دردشة يكتبها الأستاذ الطاهر بوسمة / بات من المؤكد تكوين كتلة رئاسية في البرلمان
بعد الهزة الأخيرة التي احدثتها الانتخابات التشريعية التي أنهت وجود أغلب الأحزاب السياسية حتى التي أنشئت قبل استقلال تونس وفي زمن الاستعمار البغيض، كالحزب الشيوعي الذي جمد في فترة ما، وكما جرى على أحزاب وسطية عدة تأسست منذ عقود وقاومت ديكتاتورية النظام السابق وصمد البعض منها وسقط البعض في الطريق، ولكنها لم تقدر على البقاء هذه المرة مثل غيرها ممن تأسست بعد الثورة بالمئات الا التي تمتعت بالسلطة والجاه أو بالمال الفاسد الوفير.
في تلك الأجواء أكملت عليها انتخابات رئاسة الجمهورية التي نجح فيها بامتياز مترشح لم ينتمي لأي حزب بل دخل مزودا بإرادة الشعب يريد.
لم نر تلك الأحزاب التي فشلت جزئيا أو كليا تستخلص الدرس والعبرة وتعيد النظر في برامجها وطرق عملها حتى التي جاءت الأولى في الترتيب، أو التي جاءت بعدها وكانت تطمع في الحكم قبل ان تخيب ويخيب رئيسها من جديد.
رأينا الأحزاب الفائزة تعجز على تشكيل حكومة وفاق، ولم تتميز عن بعضها في عدد المقاعد الا بالقليل.
إنها لم تفهم الرسالة ورأيناها تتعامل مع بعضها مثلما تعاملت احزاب أكبر منها قيمة وفشلت في البقاء ولقنها الشعب درسا بالصندوق.
لذلك يظهر ان تشكيل الحكومة سيطول وتونس لم تعد تتحمل كل هذا التأخير، وأنه يجب الحسم نهائيًا والدخول فيما بات الشعب يترقبه منها بدون تأجيل.
رأيت ان أحسن طريقة للخروج من هذا المأزق الذي ليس له من حلول الا بفهم الرسالة التي وجهها الناخبون لما اعطوا صكا على بياض للرئيس سعيد بمنحه أغلبية بثلاثة ارباع المصوتين.
وكان عليه وعلى تلك الأحزاب تصريف ذلك الصك في القريب وإقحام الرئيس في المعادلة ونسيان عدد المقاعد في مجلس النواب لأنها لن تفيد.
يمكن لتجاوز المعطلات استنباط طريقة أصبحت في متناول الجميع وذلك بإنشاء كتلة صلبة في مجلس نواب الشعب تحت عنوان كتلة الرئيس، تتركب من كل الأحزاب والنواب المستقلين الذين صوتوا له في الانتخاب الأخير.
وذلك لن يقلل من قيمة المعارضة التي تعينت في حزبين اثنين: قلب تونس والدستوري الحر وبعض النواب الآخرين.
بذلك يمكن لنا تجاوز الصعوبات ونلبي رغبة الشعب بالتوافق الصحيح بين الأحزاب التي اجمعت على تأييدها لرغبة الجماهير واعطت ثقتها في الرئيس الجديد.
لم يكن ذلك منسجمًا كليًا مع الدستور ولكنه يمكن تجاوزه في هذه النقطة اعتبارا لأن من حق الثورة بالصندوق أن تجب ما قبلها من قيود، ولكن ذلك يكون مستحبًا لو تم التوفيق بين المصلحة التي باتت متأكدة والدستور.
ويمكن ذلك بالتخصيص بعدما يتم التوافق على فترة استثنائية يتفق فيها على كل الأهداف من مقاومة للإرهاب والفساد وإجراء الإصلاحات الكبرى الموجعة وسن سياسة تقشف تبدأ من فوق بتحديد عدد الوزراء والمستشارين وتعطيل الإضرابات لفترة خمس سنين على أساس زيادة في المرتبات والأجور ومقارنتها بالتضخم وغلاء الأسعار على سبيل المثال والتقدير وغير ذلك من القضايا الهامة الأخرى وذلك لتطوير الإنتاج والإنتاجية وادخال منظمة الرقمية في الإدارة لحد الاستطاعة.
وكل ذلك يتم في وثيقة رسمية يصادق عليها مجلس نواب الشعب الجديد الذي باتت فيه أغلبية كافية تتركب ممن صوتوا للرئيس معهم المنظمات الاجتماعية والاقتصادية الكبرى التي لها على منظوريها نفوذ.
لم يكن ذلك في نظري بالأمر المستحيل لان مجلس النواب بات مقسمًا بين فسطاطين واحد مع الثورة والرئيس والآخر محتفظ بأية عليها مع الذين خسروا في الانتخابات الأخيرة وشكلوا أقلية تحترم وجوبا من الجميع للرقابة وللحماية من أي تجاوز محتمل يجد في الطريق تعتبر ضرورة وجب عليه التنبيه.
ومما يؤيد وجاهة اقتراحي هذا عدم وجود كتلة برلمانية صلبة للرئيس الواقع الإجماع عليه بالصندوق بأكثر من ثلاثة ارباع من المقترعين.
انه بذلك سيتمكن من تنفيذ الوعود التي لم يلتزم بها للشعب، ولكنه بات بها مطلوبا، لانها تمثل أمله الوحيد الذي جاء به للعمل والتغيير وليس للجلوس في قصر قرطاج المنيف.
كان ذلك الذي وقع بفرنسا اذ ان الرئيس ماكرون لما تم انتخابه لم تكن له كتلة في الجمعية الوطنية، وتشكلت بإجراء انتخابات تشريعية تجاوز فيها الأحزاب القديمة والتي لم تقدر على الصمود أمام رئيس جديد مدعم بأصوات الجماهير.
كما اننا بذلك سنتخلص من عقدة الحزب الفائز في الانتخابات التشريعية الذي لم تكن له الأغلبية المطلقة في المجلس ويبقى رهن التجاذبات مثلما حصل في الدورة السابقة التي بات كل يرمي بالفشل المؤكد للمجهول على الآخر الذي تحالف معه بنسبة محدودة.
انها فكرة مجردة أطلقها ولمن لهم السلطة والنفوذ لأخذ ما هو منها مفيد، والعبرة بالنتيجة وليس بالتصدر في الموقع.
باريس 26 أكتوبر 2019