كتب محمد الرصافي المقداد :ويتواصل التحدّي الإيراني رغم الحظر الظالم

بقلم: محمد الرصافي المقداد

إنّ المتوقّع من كل من يرفع شعارا تحرير أرض من مغتصب، أن يبرهن على صحة شعاره وصدق دعواه، ذلك أن المطالب كما يقول الشاعر أحمد شوقي، لا تنال بالتمنّي ولكن تؤخذ الدنيا غلابا، وليست هناك معضلة استعصت على الأمة العربية والاسلامية، بقدر القضية الفلسطينية، فلم يفلح حكام العرب مجتمعين ومتفرقين، في فعل شيء يحركها الى حلّ عادل، يحفظ كامل حقوق الشعب الفلسطيني دون تنازل، كما يعمل عليه عدد من ملوك ورؤساء عرب، باعوا الصفقة دون مقابل، بل وزادوا عليها من اموال وموارد شعوبهم النّفطية، نزولا عند إغراءات أمريكا والغرب، وتقرّبا تطبيعيا من الكيان الصهيوني.

في بداية النزاع العربي الصهيوني 1948، لم يكن بالإمكان دخول غير العرب فيه، ذلك أن نظام الشاه في ايران، كان قد اعترف بالكيان الصهيوني في ماي 1948، والتحقت بها تركيا تحت حكم عصمت إينونو في مارس 1949، ونظام الحكم في باكستان، الذي كان في أوائل انفصاله عن الهند الكبرى، منشغل بتوتّراته معها سنة 1947، ولم يكن النظام الرسمي العربي متّحدا حقيقة في مواقفه، ولا منسجما مع عواطف شعوبه الجيّاشة لتحرير فلسطين، فما كان خافيا علينا في تلك السنوات، المليئة بالمواقف المشبوهة، التي انكشف خداعها في أواخر القرن الماضي – سنة 1994- وبداية هذا القرن، وظهرت حقيقة انظمة كانت تخفي علاقاتها السياسية والإقتصادية بالكيان الصهيوني خليجا ومغربا.

 

ويبدو أن انفراط عقد تبني القضية الفلسطينية وتشتت جهود الصادقين فيه على قلّتهم قد زاد من معاناة الجانب المقاوم من فلسطين، وهذا يدفعنا حتما الى التنديد بالسلطة الفلسطينية التي انتهجت مسارا منحرفا عن القضية مطبّعا مع الكيان الصهيوني بأسوأ نوع من التطبيع وهو التنسيق الأمني معه بما يمثله في تاريخه من خيانة بحق المقاومين الفلسطينيين الاحرار، وفي نهاية المطاف لم يبق للقضية الفلسطينية سوى النظام الاسلامي الإيراني الذي كان المعبّر عن أولويّة سياساتها الخارجية متمثلة في تحرير فلسطين، كما أعلن عن ذلك مؤسسه الامام الخميني الراحل، ودعا شعبه الى الاعداد لذلك.

 

ومنذ ذلك الوقت، وإيران تعاني من عقوبات وتضييقات شديدة، ازدادت قسوة بمرور الأيام، حتى وصلت الى الحظر الإقتصادي الشامل، دون مراعاة حتى للإحتياجات الانسانية والطبّية، ولا رفعها جزئيا في ظل جائحة كورونا، من أجل اجبار ايران على التخلّي عن القضية الفلسطينية، والحد من برامجها ذات الصبغة العسكرية، بما لا يشكل تهديدا للكيان الصهيوني، وهذا ما ذهب اليه الرئيس الأمريكي ترامب بعد انسحابه من الاتفاق النووي سنة 2015 .

 

النظام الإسلامي كان وفيّا لمبادئه التي أعلنها جميعا وعلى رأسها القضية الفلسطينية، فسهر على مواكبة قواته العسكرية للتكنولوجيا صناعة وتأهيلا وتدريبا عاليا، وحقق في ظرف وجيز نجاحات باهرة في مجال الصناعات العسكرية، تزداد كمّا وكيفا كل شهر، ودون أن نذكّر ما سبق منها، يجدر بنا أن نعبّر عن ارتياحنا لتعدد نجاحات مسيرة صناعية عسكرية ضرورية، تحتاجها الأمة الإسلامية، للدفاع عن حقوقها وحظوظها في مواجهة اعدائها، المالكين لتلك التكنولوجيا، والحاكمين بها علينا سيطرة وتاثيرا وإملاء، ولا يبيعونها الينا نقدا ومسبقا الا بشروط منها عدم استعمالها ضد الكيان الصهيوني.

 

وتقدّما في استعداداته أعلن الحرس الثوري الإيراني الاربعاء، عبر موقعه الإلكتروني “سباه نيوز” عن أطلاق أول قمر اصطناعي عسكري من صحراء إيران المركزية، بواسطة صاروخ حامل للأقمار وقد استقر القمر ” نور 1+” في مداره حول الأرض على بعد 425 كلم، وقد وجّه اللواء سلامي التهنئة لقائد الثورة الاسلامية والشعب الايراني بمناسبة هذا النجاح، وقال: ان الاطلاق الناجح لهذا القمر الصناعي قد ارتقى بأبعاد جديدة من القدرة الدفاعية للجمهورية الاسلامية الايرانية وبفضل الباري تعالى فقد اصبح الحرس الثوري اليوم يمتلك الامكانيات الفضائية.. إن امتلاك هذه التكنولوجيا المتفوقة التي ستنقلنا الى الفضاء وتوسع نطاق قدراتنا يعد انجازا استراتيجيا..

 

واكد القائد العام للحرس الثوري على ان جميع اجزاء تكنولوجيا اطلاق هذا القمر الصناعي، سواء الصاروخ الحامل للقمر، او القمر الصناعي نفسه اعتمد على القدرات الوطنية من دون الاعتماد على الخارج، وانه تحقق في ظل الحظر المفروض ما يمثّل رسالة يحملها هذا الانجاز المهم الى امريكا مفادها، ان الحظر لا يعد عقبة في طريق تقدم ايران، بل ادى الى انطلاق محرك التكنولوجيا الحديثة، للوصول بإيران اليوم لتصبح قوة كبرى في المنطقة، وستكون على المستوى العالمي في المدى القادم.

 

تطوّر صواريخ إيران في مداياتها ودقتها، انجازات متلاحقة حققتها الصناعات العسكرية الإيرانية، بلغ بها مستوى متقدّم، مكّنها من تبوئ مكانة عالمية متقدمة، من بين الدول الكبرى المصنعة للصواريخ البالستية، فضلا على القاعدة الفضائية الامام الخميني لإطلاق  صواريخ الابحاث نحو الفضاء، وهذا لم يكن ليتحقق في ظل العقوبات الظالمة، التي تتعرض لها من طرف أمريكا، لولا تضحيات الشعب الايراني بنخبه المنتجة صناعيا وفكريا، والثابتة على مبادئها.

 

وقبل ذلك بثلاثة أيام تم الكشف عن نظامين راداريين جديدين، أطلق على أحدهما اسم “الخليج الفارسي” بمدى 800 كلم، هو رادار ثلاثي الأبعاد، قادر على اكتشاف جميع الأهداف التقليدية والمتخفّية، وكذلك الصواريخ البالستية، و على الرادار الثاني اسم ” المراقب  Moraqeb” بمدى 400 كلم، هو رادار ثلاثي الأبعاد، عالي الدقة بمدى 400 كم، وهاذين الرادارين قادرين على كشف الأهداف الجوية عالية الدقة، والأجسام الصغيرة، التي تحلق على ارتفاعات منخفضة ومتوسطة، وكشف الطائرات بدون طيار.

 

الانجاز الراداري الجديد الذي تحقق، يضاف الى سلسلة الانجازات العسكرية الاسلامية الايرانية، الدفاعية والهجومية، التي تزعج فقط أمريكا والكيان الصهيوني وعملاؤهما في المنطقة، ممن تخلّوا عن القضية الفلسطينية، وحتى قضايا شعوبهم، ورضوا بأن يكونوا عبيدا لأعدائهم بحماية وهميّة، أو بمقابل مهما بلغت فيمته، فإنه لن يشفع لهم خياناتهم لشعوبهم والشعب الفلسطيني، والتاريخ كتب في هذه الحالات انه لا يرحم.

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!