كتب محمد الرصافي المقداد / العدوان على اليمن وانقلاب السّحر على السّاحر

بقلم: محمد الرصافي المقداد

 لأن مشروع الشرق الأوسط الجديد، لا يستكمل اركانه الا بإنهاء محور مقاومة الاستكبار والصهيونية، فان ما جرى من عدوان سافر على اليمن (عاصفة الحزم)، ربيع سنة 2015 تحت مبررات خليجية واهية كإعادة الشرعية، هو في حقيقته من الناحية الاستراتيجية الامنية والعسكرية، استهداف لحركة انصار الله اليمنية، ذات الاهداف والشعارات المعروفة، بمعاداة نفس الاعداء، الذين وضعتهم ايران ومحورها المقاوم، على سلّم أولوياتها السياسية والعسكرية.

وحتى لا تكون أمريكا والعدوّ الصهيوني ظاهرين في صورة العدوان، أوكلت مهمة التخلّص من الحركة اليمنية المقاومة الى أعراب الخليج، في تحالف أقلّ ما يقال عنه أنه شيطاني، لا يملك من قيم الانسانية شيئا، فما كان بإمكان الجيش الامريكي القيام به من عدوان على المدنيين من ابادة كما حصل بفيتنام أصبح غير ممكن اليوم، ومدعاة لحركات احتجاجية مدنية وسياسية واسعة من الشعب الامريكي، الذي اعتقد أنه أصبح يدرك أن تلك الاعمال مدانة عنده.

أكثر من خمس سنوات متعاقبات، من قصف طيران التحالف الأعرابي، لم يستثني شيئا من ارض اليمن، مدنيا كان أم عسكريا، رجالا كانوا أم نساء أو أطفالا، لم يمنعهم قانون دوي  عن الآثار أو العمار، أهدافا مسجلة في التراث الإنساني، أم في الدفاتر العقارية المدنية لشعب أنهكه الفقر، واستضعفه أشقاؤه جيران السوء، ومع تعدد هذه الجرائم وقساوتها في اغلب الاحيان، لم يشر اليها بالإدانة لا أمم متحدة، مجلس أمنها، ولا مؤتمر إسلامي، ولا مجلس جامعة عربية، ودولها المجمعة دوما على مناصرة الظلم، ومعاضدة أمريكا وحلف سوئها العابث بمصائر البشرية.

هؤلاء جميعا قالوا أن تدخّلهم السافر في اليمن، كان من أجل إعادة الشرعية، وهي ليست سوى عميل أرعن انكشفت أوراق تآمره، ففر بجلده من عقاب مستحق، الى حيث يحتمي الجبناء من مصير يتوقّونه، ومن أجل حكومة مؤقتة انتهت شرعيتها بقرار شعبي، قرر المجتمع الدولي التزام الصمت على عدوان سافر، حطّم كل القيم والأعراف والقوانين الدّولية، فلم يصدر عنهم ما يعطي حقّا واحدا للشعب اليمني المظلوم، حتى تلك الدول والشعوب المصنّفة مسلمة، آثرت إتّباع سنن المنتظم الأممي الظالمة، ضاربة الصفح على دين حرّم الظلم تحريما، لا يترك مجالا لمناورة من يرى نفسه بعيدا عنه حتى بالصّمت.  

وكأنّ هؤلاء جميعا، اتفقوا على أن ما يصدر من تحالف الأعراب، من عدوان لم يترك شيئا جامدا أو متحركا في اليمن، إلا استهدفته طائراتهم بقنابلها وصواريخها، وآلياتهم بمدافعها، مبرّرا بعنوانه السخيف، وأنّ ما يصدر من الجيش اليمني الشّرعي ولجانه الشعبية، من ردّ فعل، بعد تحذيراته ودعواته المتكررة، بوقف العدوان وترك اليمن لأهله يقررون مصيرهم، وأهل اليمن ادرى بمصالحهم من الجيران والأعداء.

ان تعمى هذه الدّول وتونس منها على ما جرى في اليمن، وتلتفت الى قيام الجيش اليمني بردّ على قدر بسيط مما تعرض له شعبه، فتعتبره عدوانا سافرا وتندد به، مع أنه أصاب مواقع استراتيجية حساسة في الرياض، ردّا على اعتداءات جيشها، التي لم تتوقف على المدن اليمنية، بل إننا بعودتنا الى ما إدّعته السعودية في بيان لها ان الحوثيين ( اليمنيين) استهدفوا بصاروخ بالستي مكة المكرمة كان تجييشا لمشاعر عامة المسلمين ضد المقاومة اليمنية ممثلة في جيشها ولجانه الشعبية.

الصاروخ الذي وقع اعتراضه على بعد 65 كلم، كان في اتجاه مطار الملك عبد العزيز في جدّة وليس مكة، ردّا على قصف مطار صنعاء، وباعتبار ان اليمنيين مسلمين محافظين على معتقداتهم وشعائرهم، فهم يعتبرون مكة وحرمها مكانا مقدّسا يحرم انتهاكه، وهم اولى باحترامه والدفاع عنه، كذب السعوديون في ادعائهم كان مفضوحا، وزاده تكذيبا بيان الخارجية البريطانية المنشور حينها، على موقعها الرسمي، وجاء فيه: ان الصاروخ الذي اطلق مؤخرا من محافظة صعدة، كان يستهدف مطار الملك عبد العزيز.

ما يدعو للأسف هنا ان تستجيب دول وأحزاب عربية واسلامية لادّعاء السعوديين فتصدر بياناتها المنددة دون أدنى نظر أو تحفظ، ومن هؤلاء وزارة الخارجية وحركة النهضة، وهذا ظلم آخر يتعرض له احرار اليمن، المدافعين عن أرضهم وشعبهم من عدوان سافر، واهي المبررات خبيث النوايا، يستهدف أساسا لإخضاع اليمن الى مشيئة دول الخليج، وكلاء أمريكا وبريطانيا والصهاينة في المنطقة.

وما بين 2016 و 2019 تعددت ادّعاءات الجانب السعودي، في اتهام صنعاء باستهداف مكة المكرمة، وقد وقع الردّ على ذلك من طرف الناطق باسم الجيش الوطني ولجانه الشعبية يحي سريع: (النظام السعودي يحاول من وراء هذه الادعاءات حشد الدعم والتأييد لعدوانه الوحشي على الشعب اليمني، سيما وقد أثبتت أربع سنوات من الصمود اليماني، فشله العسكري والسياسي، وبالتالي يحاول مجددا التغطية على جرائمة المرتكبة بحق شعبنا المسلم وبلدنا..
إن التحالف يحاول استغلال المكانة الدينية لمكة المكرمة لدى قلوب المسلمين، وذلك لتحقيق أهداف ومخططات أعداء الأمة.
)

بجملة الادعاءات الباطلة والمغالطات المفضوحة، مضى تحالف العدوان على اليمن الى ابعد مدى ممكن في استهتاره بحقوق الشعب اليمني وتجاهله لدعوات وقف القتال ورفع الحصار الخانق المضروب على اليمن مطار صنعاء وميناء الحديدة، وترك المجال لحل سلمي يضمن استكمال اهداف الثورة اليمنية، فلم يكن هناك من بدّ، سوى الردّ على العدوان الذي لا يرعوي، بالرفع من نسق الهجمات على مواقع حساسة في العمقين السعودي والاماراتي، فكان قصف مجمع أرامكو مرتين، وقصف مطار ابو ظبي، وقصف قاعدة طيران (خميس مشيط) في (عسير) القريبة من الحدود اليمنية الشمالية، واصابة جناحا للطائرات الحربية هناك.

ومنذ 2019 فقدت السعودية عمقها الاستراتيجي، باستباحته من طرف الطائرات بدون طيار والصواريخ اليمنية، فقد استهدفت ثلاثة مواقع هامة، منها وزارة الدفاع ووزارة المخابرات وقاعدة الملك سلمان، في عمق 700 كلم متجاوزة على الأقل ثلاثة محطات رادار وصواريخ باتريوت، ما يشكّل في حدّ ذاته تحوّلا جوهريا في مسار الحرب على اليمن، سينتهي بهزيمة المعتدين وردعهم بالقوة، بعدما اغلقوا سبل الحل السلمي في وجه أهله.

معادلة الرّدع التي ينفذها الجيش اليمني مدعوما بلجانه الشعبية هي نقلة نوعية لليمنيين من تلقي الضربات المتكررة  الظالمة، الى تحوّل من حال استيعابها وتحمّل أضرارها، الى حال الهجوم الذي لم يكن في حسبان تحالف الشرّ، فتبدأ مرحلة انقلاب السّحر على الساحر، وانتقام اليمنيين من أشقاء، رضوا بأن يكونوا أدوات مفسدة في أيدي أعداء الأمة.

وبعد أين المفرّ لتحالف العدوان على اليمن؟ والى أي مدى بإمكانهم الاستمرار في جرائمهم؟ وهل بإمكان حصولهم على مختلف انواع الاسلحة والذخائر حتى المحرمة منها من أمريكا والدول الغربية أن يوصلهم الى تحقيق أهداف اخضاع الشعب اليمني واستغلال موقعه الاستراتيجي بما يريده مشغّلو التحالف السيء الذّكر؟

والى أي مدى سيتواصل الدعم المعنوي الذي تحصل عليه السعودية والامارات من حكومات واحزاب عربية بما يوعز اليهم بالتنديد بكل ضربة موجعة تصيب جاهلية نظامين لم يكونا موجودين أساسا لولا بريطانيا وأمريكا، فهل سينفع تونس وحركة النهضة مواقف كالتي صدرت منهما، عندما تنهزم السعودية والامارات، وتبقى دبلوماسيتنا في موضع حرج وغير أخلاقي، يتحتّم عليها الاعتذار مما صدر عنهما من مواقف، وماذا ينفع الاعتذار حينها؟ اليس من الأحرى على هؤلاء أن ينتهجوا سبيل الاعتدال، ونهج الحق في القضايا الدولية، وخصوصا ما تعلق بالأشقاء ومعاناتهم التي لم يعيروها اهتماما، وبدل الاصطفاف المخزي مع المعتدين والظالمين، لقد كان حريّا بهم أن يخافوا الله ويتّقوه، بدل الطمع فيما تجوده دول العدوان على اليمن.

أعتقد أنه آن الأوان لمراجعة المواقف الخاطئة، قبل تلبس دبلوماسيتنا بخطيئة عدم تقدير العواقب، والوقوف بعدها مواقف النّدم الذي لا ينفع، فما خسرناه الآن من تذيّل لذيول امريكا، وسعيهم لتثبيت مصالح الكيان الصهيوني، ووجوده المهيمن على المنطقة وسياسة محاور حزبية ضيقة، لا ترى أبعد من تموقعها الذي حصلت عليه بطرق مختلفة، اللهم إني قد بلّغت، اللهم فاشهد على قوم ابوا الا ان يكونوا مع الظالمين، اللهم أني أبرأ اليك منهم، اذا لم يعودوا عن غيّهم. 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!