24 إبريل/ نيسان كيوم وطني لإحياء “الإبادة الأرمنية” يندرج ضمن وعوده الانتخابية.