هل يكون ما خفي من التطبيع أعظم؟

بقلم: محمد الرصافي المقداد

يعمل الأمريكيون ومعهم دول الغرب، على إسقاط تونس بين أحضان التطبيع، بالضغط عليه اقتصاديا واستغلال أوضاعه المتردّية، بقصارى جهودهم لعلها تلتحق بمن سبقها في هذا الخزي والعار، لكن يبدو أن في تونس رصيد من الشرفاء والاحرار يمنع ذلك ويصدّ كل محاولة تظهر منه.

 

مصيبة التطبيع مع الكيان الصهيوني، يعتبرها أحرار المسلمين وأحرار العالم، أكبر مصيبة تسوء وجوه أهلها بما اقترفوه، والسّاكتين عليها ممّن تناهت إليه أخباره، فلا شيء أذلّ على دولة – مهما تباعدت المسافة بينها – تطلب ودّ عدوّ مغتصب لأرض إسلامية، وترغم شعبها باتباعها في مسار عقيم، لا يرضاه الله ولا رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ولا المؤمنين.

 

وقيام سوق التطبيع على قدم وساق هذه السنوات، بعدما خبَتْ ناره، التي أوقدها المقبور المصري السادات، ورفيق دربه الملك الأردني، لها دلالة واضحة أنها ما كانت لتخبو، في ظل وجود عملاء بأحجام مختلفة، وفي مناصب متعددة، فسماسرتها كالنّار التي تحت الرّماد، وهي تحاك خيوطها العفنة في خفاء، ونسيج حبائلها، يعمل على في استدراج من بقي من الدّول، واقفة عند عتبة باب التطبيع ولم يدخله، أو من دخل إليه بمكتب إتّصال، ثم ذابت أخباره بعد ذلك، كأنما غار بنشاطه إلى سابع أرض، مخسوفا به فلم يدرك له أثر، وهذا ملفّ يجب ان يفتح ليطّلع الشعب، على ما كان يقوم به مكتب بن علي للإتّصال لدى الكيان الصهيوني.

 

لذلك أقول أنه لم يعد هناك شك، في الدور الذي لعبه مكتب الاتصال التونسي، لدى عاصمة الكيان الصهيوني، وأثره التي بدأنا نكتشفها اليوم، له وزنه في التقدّم بالتطبيع إلى مستويات معتبرة لديه وخطيرة لدينا، ثقافيا واقتصاديا وحتى سياسيا، لأنه في هذا المجال الذي يراه البعض غير ممكن أو مستحيل وقوعه، يظهر في شكل مواقف تتماشى مع أهداف ورغبات الكيان الصهيوني بخصوص القضايا العالمية، ومنها قضية فلسطين، فالبلد الذي يرى حلّ الدولتين في قضية فلسطين مطبّع بل مفرّط في فلسطين وخائن لشعبها وآماله في استعادة كافة أرضه، والجامعة العربية ودولها التي تقدمت بهذا الحل، كانت قد عبّرت عن عجز وضعف، وانهزام أمام التماسك الصهيوني في عدوانه الغاشم والمستمر على فلسطين.

 

أما بخصوص تونس فإن رأس الدولة المتمثل في الرئيس قيس سعيد، قد أعلن منذ المناظرة التي خاضها قبل ترشِّحه، أن التطبيع مع الكيان الصهيوني يعتبر خيانة عظمى، ولنا أن نسأله اليوم ما الذي فعله من أجل تنفيذ ذلك الحكم؟ وقد كثر المطبّعون، وظهرت دلائلهم على ذلك بالوثائق، ومن التطبيع الثقافي الى السياحي الى الاقتصادي، وها هي شركة رندة على ملك محسن حشيشة على سبيل المثال، تفوح رائحة تطبيعها مع الكيان الصهيوني، في تصدير كميات كبيرة من الكسكسي المدعوم حكوميا قدرت ب(ألف طن من الكسكسي سنويا إلى ميناء أسدود في إسرائيل، بعد تعبئته في ميناء رادس التونسي لعشر سنوات، يكشف الستار عن تطبيع اقتصادي بين تونس وإسرائيل، في ظل غياب تشريع في تونس يجرم العلاقات التجارية مع إسرائيل.) (1)

 

في هذا السّياق قال مهدي الجبالي المسؤول على التسويق والتصدير بشركة رندة التونسية بعبارة مقتضبة: (نحن معتادون على التصدير إلى ميناء أسدود) لطمأنة ممثلة شركة (ميدل ترايد) الإسرائيلية (شيرلي غولوبوك) وزميلها (نير رونان) بخصوص البضاعة التي تمّ  الاتفاق عليها قصد تصديرها إلى الكيان الصهيوني.

 

كان ذلك في صائفة 2017 ،حينما حاولت ممثلة الشركة الإسرائيلية، الاستفسار عن موعد وصول الشحنة، وأسباب تأخرها على الرغم من مرور 17 يوما، من تاريخ تحويل الأموال إلى حساب بنكي سرّي، على ذمة أصحاب شركة رندة في الخارج، بحسب ما ورد في مراسلات رسمية بين الطرفين، فقد تمّ الاتفاق بينهما خلال المفاوضات، على أنّه من الأفضل تحويل المال من بنك خارج إسرائيل، درءا لأي شبهات ممكنة، قد تتسبّب في فضيحة لشركة رندة، ذائعة الصيت في تونس، التي باتت واحدة من أهم الشركات المزودة للسوق الإسرائيلية بمنتج الكسكسي.

 

وتنتصب شركة الصناعات الغذائية رندة، في المنطقة الصناعية بئر القصعة، من ولاية بن عروس، جنوبي العاصمة تونس، وبعيدا عن الأراضي الفلسطينية المحتلة بآلاف الكيلومترات، أين يتم إنتاج مادة الكسكسي تونسي الصنع، الذي بات يحظى بطلب مُلحّ في السوق الإسرائيلية، حيث لم تمنع العوائق السياسية والدبلوماسية، توطيد أركان مثل هذه العلاقة.(2)

 

الوضع الاقتصادي الصعب الذي تمر به تونس، سيدفع دعاة التطبيع من المتفرنسين والمتأمركين من وجوه السياسة المرتهنة للخارج، وريثة العمالة والرجوع إلى المربع الأول من التّبعية للغرب، إلى محاولة الدّفع نحوه، واستعماله كطوق نجاة، أو قُلْ كمسكّن للحالة الاقتصادية المتردّية التي وصلتها البلاد، فهل سيفرض مسار التطبيع على الشعب؟ أم سيكون لأحرار هذا الشعب وأصحاب المبادئ الثابتة في عدم الانزلاق فيما سقط فيه غيرنا من ذلّ وهوان؟

 

لا أعتقد أنّ الشعب التونسي – وأنا فرد مؤمن بوطنيته ووفائه لمبادئه، وفي مقدمتها مناصرة إخوانه الفلسطينيين إلى آخر مشوار- سيتخلّف عن مواساته بصفوة أبنائه، بعدما امتزجت دماؤهما معا، وهما في مواجهة أكبر مظلمة عرفها التاريخ، بل أجزم أن نخبه الثورية سوف تستمر في عملها، لفضح أي محاولة تطبيع تصدر من أي شخص أو جهة، ليكون على بيّنة من أمره في هذه البليّة، ويقف فيها موقف العز بنبذها والبراءة منها، وغدا سيسفر الصبح عن حقيقة ليس بمقدور الأقزام من عبيد الدنيا حجبها أو تشويه نصاعتها، مفادها أن تونس لا تسقط ولا تساوم على ما ألزمت به نفسها.

 

المراجع

 

1 – 1000 طن كسكسي تكشف القصة الخفية للتطبيع بين تونس وإسرائيل

 

https://www.elwatannews.com/news/details/5391251

 

2 – شركة رندة التونسية : القصة الخفية للتطبيع الاقتصادي مع اسرائيل

 

https://alqatiba.com/2021/03/20

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!