وزير الخارجية يدعو إلى التفكير في كل أوجه القصور في العمل المشترك بين ضفتي المتوسط
أكد وزير الشؤون الخارجية خميس الجهيناوي الجمعة 25 أكتوبر 2019، بالعاصمة أن البحر الأبيض المتوسط مثل عبر التاريخ، ملتقى للحضارات التي راوحت علاقاتها بين الصراع والتعاون، مضيفا أن البحث عن السلام والازدهار الذي كان دائمًا هدفًا مشتركًا لشعوب هذا الفضاء، أدى إلى إطلاق مسار برشلونة في عام 1995.
وأضاف في افتتاح المؤتمر الدولي الخامس حول “منطقة المتوسط: الواقع والرهانات والأفاق” الذي نظمه “منتدى الأكاديمية السياسية” بالتعاون مع مؤسسة كونراد أديناور،أن مؤتمر مدريد واتفاقيات أوسلو ووجود مناخ من الانفراج بين القوى العظمى والرغبة في تحقيق المصالحة والتهدئة في المنطقة، التي وصفها البعض بـ”نشوة السلام”، ساهمت في إطلاق المسار المتوسطي.
وبين الوزير أن مختلف الاطراف المتوسطية استغلت هذا الزخم لوضع أهداف طموحة للتعاون بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط ، بهدف إنشاء “منطقة سلام واستقرار وأمن أورو-متوسطي”، لافتا إلى أن برامج “أوروماد” واتفاقيات الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والشركاء المتوسطيين ظهرت في خضم هذه العملية.
وقال إن هذه الديناميكية ساهمت أيضا في دفع التعاون الأورومتوسطي في مختلف المجالات وساعدت في هيكلة الحوار بين الشمال والجنوب من خلال مؤسسات مثل الاتحاد من أجل المتوسط، كما وفرت إطارًا مناسبًا لخلق فضاءات للحوار والتشاور السياسي بصفة رسمية وغير رسمية على غرار حوار 5 + 5 أو مؤسسة “آنا ليند” للحوار بين الثقافات.
ولاحظ الوزير أنه بعد مرور ربع قرن على إعلان برشلونة ، يظهر وجود تضارب واختلاف في تقييم لحصيلة المسار الأورو-متوسطي، خاصة بعد اخفاق هذا المسار في تحقيق الطموحات نحو الاستقرار والتنمية التي كانت تحدو دول ضفتي المتوسط والتي تضمنها القانون التأسيسي لسنة 1995.
وأشار في هذا الإطار إلى أن القضية الفلسطينية التي أثرت على أجندة السلام في البحر المتوسط ، وانتشرار صراعات أخرى، في جميع أنحاء المنطقة قوضت السلام والأمن المنشودة وأصبح الواقع الجيوسياسي الحالي في البحر المتوسط يتسم بتفاقم النزاعات المسلحة، من ليبيا إلى سوريا وبانتشار التوترات الاجتماعية والاقتصادية في عدد من البلدان المتوسطية.
واعتبر أن التحديات الجديدة العابرة للحدود والتهديدات متعددة الأوجه والأبعاد التي تشهدها المنطقة، مثل الإرهاب والهجرة غير الشرعية وتغير المناخ والتهديدات السيبرانية، تتطلب دعم التضامن والبحث عن حلول جماعية.
وأكد السيد خميس الجهيناوي أن هذا التقييم النقدي لنتائج مسار برشلونة يستدعي الشروع في التفكير بعمق وصراحة في كل أوجه القصور في العمل المشترك وفي آليات التعاون المتبعة حتى الآن لتحقيق الأهداف الاساسية.
وأضاف أن فتح آفاق جديدة يعتبر مقدمة ضرورية لإحياء هذا المسار، لافتا إلى أن المنطق الذي يرتكز عليه التعاون الأورومتوسطي، يجب أن يقوم بالأساس على شراكة حقيقية ، تتجاوز الرؤية التجارية الضيقة أو مجرد المساعدات المالية، وأن المنطقة تحتاج اليوم، أكثر من أي وقت مضى، إلى علاقات سلمية على قاعدة المنفعة المشتركة ولمؤسسات أكثر كفاءة وشمولية.
وأبرز أن تونس على قناعة بأن إعادة النظر في مفهوم الشراكة بين ضفتي البحر المتوسط أمر أساسي لإحياء المسار المتوسطي، وأن الوعي بالتداخل الوثيق بين مصالح شمال المتوسط وجنوبه يجب أن سكون حافزا على التفكير في إعادة رسم وتحديد العلاقات المتوسطية التي يجب أن تقوم على إرساء شراكة جديدة تستند على قيم كونية مشتركة.
وأكد في هذا الصدد أنه من المهم ان يتم تحديد المشاريع المشتركة التي يمكن أن تقدم حلولًا مبتكرة للتحديات الراهنة.، ومنها خلق أطر جديدة للعلاقات تتضمن حرية تنقل الشباب بين ضفتي المتوسط الشمالية والجنوبية أو تشجيع الهجرة الدائرية باعتبارها أحد عوامل التنمية والتضامن.
وشدد وزير الخارجية على أن تونس التي انخرطت في المسار المتوسطي منذ انطلاقه سنة 1995، دعت باستمرار إلى تعميق التعاون في البحر الأبيض المتوسط، مبينا أن التقدم الذي حققته بلادنا في مسار الانتقال الديمقراطي يتطلب من شركائنا الأوروبيين دعما متميزا يتجاوز الآليات الكلاسيكية لسياسة الجوار الأوروبية.
وأبرز أن تجسيد مقاربة جديدة العلاقات المتوسطية يظل رهن تحقيق التهدئة في المنطقة وهو ما يتطلب التوصل إلى تسوية دائمة للنزاعات القائمة في عدد من الدول مثل ليبيا وفلسطين، مشيرا إلى أن استعادة الاستقرار في المنطقة يتطلب اليوم التزاما أقوى من الدول المتوسطية .
وبين وزير الشؤون الخارجية أن تونس التي لعبت دائمًا دورًا مهمًا في منع نشوب النزاعات وتسوية الخلافات بالطرق السلمية، لا سيما في محيطها الجهوي ستعمل وهي تستعد لشغل مقعد غير دائم في مجلس الأمن اعتبارًا بداية من جانفي 2020، بلا كلل للمساهمة في جهود السلام في المنطقة المتوسطية، داعيا مختلف الجهات الفاعلة في منطقة البحر الأبيض المتوسط إلى العمل على تحويل الانقسامات إلى فرص تحمل الأمل لمستقبل منطقتنا بأكملها.