ابنة المنصف‭ ‬المرزوقي‭ ‬تهاجم‭ ‬قيس سعيد‭

‭ ‬انتقدت‭ ‬الأكاديمية‭ ‬والباحثة‭ ‬نادية‭ ‬المرزوقي‭ ‬ما‭ ‬آلت‭ ‬إليه‭ ‬تونس‭ ‬من‭ ‬تردٍّ‭ ‬للحريات‭ ‬العامة‭ ‬وغياب‭ ‬الديمقراطية‭ ‬تحت‭ ‬حكم‭ ‬الرئيس‭ ‬قيس‭ ‬سعيد،‭ ‬واصفة‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬بـ»المأساة‮»‬‭.‬

وقالت‭ ‬المرزوقي‭ ‬وهي‭ ‬ابنة‭ ‬الرئيس‭ ‬الأسبق‭ ‬المنصف‭ ‬المرزوقي؛‭ ‬إن‭ ‬الرئيس‭ ‬الحالي،‭ ‬قيس‭ ‬سعيد،‭ ‬الذي‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬السلطة‭ ‬بطريقة‭ ‬ديمقراطية،‭ ‬يعمل‭ ‬منذ‭ ‬استلامه‭ ‬لمنصبه‭ ‬بشكل‭ ‬منتظم‭ ‬على‭ ‬تفكيك‭ ‬الديمقراطية‭ ‬في‭ ‬البلاد،‭ ‬فقد‭ ‬قام‭ ‬بحل‭ ‬البرلمان،‭ ‬وفرض‭ ‬دستورا‭ ‬جديدا‭ ‬يمنحه‭ ‬صلاحيات‭ ‬هائلة،‭ ‬ومارس‭ ‬القمع‭ ‬بحق‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬تسول‭ ‬له‭ ‬نفسه‭ ‬معارضته‭.‬

وتاليا‭ ‬نص‭ ‬مقال‭ ‬نادية‭ ‬المرزوقي‭:‬

كان‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬شباط‭/‬فبراير‭  ‬من‭ ‬عام‭ ‬2011،‭ ‬بعد‭ ‬بضعة‭ ‬أسابيع‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬انطلاق‭ ‬الانتفاضة‭ ‬الشعبية‭ ‬التي‭ ‬أجبرت‭ ‬زين‭ ‬العابدين‭ ‬بن‭ ‬علي،‭ ‬دكتاتور‭ ‬تونس‭ ‬لفترة‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬الزمن،‭ ‬على‭ ‬التنحي‭ ‬ومغادرة‭ ‬البلاد‭. ‬عدت‭ ‬حينها‭ ‬إلى‭ ‬البلد‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬منذ‭ ‬عشر‭ ‬سنين،‭ ‬وكان‭ ‬والدي‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬معارضي‭ ‬النظام،‭ ‬فلم‭ ‬يكن‭ ‬آمنا‭ ‬لي‭ ‬البقاء‭ ‬فيها‭. ‬في‭ ‬عام‭ ‬2011،‭ ‬عندما‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬تونس،‭ ‬وكنت‭ ‬قد‭ ‬تعودت‭ ‬كلما‭ ‬قدمت‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬أتعرض‭ ‬للتفتيش‭ ‬والتحقيق‭ ‬في‭ ‬المطار،‭ ‬استقبلني‭ ‬ضابط‭ ‬من‭ ‬أمن‭ ‬المطار‭ ‬بابتسامة‭ ‬عريضة،‭ ‬فعرفت‭ ‬حينها‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬أنجزته‭ ‬الثورة‭.‬

في‭ ‬شهر‭ ‬كانون‭ ‬الأول‭/‬ديسمبر‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬السنة،‭ ‬انتخب‭ ‬والدي،‭ ‬منصف‭ ‬المرزوقي،‭ ‬رئيسا‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬المجلس‭ ‬التأسيسي‭. ‬غمرني‭ ‬شعور‭ ‬بالفخر‭ ‬وأنا‭ ‬لا‭ ‬أكاد‭ ‬أصدق‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬من‭ ‬حولي‭. ‬أتذكر‭ ‬مبتسمة‭ ‬كيف‭ ‬أنني‭ ‬وشقيقتي‭ ‬كان‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬ندفع‭ ‬سيارته‭ ‬البيجو‭ ‬القديمة‭ ‬كل‭ ‬صباح‭ ‬حتى‭ ‬تشتغل‭ (‬وحتى‭ ‬يوصلنا‭ ‬إلى‭ ‬المدرسة‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬المحدد‭). ‬لقد‭ ‬كرس‭ ‬والدي‭ ‬حياته،‭ ‬كطبيب‭ ‬وكناشط‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬وكسياسي،‭ ‬للنضال‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الديمقراطية،‭ ‬وكم‭ ‬كانت‭ ‬تكلفة‭ ‬ذلك‭ ‬باهظة‭ ‬بالنسبة‭ ‬له‭ ‬شخصيا،‭ ‬ثم،‭ ‬ها‭ ‬هو‭ ‬يصبح‭ ‬أول‭ ‬رئيس‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬الديمقراطية‭.‬

أشعر‭ ‬وكأن‭ ‬دهرا‭ ‬طويلا‭ ‬مر‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬الحدث‭. ‬فالآن‭ ‬لدينا‭ ‬رئيس‭ ‬يحكم‭ ‬بالمراسيم،‭ ‬ويحمل‭ ‬في‭ ‬يده‭ ‬معولا‭ ‬يدمر‭ ‬به‭ ‬مؤسسة‭ ‬القضاء،‭ ‬ويذكي‭ ‬نار‭ ‬الكراهية‭ ‬ضد‭ ‬المهاجرين‭ ‬السود،‭ ‬ويهاجم‭ ‬المعارضين،‭ ‬يدعمه‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬برلمان‭ ‬منبطح‭. ‬تمتلئ‭ ‬سجون‭ ‬البلد‭ ‬بالصحفيين‭ ‬والنشطاء‭ ‬والمعتقلين‭ ‬السياسيين،‭ ‬الذين‭ ‬حبسوا‭ ‬ظلما‭ ‬وعدوانا‭ ‬ويحتجزون‭ ‬في‭ ‬ظروف‭ ‬غير‭ ‬إنسانية‭. ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬الكثيرين‭ ‬الذين‭ ‬فروا‭ ‬من‭ ‬البلد؛‭ ‬خشية‭ ‬أن‭ ‬يلقوا‭ ‬نفس‭ ‬المصير‭. ‬في‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬عقد‭ ‬من‭ ‬الزمن،‭ ‬انحطت‭ ‬تونس‭ ‬من‭ ‬الديمقراطية‭ ‬إلى‭ ‬الدكتاتورية،‭ ‬ومن‭ ‬الرجاء‭ ‬إلى‭ ‬الرعب‭.‬

وصل‭ ‬الرئيس‭ ‬الحالي،‭ ‬قيس‭ ‬سعيد،‭ ‬إلى‭ ‬السلطة‭ ‬بطريقة‭ ‬ديمقراطية،‭ ‬فبعد‭ ‬حملة‭ ‬شعبوية‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2019‭ ‬قدم‭ ‬نفسه‭ ‬فيها‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬قادم‭ ‬من‭ ‬خارج‭ ‬المؤسسة‭ ‬ليقف‭ ‬مع‭ ‬الشعب‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬النخبة‭ ‬الحاكمة،‭ ‬فاز‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬بما‭ ‬نسبته‭ ‬72‭ ‬بالمائة‭ ‬من‭ ‬الأصوات،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬منذ‭ ‬استلامه‭ ‬لمنصبه،‭ ‬وهو‭ ‬يعمل‭ ‬بشكل‭ ‬منتظم‭ ‬على‭ ‬تفكيك‭ ‬الديمقراطية‭ ‬في‭ ‬البلاد،‭ ‬فحل‭ ‬البرلمان،‭ ‬وفرض‭ ‬دستورا‭ ‬جديدا‭ ‬يمنحه‭ ‬صلاحيات‭ ‬هائلة،‭ ‬ومارس‭ ‬القمع‭ ‬بحق‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬تسول‭ ‬له‭ ‬نفسه‭ ‬معارضته‭.‬

كثيرون‭ ‬من‭ ‬أصدقائي‭ ‬وأفراد‭ ‬عائلتي‭ ‬كانوا‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬ثلاثة‭ ‬ملايين‭ ‬تونسي‭ ‬منحوا‭ ‬أصواتهم‭ ‬لقيس‭ ‬سعيد،‭ ‬وقالوا‭ ‬إنه‭ ‬يظل‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬منافسه‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬مرشحا‭ ‬مدعوما‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬مزيج‭ ‬من‭ ‬فلول‭ ‬النظام‭ ‬السابق‭ ‬وشبكات‭ ‬الأعمال‭ ‬الفاسدة‭. ‬ولكن‭ ‬منذ‭ ‬اللحظة‭ ‬الأولى،‭ ‬بدا‭ ‬لي‭ ‬مشروع‭ ‬قيس‭ ‬سعيد‭ ‬مرعبا‭. ‬ولما‭ ‬كنت‭ ‬دارسة‭ ‬للدين،‭ ‬أوليت‭ ‬اهتماما‭ ‬خاصا‭ ‬لمحاضرة‭ ‬ألقاها‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬أيلول‭/‬سبتمبر‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬2018،‭ ‬عندما‭ ‬كان‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬أستاذا‭ ‬في‭ ‬القانون،‭ ‬حول‭ ‬علاقة‭ ‬الإسلام‭ ‬بالدولة‭. ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬رؤيته‭ ‬السياسية‭ ‬معادية‭ ‬للديمقراطية‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬كانت‭ ‬شكلا‭ ‬متخلفا‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬العصبية‭ ‬المحلية،‭ ‬حيث‭ ‬يصبح‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬خاضعا‭ ‬لسلطان‭ ‬الحاكم‭.‬

لم‭ ‬يكن‭ ‬مستغربا‭ ‬أن‭ ‬يأمر‭ ‬الرئيس‭ ‬بقمع‭ ‬المهاجرين‭ ‬وهو‭ ‬المسكون‭ ‬بفكرة‭ ‬النقاء‭ ‬العرقي‭. ‬استعان‭ ‬في‭ ‬شباط‭/‬فبراير‭  ‬بنظرية‭ ‬مؤامرة‭ ‬الإحلال‭ ‬العظيم؛‭ ‬لكي‭ ‬يتهم‭ ‬المهاجرين‭ ‬الواردين‭ ‬من‭ ‬جنوب‭ ‬الصحراء،‭ ‬وهم‭ ‬قلة‭ ‬قليلة‭ ‬على‭ ‬أية‭ ‬حال،‭ ‬بالتخطيط‭ ‬لإعادة‭ ‬تشكيل‭ ‬الهوية‭ ‬التونسية‭. ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬أشعلت‭ ‬تصريحاته‭ ‬موجة‭ ‬من‭ ‬العنف‭ ‬الوحشي‭ ‬ضد‭ ‬السود‭ ‬في‭ ‬البلاد،‭ ‬فجرح‭ ‬العشرات‭ ‬أو‭ ‬ألقي‭ ‬القبض‭ ‬على‭ ‬البعض‭ ‬وطرد‭ ‬البعض‭ ‬من‭ ‬منازلهم‭.‬

وغاية‭ ‬قيس‭ ‬سعيد‭ ‬هي‭ ‬تنقية‭ ‬المجتمع‭ ‬من‭ ‬المؤثرات‭ ‬الملوثة‭ ‬له،‭ ‬فالمقصود‭ ‬هنا‭ ‬هو‭ ‬تحقيق‭ ‬النظافة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬لا‭ ‬العدالة‭ ‬الاجتماعية‭. ‬والمشروع‭ ‬برمته‭ ‬أخلاقي‭ ‬النزعة‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬إجرائيا‭ ‬وسياسيا،‭ ‬وشروطه‭ ‬يحددها‭ ‬قيس‭ ‬سعيد‭ ‬بنفسه‭. ‬لقد‭ ‬استهدف‭ ‬بشكل‭ ‬ممنهج‭ ‬استقلال‭ ‬القضاء،‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬فراح‭ ‬يصدر‭ ‬المراسيم‭ ‬التي‭ ‬تمنحه‭ ‬صلاحية‭ ‬طرد‭ ‬القضاة‭ ‬من‭ ‬مناصبهم‭. ‬وفي‭ ‬مرسوم‭ ‬آخر،‭ ‬أمر‭ ‬بمحاكمة‭ ‬أصحاب‭ ‬الأصوات‭ ‬المخالفة،‭ ‬الذي‭ ‬قد‭ ‬يضرون‭ ‬‮«‬بالأمن‭ ‬الوطني‭ ‬والدفاع‭ ‬الوطني‮»‬،‭ ‬وبذلك‭ ‬يتم‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬مفاهيم‭ ‬مثل‭: ‬الحريات‭ ‬المدنية‭ ‬والمعارضة‭ ‬السياسية‭ ‬وحرية‭ ‬التعبير؛‭ ‬باعتبارها‭ ‬تشكل‭ ‬خطرا‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭.‬

يبدو‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬بالنسبة‭ ‬لي،‭ ‬ويا‭ ‬للأسف،‭ ‬مألوفا،‭ ‬وخاصة‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬عدت‭ ‬بالذاكرة‭ ‬إلى‭ ‬عهد‭ ‬الدكتاتورية‭ ‬أيام‭ ‬حكم‭ ‬بن‭ ‬علي‭. ‬في‭ ‬شهر‭ ‬نيسان‭/ ‬إبريل،‭ ‬اجتمع‭ ‬أبناء‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬السجناء‭ ‬السياسيين‭ ‬في‭ ‬جنيف،‭ ‬فتحدثوا‭ ‬وطالبوا‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬بفرض‭ ‬عقوبات‭ ‬على‭ ‬نظام‭ ‬قيس‭ ‬سعيد،‭ ‬وجدت‭ ‬شهاداتهم‭ ‬لدي‭ ‬صدى،‭ ‬حيث‭ ‬ذكرتني‭ ‬بأمسيات‭ ‬الأحد‭ ‬الكئيبة‭ ‬في‭ ‬ربيع‭ ‬عام‭ ‬1994‭ ‬عندما‭ ‬كنت‭ ‬ووالدتي‭ ‬نقوم‭ ‬بإعداد‭ ‬سلة‭ ‬الغذاء‭ ‬التي‭ ‬يسمح‭ ‬لنا‭ ‬بأخذها‭ ‬لوالدي‭ ‬في‭ ‬محبسه‭. ‬أتذكر‭ ‬كيف‭ ‬شعرت‭ ‬حينها‭ ‬وأنا‭ ‬أتكلم‭ ‬معه‭ ‬عبر‭ ‬القضبان‭ ‬وفي‭ ‬وجود‭ ‬من‭ ‬ضباط‭ ‬الشرطة‭ ‬المسلحين‭.‬

ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فالإحساس‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬أسوأ،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬الغاية‭ ‬لا‭ ‬تقتصر‭ ‬ببساطة‭ ‬على‭ ‬سحق‭ ‬المعارضة،‭ ‬ولكن‭ ‬أيضا‭ ‬امتهان‭ ‬السجناء‭ ‬السياسيين‭ ‬وعائلاتهم‭. ‬في‭ ‬جنيف،‭ ‬وقفت‭ ‬كوثر‭ ‬فرجاني‭ ‬تتحدث‭ ‬واصفة‭ ‬كيف‭ ‬تم‭ ‬اعتقال‭ ‬والدها،‭ ‬وهو‭ ‬عضو‭ ‬برلماني‭ ‬سابق،‭ ‬وكيف‭ ‬تتم‭ ‬معاملته‭ ‬في‭ ‬محبسه،‭ ‬حيث‭ ‬يحتجز‭ ‬في‭ ‬زنزانة‭ ‬مزدحمة‭ ‬جدا،‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬النزلاء‭ ‬مائة‭ ‬وعشرون‭. ‬ولا‭ ‬يتوقع‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مصير‭ ‬راشد‭ ‬الغنوشي،‭ ‬الرئيس‭ ‬السابق‭ ‬للبرلمان‭ ‬ورئيس‭ ‬حزب‭ ‬النهضة‭ ‬الذي‭ ‬اعتقل‭ ‬في‭ ‬نيسان‭/ ‬إبريل،‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬بكثير‭.‬

قالت‭ ‬لي‭ ‬صديقة‭ ‬اعتقل‭ ‬والدها‭ ‬ودوهم‭ ‬منزلها؛‭ ‬إن‭ ‬أسوأ‭ ‬لحظة‭ ‬مرت‭ ‬بها‭ ‬كانت‭ ‬عندما‭ ‬دخلت‭ ‬الحمام‭ ‬بعد‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬تعرضوا‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الليلة‭ ‬المريعة،‭ ‬ففتحت‭ ‬الصنبور‭ ‬لتغسل‭ ‬وجهها‭ ‬فلم‭ ‬تجد‭ ‬ماء‭. ‬لقد‭ ‬نسيت‭ ‬أن‭ ‬الماء‭ ‬مقطوع؛‭ ‬لأن‭ ‬المياه‭ ‬تتوقف‭ ‬كل‭ ‬مساء‭ ‬بسبب‭ ‬ما‭ ‬تمر‭ ‬به‭ ‬البلاد‭ ‬من‭ ‬جفاف‭ ‬شديد‭. ‬تساءلت‭ ‬صديقتي‭: ‬‮«‬هل‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬تخلينا‭ ‬عن‭ ‬الديمقراطية‭ ‬من‭ ‬أجله؟‮»‬

ها‭ ‬نحن‭ ‬في‭ ‬المحصلة‭ ‬نعيش‭ ‬بلا‭ ‬حرية‭ ‬وبلا‭ ‬ماء‭ ‬وبدون‭ ‬ما‭ ‬يكفي‭ ‬من‭ ‬الطعام‭. ‬يوشك‭ ‬الاقتصاد‭ ‬على‭ ‬الانهيار،‭ ‬ووصلت‭ ‬البطالة‭ ‬حد‭ ‬الجائحة‭. ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬التصدي‭ ‬للأزمات‭ ‬التي‭ ‬تعاني‭ ‬منها‭ ‬البلاد،‭ ‬يفضل‭ ‬قيس‭ ‬سعيد‭ ‬إلقاء‭ ‬الخطابات‭ ‬الرنانة‭ ‬حول‭ ‬الولاء‭ ‬والتآمر‭. ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬ليس‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬مأساة‭.‬

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!