دردشة يكتبها الأستاذ الطاهر بوسمة / هل الديموقراطية غاية أم وسيلة؟
تعرَّف الديموقراطية بحكم الشعب للشعب وكان اول من أبتكرها وكتب عنها فلاسفة اليونان في قديم الزمان ولخصها أفلاطون في جمهوريته وتطورت وتعددت أنواعها وأشكالها وأخذ الغرب بها وأعطت نتائج مشجعة، وقال عنها رئيس وزراء بريطانيا العظمى تشرشل انها من أقل الأنظمة سوء.
ولمن يريد ان يعرف عنها أكثر فعليه بالدخول إلى موقع الشيخ قوقل إن أراد، وإن لم يكفه ذلك فعليه بما كتب عنها في الكتب المدونة حولها وتلك قضية أخرى.
لم تكن معروفة عندنا نحن العرب والبربر ومن والانا من ذوي السلطان الأكبر، وكتب عنها الفارابي في مدينته الفاضلة التي لم نرها أو ننعم بالعيش فيها.
رأينا غيرها عندنا في أنظمة الملك المطلق المتوارث والمشيخة والقبلية والأنظمة الشمولية وأنظمة الفوضى التي عمت العالم شرقه وغربه وما زالت فيه قائمة، وحتى من اعتمدها اسميًا فقد بقيت لتبرير التجاوزات وتزوير الانتخابات بكل أشكالها بالجاه والمال وما يؤدي إلى تأبيد الحكم بالقوة العامة وبالجيش المسخر لفائدة حكامها الذين باتوا من الجبارين البغاة.
قلت وقد اختلف القوم عندنا فيها وفي طبيعتها، ومنذ استقلالنا وتغير شكل الحكم من ملكية بالتوارث إلى جمهورية ديموقراطية بالتوافق بين الحزب الحاكم مع المنظمات القومية من اجتماعية واقتصادية واتحاد للمرأة، إلى جمهورية لمدى الحياة وأخرى على المقاس، انتهت بثورة ألزمت صاحبها على الفرار.
أما ما يهمنا فهو ان الديموقراطية تعتبر وسيلة وليست بغاية، اذ يراد منها تنظيم المجتمعات وتحقيق التوازن بالقضاء على الطبقية والقبلية والامتيازات، وبتوفير العدل بالمساواة بين الناس وازالة الفوارق بين الأجناس والأعراق.
تذكرت كل ذلك وأنا بصدد قراءة كتاب قصة حياتي لجواهر لآل نهرو الذي عربه لنا مروان الجابري في طبعة ثانية 1959.
لقد شدني ذلك الكتاب الذي قرأته بإمعان فأردت أن أستشهد بفقرة منه في هذه الدردشة تعطي تعريفًا للديموقراطية تعريفا طريفا وكما جاءت بالصفحة298:
(إن مفهوم غاندي للديموقراطية هو قطعًا مفهوم ميتافيزيقي فالأساس الديموقراطي عنده لا يقوم على التمثيل البرلماني وحكم الأكثرية وفق المفهوم العادي إنما تستند ديموقراطيته إلى مبدأ الخدمة والتضحية.
وقد كتب مؤخرًا (عام1934) يناقش فكرة الديمقراطية قائلا:
؛ يجب ان نقر بحقيقة ان حزب المؤتمر لا يتمتع بمقام ذي طابع ونفوذ ديموقراطي بفضل كثرة عدد مندوبية وكثرة الزوار والمستمعين الذين تستجرهم اجتماعاته السنوية، إنما يتمتع بذلك المقام بفضل الخدمات المتزايدة التي أداها.
أما الديموقراطية الغربية فهي في محنة الفشل. هذا إذا لم تكن قد اثبتت فشلها. وعسى ان يكتب للهند ان تنتج ديموقراطية صحيحة عن طريق إعطاء برهان منظور على نجاحها فلا يجب ان يكون الفساد والرياء النتاج المحتم للديموقراطية كما هو اليوم.
ان الديموقراطية الصحيحة ليست ديموقراطية تقوم على أساس ان يمثل أشخاص معدودون نفسية وامال ومطامح أولئك الذين يزعمون انهم يمثلونهم.
ان الديموقراطية لا يمكن ان تطور بوسائل مفتعلة وبوسائل القسر. ولا يمكن ان تفرض روح الديموقراطية من الخارج بل يجب ان تأتي من الباطن؛) انتهى كلامه.
ذلك الذي شدني ورأيت الهند بسكانها الأكثر من مليار ومن اعراق وأجناس وديانات ولهجات أجبرتها على الإبقاء على الإنكليزية للتوافق.
وبالرغم عن كل ذلك كله فالديموقراطية مازالت فيها قائمة تعيش تحت نظام حكم برلماني اختارته لنفسها وباتت اليوم من القوى العظمى التي يحسب لها في التوازنات العالمية حساب بالرغم من عبادة البعض فيها للبقر. وتناسخ للأرواح.
أكتب عنها وربما سأكتب ثانية بعد قراءة ثانية متأنية لذلك الكتاب الذي كتبه أول حاكم لها بعد استقلالها عن بريطانيا العظمى وعرفت بسياسة أللا عنف والمقاطعة.
كل ذلك يذكرني فيما جرى عندنا في فترة الانتقال الديموقراطي الذي أتت به لنا الثورة المباركة وكيف بتنا نفهم الديموقراطية بالمقلوب ونصنف بعضنا، ونكون منا شعوبا، بينما كانا دائما شعب وحدًا متكاملا في العرق واللغة والدين، لم نكن نسمع من فبل بمسلم أو علماني يفرقنا إلى ملل ونحل جماعات متنافرة، لم يعرفها آباؤنا ولا أجدادنا لأنهم كانوا في أغلبهم على الفطرة مسلمين على المذهب مالك رضي الله عنه وأرضاه وعن مذاهب السنة كلها.
لقد نسينا ان الديموقراطية لا تفرق بين بني الإنسان، ويعترف من دخل فيها صادقا بالتساوي وحق الاختلاف الذي لا يفسد للود قضية كما يقول المثال، وأنه لا فضل لاحد على الآخر إذا كان يعمل في إطار ما اجازه القانون الذي جاء لتفعيل الدستور الذي صغناه بأنفسنا.
رأيت الأحزاب الفائزة في الانتخابات التشريعية الأخيرة تتجاذب التوافق لتشكيل الحكومة القادمة ولم يكن لها أغلبية مطلقة في البرلمان تخول لها الحكم والانفراد بالقرار، وبات الأمر يتطلب تحالفا مع الحزب الذي خصه الدستور بالأولوية في تشكيل حكومة تحظى بالقبول، وكان حزب حركة النهضة هذه المرة المخول له ذلك، ولكننا رأينا من الأحزاب الفائز أكثرنا بالإسعاف وبموجب ما تبقى من فواضل في الأصوات. قد باتت تتمنع وتشترط في الشروط المعجزة ولم تدرك أهمية المرحلة والرسالة التي وجهها الشعب للأحزاب، ولهم في نداء تونس المثال وقد ذهب شذرًا مذرا وانتهى من 86 مقعد إلى مقعدين أو ثلاثة تحصل عليهما بالإسعاف من الفواضل بسبب فساد قانون الانتخاب، وبات أصحابه يفتشون عمن يقبلهم في كتلته من الأحزاب.
وعليه قدرت أنه كان علينا أن نتواضع قليلًا أمام تلك القارة الآسيوية التي تعيش في ديموقراطية ثابتة من وقتها ولم تدخل في أزمة حكم على طول المدة. وكان علينا أن نفهم باننا لا نمثل بالنسبة للهند أكثر من معتمدية واحدة.
أما كان علينا أن نغير وجهتنا ونتعلم من هؤلاء وهؤلاء ولا نبقى أسرى لمن هيمن علينا لسبعين سنة وترك فينا عقدة تكرس تخلفنا بترك أصالتنا وعاداتنا ولغتنا وديننا لنقتدي بحضارتهم التي اتضح انها لا تناسبنا. والله الموفق والسلام.
تونس 4 أكتوبر 2019