فضيحة ومهزلة ومسخرة: لجنة النظام الداخلي بالبرلمان تدوس على الدستور وبالأخص الفصل 59 منه
وافقت لجنة النظام الداخلي والحصانة والقوانين البرلمانية والقوانين الانتخابية التي يتراسها ناجي الجمل عن كتلة النهضة على مقترح التعديل المتعلق بتنقيح وإتمام النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب بأغلبية الحضور مع تحفظ نائب ورفض نائب آخر وهي توصي الجلسة العامة بالمصادقة عليه.
وتجدر الاشارة الى ان اللجنة تتكون من 6 اعضاء عن كتلة النهضة و3 اعضاء عن الكتلة الديمقراطية و3 اعضاء عن كتلة قلب تونس وعضوين عن كتلة الحزب الدستوري الحر وعضوين عن ائتلاف الكرامة وعضو عن كتلة الاصلاح وعضو عن كتلة تحيا تونس.
فالدارس لتلك التحويرات غير الدستورية والتافهة المزمع ادخالها على النظام الداخلي لمجلس نواب الاحزاب وليس الشعب يستنتج انها ترمي الى تكميم افواه النواب واثنائهم عن القيام بمهامهم الرقابية رغم محدوديتها الكبيرة. فعلى سبيل المثال لا الحصر، تم من خلال الفصل 145 جديد الزام النائب بان لا يقدم اكثر من 50 سؤالا كتابيا خلال الدورة. كما تم الزامه بعدم تقديم اكثر من 10 اسئلة شفاهية خلال الدورة. ايضا، تضمنت التحويرات بعض الاحكام الباهتة والخالية من أي مضمون كالفصل 27 مكرر الذي نص على ان يعمل النواب على تجنب ووضع حد لكل حالات تضارب المصالح. فالملاحظ ان العديد من النواب الذين هم في وضعية تضارب مصالح يشاركون في اعمال اللجان البرلمانية ويصوتون داخلها ويوجهون اعمالها لخدمة مصالحهم ومصالح المهن التي ينتمون اليها مثلما هو الشان على سبيل المثال لا الحصر بالنسبة للجنة المالية. من لا يعرف ان التركيبة الفاسدة وغير الدستورية لبعض الهيئات والمجالس تم تكريسها من قبل نواب في وضعية تضارب مصالح، علما ان تضارب المصالح حال دون الطعن فيها امام ما يسمى بالهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين (المجلس الاعلى للقضاء، هيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد، هيئة حقوق الانسان، هيئة النفاذ الى المعلومة، هيئة الانتخابات…). من لا يعرف ان نوابا في وضعية تضارب مصالح حرموا المواطنين من حقهم الاساسي في التقاضي من خلال اجبارهم على اللجوء لخدمات محامي مثلما هو الشان بالنسبة لاجراءات الدفع بعدم دستورية القوانين. من لا يعرف ان بعض النواب كانوا وراء اغتصاب مجال تدخل المحامي والمستشار الجبائي من خلال الاحكام الفاسدة وغير الدستورية المكرسة بالفصل 19 من قانون المالية لسنة 2015 والفصل 47 من قانون المالية لسنة 2016، علما ان تلك الاحكام الفاسدة والمخالفة للفصل 65 من الدستور الحقت اضرارا جسيمة بالخزينة العامة.
اما الفصل 159 من النظام الداخلي، فقد اشار بصفة باهتة ومائعة الى الحوار مع الهيئات التي تحولت الى ضيعات خاصة تحت غطاء الاستقلالية يهدر من خلالها المال العام دون انتاج يذكر. هذه الهيئات خلفت شعب ولجان تنسيق التجمع حيث انها لا تخضع لاية رقابة ومحاسبة خاصة اذا علمنا ان البرلمان ليس له جهاز رقابي خلافا لما هو موجود داخل البلدان الاسكندنافية والولايات المتحدة الامريكية اين نجد جهاز المراقب العام وكندا اين نجد جهاز المدقق العام.
اخطر ما ورد بتلك التحويرات غير الدستورية حذف اللجان الخاصة بغاية ضرب اللجنة المعنية بمكافحة الفساد وذلك في دوس صارخ ومفضوح على الفصل 10 والفصل 59 من الدستور الذي نص بوضوح على ما يلي “يشكل مجلس نواب الشعب لجانا قارة ولجانا خاصة تتكون وتتوزع المسؤوليات فيها على اساس التمثيل النسبي”. الا يعلم من شاركوا في تلك المهزلة والمسخرة ان حذف اللجان الخاصة يستلزم تحوير دستور المغانم والهيئات والضيعات الخاصة وتفتيت الدولة وتدمير المرفق العمومي كما نلاحظه اليوم.
اضافة الى تلك المهزلة والمسخرة، نلاحظ ان اهم التحويرات لم يتم التطرق اليها كمنح النواب حق مساءلة كل الجهات المنتفعة بالمال العام والممولة منه وبالاخص ما يسمى بالهيئات المستقلة او بالاحرى المستغلة والبنك المركزي والمجلس الاعلى للقضاء وغيرها. هل يعلم من شاركوا في تلك المهزلة والمسخرة ان السلطة القضائية منفلتة في اطار دستور تدمير المرفق العمومي والضيعات الخاصة حيث لا يراقبها احد. كما ان تلك التحويرات لم تتطرق الى مسالة عدم مواجهة النواب بالسر المهني والى ضرورة سن قانون من اجل تجريم من لا يحضر ومن لا يدلي بشهادته امام لجان التحقيق وكذلك توفير حماية للشهود الذين يحضرون امام لجان التحقيق مثلما هو الشان بالنسبة للقانون الفرنسي عدد 1100 لسنة 1958.
فعلى الذين يروجون للحوار الوطني عليهم ان يطلعوا على مقترح التحويرات المتعلقة بالنظام الداخلي لمجلس نواب الشعب ليعرفوا طبيعة الاحزاب التي سوف تشارك في الحوار ليتاكدوا ان لا فائدة من وراء ذاك الحوار الذي لن يشكل الا جرعة اكسجين بالنسبة لتلك الاحزاب المفلسة والمدمرة وغير الديمقراطية