ناجي جلول في حوار الجرأة: الشباب الغاضب اليوم كبر مع الثورة مع مدرسة معطلة وتلفزة القمامة وبرلمان كاراكوزي

تونس – الجرأة الأسبوعية : أجرى الحوار محمد عبد المؤمن

من السياسيين القلائل في المشهد السياسي اليوم الذين اكتسبوا شعبية واحتراما والامر لم يكن كونه معارض شرس للمنظومة الحالية التي تحكم بل ان معاركه من اجل الاصلاح تواصلت حتى وهو داخل السلطة ” ليعاقب” لكونه ليس السياسي المطيع .

ناجي جلول دائما ما يثير الجدل مع كل حضور اعلامي بمواقفه الجريئة التي لا تجامل ولا تهادن وهو ما سنراه ضمن هذا الحوار في الجرأة الأسبوعية .

سنتحدث فيه عن حزبه الائتلاف الوطني وعن الوضع اليوم في بلادنا الذي لم يعد يتحمل الاستعارات بل الكلام بوضوح ووضع الاصبع على موطن الداء.

في البداية سألنها :

تحركات اجتماعية تحصل في عديد المناطق في البلاد اتسمت هذه المرة بالعنف و الفوضي هل تراها مسيسة أم تلقائية ؟

التحركات الاجتماعية الغير  مؤطرة من قبل الأطر التقليدية مثل النقابات او الأحزاب تأخذ عادة شكلا عنيفا .و  ليست هذه  المرة  الأولي التي تحدث فيها تحركات اجتماعية تتخللها أعمال تخريب و نهب و عنف ،حصل ذلك سنة 2o11 و سنة 2018 و يحصل حاليا .

القاسم المشترك بين هذه التحركات هو انها من تنظيم شباب مهمش فاقد للأمل ، فهي تعبر عن حالة من الغضب على الوضع الاجتماعي المتأزم لدى شريحة هامة من الشباب في ظل غياب الرؤية  و عدم طرح الحكومات المتعاقبة لحلول حقيقية تعالج المشاكل المتراكمة و وتفتح باب الأمل.

كل هذا يؤكد صيغتها العفوية و التلقائية.

بالنسبة للشعارات المرفوعة فأغلبها شعارات مطلبية تتمحور أساسا حول الشغل و الكرامة.

و للأسف الذي بدا متفهما لأبناء الإسلام الغاضب عجز عقله عن تفهم غضب جيل الثورة .

النهضة تتهم من تسميهم بالمنهزمين في الانتخابات بالوقوف و وراءها ،هل هذا التبرير ما زال مقنعا ؟

بن علي كان ايضا يطلق مثل هذه التوصيفات علي الحراك الاجتماعي الذي عصف بعرشه . وهي محاولة يائسة منها للتنصل من مسؤولية اختياراتها الفاشلة في الحكم طيلة عشر سنوات كاملة.

فالنهضة التي لا تعرف الا الإسلام الغاضب غير قادرة للأسف على فهم انات شباب عمقت جراحه سنوات التهميش .

ففي دراسة حديثة للمنتدي التونسي للحقوق الاقتصادية و الاجتماعية 83 بالمائة من الشباب يعتبرون أن المجتمع التونسي مجتمع لا مساوات و 70 بالمائة يعتبرون أن الدولة لا تضمر لهم الخير  و 80 بالمائة .يعتبرون أن المجتمع غير منصف  و ان الطبقات الميسرة لا تكترث بالطبقات الفقيرة ( 70)

يقول الفيلسوف رينان ان التكافل هو اسمنت الأمة و هذا الاستبيان يظهر تحلل المجتمع و الشعور بغياب التكافل و الأخطر من هذا أن الشباب الذي نراه اليوم في الشارع شباب كبر مع الثورة . مع مدرسة معطلة تحتل آخر المراتب العالمية و اعلام التلفزة-القمامة و برلمان كراكوزي يطغي عليه العنف و الرداءة.

و من خلال صحيفة الجرأة وموقع الجرأة نيوز فإني اتوجه إلى الأحزاب الوطنية لتأطير هذه التحركات و الإصغاء إلى الشباب مع إدانة التخريب و العنف و الأضرار بالملك العمومي و الخاص ففي غياب التأطير يمكن لهذا الحراك ان ينفلت  مع ضعف الدولة و التجاذبات التي تعصف برؤوس السلطة.

و الي الائتلاف الحاكم  : عوض مواصلة شيطنة الشباب استمعوا للشعب الذي نبذكم و نبذ لغتكم الخشبية ووعودكم الزائفة.

رئيس الجمهورية تحول إلى منطقة شعبية  و خاطب الشباب مباشرة و تحدث عن من يحركهم في الظلام . هل تراه تحركا ناجعا ام لك قراءة اخرى له؟

أن يتصل رئيس الجمهورية مباشرة بالشباب الغاضب في منطقة شعبية لتهدئة الاوضاع فهذا يعتبر خطوة محمودة

لكن مع هذا يجب الحذر كون الإيحاءات بوجود مخططات و غرف مظلمة لأنه حديث قد يكون له في هذا الوقت والظرف مفعول عكسي  و قد يزيد في تأجيج الاوضاع.

كما أن هذه الزيارات لم تعد كافية لان الوضع أصبح خطيرا و الدولة غدت في خطر  و الوطن على حافة الهاوية  و الأطماع الأجنبية تتعاظم و المرتزقة كثر. سيدي الرئيس آن الاوان لتفعيل الفصل 80  و التعجيل باستفتاء يغير النظام السياسي و الانتخابي  و يعجل بانتخابات سابقة لأوانها تهمش المتطرفين و الإقصائيتين و تعطي اغلبية مستقرة و قوية قادرة على القيام بالإصلاحات العاجلة.

ما لم  يفهمه سياسيو هذا البلد ان التقليد في الدول الديمقراطية عند استفحال الأزمات  السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية أنه يتم الرجوع الي الشعب صاحب السيادة عبر تنظيم انتخابات سابقة لأوانها او الاستفتاء .أما في دول ديمقراطية الواجهة يشتد بالطبقة الحاكمة هوس التمسك بالسلطة عبر ترميم الحكومات  وهو ما يزيد الأمر تعقيدا و يعجل بالانفجار.

هل التحوير الوزاري الذي أعلنه المشيشي يجعله كما يقال رئيس حكومة بدل وزير اول لدى قيس سعيد ؟

هذا التحوير كان منتظرا منذ المأدبة الشهيرة في باردو . و المشيشي قام بتحويل حكومته من مستقلة بتوافق مع قرطاج  إلى حكومة حزبية عبر تعيين وزراء مقترحين من الحزام البرلماني و لا نعرف عنهم شيئا . لقد تخلص من التبعية لرئيس الجمهورية ليسقط في تبعية اخري لرئيس برلمان فاقد للشعبية و رئيس حزب سجين ليحول الحزام السياسي إلى حزام ناسف.

النهضة و قلب تونس هل تراه تحالفات صلبا سيدوم

هو تحالف بين منظمات خيرية لا يخضع لمنطق السياسة بل فقط لمنطق الغنيمة و التحالفات المغشوشة  و المصلحية التي يسمح بها هذا النظام السياسي الفوضوي.

تحالف يسمح ببقاء الغنوشي على رأس البرلمان  ويمكن قلب تونس من فتات الحكم لكن الأهم انه حلف ليبرالي يخدم مصالح المخزن الاقتصادي الريعي الذي يهمن على البلاد منذ فترة بن علي.

حوار وطني جديد هل ترى أن جديدا سيحصل من خلاله ؟

هذا الحوار كان مطلب حزبنا منذ مدة طويلة لكننا للأسف أضعنا وقتا ثمينا ما يجعله بلا جدوى الآن . كما أن التجاذبات التي أعقبت الإعلان عنه أكدت مرة اخرى انه سيكون بين طبقة سياسية لم تعد تعكس طموحات الشعب  ولا مرجعياته السياسية و الثقافية و مشاغله الأساسية .

طبقة سياسية انتهت صلوحيتها و غدا خطابها مستهلكا . لقد  نفر منها الناس  و هجروا نقاشاتها و مراوغاتها العقيمة التي يعطيها برلمان كراكوزي .

يقول المثل الصيني عندما تهب العاصفة يبني الغبي الأسوار و يشيد اللبيب طواحين الريح .و لأننا في قلب العاصفة علينا اليوم بإعادة تشييد نظام جديد يمكن من ميلاد تونس الجديدة التي لا يمكن بناؤها بالخردة  الأيديولوجية القديمة.

ان زمن العاصفة ليس زمن حوار بل زمن القطع مع القديم كل القديم.

حزب الائتلاف الوطني ،ما الجديد الذي يطرحه ؟

تأسيس الائتلاف الوطني جاء تلبية لفراغ رهيب في المشهد السياسي الذي يفتقر إلى حزب جماهيري يقطع مع الشعبوية و تشنج الهويات و الاصطفاف وراء المحاور الأجنبية .

الائتلاف الوطني هو حركة وطنية تؤسس لخطاب عقلاني تقدم حلولا لمشاكل البلاد و العباد  و تخاطب الناس بلغتهم و تزرع في نفوسهم الأمل و الحلم .

ان حزبنا هو بالأساس حركة اجتماعية تنتصر لمشاكل البلاد الأساسية و تتبنى خطا وطنيا اقتصاديا و ثقافيا . و نحن الآن في مرحلة تأسيس جماعي  و بلورة أفكار مشتركة  بعيدا عن التخبط الأيديولوجي . حلمنا هو حزب يلتصق بهموم الناس الآنية و يبني للشباب مستقبلا مشرقا  و يدفع نحو استرجاع السيادة الوطنية  خاصة  في المجالين الفلاحي و الصناعي عبر دعم الرأسمال الوطني ، والقضاء علي الكرتالات والمنوبول الذي قتل احلام الشباب .و كل هذا لا يتحقق الا عبر تدعيم الاستثناء الثقافي التونسي  و إصلاح تربوي عميق و شامل يعيد لمنظومة التعليم و التكوين التونسية مجدها.

ان التاريخ يعلمنا أن آخر مراحل الشعبوية هي الفوضى او الفاشية   و لكي لا تسقط بلادنا في احدى هذه المخاطر كانت فكرة تأسيس هذا الحزب الذي  سيتصدى  لمشاكل التعليم و الصحة و النقل و السكن

و يعيد للتيار الوطني الاجتماعي بريقه عبر ائتلاف كل القوى المدنية و الحداثية المساعدة لخوض معركة التحرير و التنوير.

إننا نعيش أزمة نهاية صلاحية طبقة سياسية إنتجها نظام سياسي هجين . و في الأزمات تظهر تيارات جديدة تصوغها عقول جديدة. و في هذا الإطار نريد من الائتلاف أن يكون تيارا قويا بديلا للمنظومة الحالية متحرر من الخردة الأيديولوجية القديمة التي دخلت أرشيف التاريخ . سيكون بديلا يصنع الامل بجيل جديد من

السياسيين لم يتلوث بالأجندات الاجنبية و متحرر من لوبيات الفساد و مراكز النفوذ المالية و الجهوية.

مع إدارة أمريكية ديمقراطية هل ترى أن الإسلام السياسي سيجد دعما أمريكيا كما  حصل في فترة أوباما ؟

لا تختلف السياسة الخارجية الأمريكية بتغيير الرئيس  لأنها تخضع قبل كل شيء لمصلحة مراكز النفوذ العسكرية و الاقتصادية  ولا حليف دائم لهم سوى الكيان الصهيوني .

نهاية الحرب السورية اي اول حرب انابيب و بداية التقارب الصيني -الامريكي حول ملفات التجارة العالمية و مخلفات وباء كورونا سيعطي انفراجا في العلاقات الدولية سيكون الإسلام السياسي اول ضحاياه . و حسب تقييمها انتهت دورة الربيع العربي و انتهت معها دورة الإسلام السياسي.

نشر هذا الحوار في الجرأة الأسبوعية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!