كتب محمد الرصافي المقداد /ترامب بعقلية شعب الله المختار

بقلم: محمد الرصافي المقداد :

بحثت في سير رؤساء دول العالم في العصر الحديث، عساني أجد شخصيّة منافسة للرئيس الأمريكي ترامب في طلعاته السياسية، فلم أجد من يصل حتى الى نصف ما ظهر به من حماقات، فقد فاق الجميع في شطحاته العجيبة، وتميّز عليهم فوق ذلك بوقاحة وجرأة على العالم ورثها من أسلافه، ولعلّها الغطاء الذي تختفي جميع سلبيات السياسات الأمريكية السابقة واللاحقة، طالما أن الجنس الأبيض الشعب الأمريكي لازال يعتقد عمومه بأنه متميّز على غيره بالتفوق وقد حمله الغرور الى حدّ الهيمنة على بقية العالم.

لم يبخل ترامب في بداية انتخابه رئيسا لأمريكا، من الذهاب الى القدس الشريف المحتلّ، ليعبّر لنا أمام حائط المبكى، عن صهيونية ساكنة في أعماقه، في حركة شكر للوبي الصهيوني – ذو النفوذ القوي داخل أمريكا- على ما أسهمه بشكل فعال في انتخابه رئيسا لأمريكا، ونحن نعرف الدور الخطير الذي يضطلع به ذلك اللوبي داخل أمريكا، ويهدف أساسا الى اسداء مختلف الخدمات للكيان الصهيوني، من أجل تثبيته نهائيا على أرض فلسطين، ومن ثمّ هيمنته على منطقة الشرق الأوسط، فمن يعبّر على نَفَسٍ متطابق مع الأهداف الصهيونية، يُدْعَم بقوة من طرف ذلك اللوبي – الخطير في مخططاته – وتكون حظوظه في الترشح أوفر من غيره.

 

ولم يخيّب ترامب داعميه، فقد ظهر سريعا صهيونيا، أكثر من الصهاينة أنفسهم، تحرّكه عقلية صهيونية عنصرية، درجت على الاستعلاء والاستكبار على دول وشعوب العالم، فإن ذلك لم يغلّب كفّة معارضيه في أمريكا، خصوصا من حزب الديمقراطيين، ولم ترتفع نسبة معارضته الى مستوى ثنيه عن فلتاته، التي واصل الظهور بها على اساحة السياسة الخارجية الأمريكية، وأعتقد انه لن يتوقف عن استهتاره، إلا بمصيبة تلحق بسبها بلاده، وكأنّي به نيرون واشنطن في هذا الزمن.

 

وعندما أصف هذا الكائن الغريب عن الانسانية بالمعتوه، فذلك لأنه بلغ منه هذا المرض مبلغا، عرّى ظاهر وداعته المصطنعة – بمفهوم البرتوكول الحضاري – كاشفا وحشا بشريا، لا يرعوي من التعبير عن مكنون سرّه الخبيث، ففي آخر طلعاته الغير مبرّرة، قرر وقف مساهمة بلاده في منظمة الصحة العالمية،  ‎World Health Organization، في هذا الظرف الحرج الدقيق والخطير، الذي يواجه فيه العالم بأسره فايروس كورونا كوفيد19  Covid، وتعدّ  بلاده الأكثر تضررا منه، رغم أنه أصابها متأخرا عن بقية الدّول المتضررة، فأمريكا تقترب من 700.000 مصاب، وما سيسفر عليه من أرقام مهولة من الوفايات.

 

محاولة أمريكا المستميتة لإدانة الصين بأنها وراء تفشي فايروس كورونا، على أساس أنه قد تسرّب من مختبراتها، وقاحة أخرى رسمت واجهة السياسة الخارجية الأمريكية، وهكذا هي دائما تتهم دول العالم بشتى التّهم دون أدلّة ثابتة، مما يدعونا للقول كاد المريب أن يقول خذوني، بما يعني أن أمريكا نفسها موجّه اليها نفس الاتهام، وبشكل أكثر إقناعا، ومن طرف الصين الشعبية نفسها وإيران الإسلامية، ومقابل التخاذل الأمريكي المعلن رسميا، تسعى الصين بكل مسؤولية وانسانية الى مكافحة الفايروس خارج اراضيها، وهو موقف يحسب للصين، ويزيد امريكا ادانة وعزلة، الا من بعض حلفائها وعملائها والطامعين من دول المعونة والاستجداء.

 

وتبدو العهود والمواثيق والاتفاقيات والالتزامات الأمريكية في هذه الفترة الرئاسية تذروها رياح مستكبر عصف عليها ناقضا ما راق له واستجاب تحديدا لنزوات حكومة الكنيست الصهيونية المحتلة لفلسطين، فبعد انسحاب بلاده من الاتفاق النووي 5+1 المبرم مع الجمهورية الاسلامية الإيرانية، بعدما أمضى عليه بالنيابة وزير خارجيتها، بدعوى نقص فيه غاب عن الدول الموقعة ولم يتفطن اليه غيره، مدفوعا بالتحريض الصهيوني وحلفائه من أعراب الخليج ضد إيران، من اجل التّحكم في برنامجها للصناعات العسكرية، وفي مقدّمته الصواريخ البالستية المتطوّرة التي وصلت اليها، والتي تشكل خطرا كبيرا على الكيان الصهيوني، وحتى على أمريكا نفسها، في صورة اقدامها على أيّ عدوان يستهدف إيران.

انسحابات امريكا ونقضها للعهود الدولية، تكرر بشكل لافت في عهد الرئيس ترامب، فقد اعلنت في جوان 2018 انسحابها رسميا، من مجلس حقوق الانسان، التّابع للأمم المتحدة، OHCHR ومقرّه بجنيف سويسرا، بدعوى انحيازه ضد (إسرائيل)، ذنب المجلس الذي أغاض الإدارة الأمريكية، قيامه بشكل مستمرّ ومتكرر، بالنظر في الخروقات والانتهاكات الصهيونية لحقوق الفلسطينيين، حسب التقارير والشكاوى التي يتلقاها المجلس، ما اعتبرته سياسة أحادية معادية لحليفتها.

يبدو أنّ الرئيس الأمريكي مصاب بلوثة شعب الله المختار، التي يعيش على أحلامها صهاينة العالم، وليس ترامب بمنأى عن هذه العقلية المريضة، التي ستجرّ العالم الى صراع لا شكّ أنه واقع، بالنظر الى تغيّر قواعد المواجهة، في ملف الاستحقاق الفلسطيني، لينقلب لصالح المقاومة التي كبرت بعناصرها ووسائلها، في مواجهة الكيان الصهيوني، ولأجل غلق الملف الفلسطيني، واسقاط مشروع المقاومة الذي ترعاه إيران، يبذل ترامب وإدارته قصارى جهودهم، لإتمام صفقة القرن، على حساب فلسطين مقدّسات وأرضا وشعبا، وان اقتضى الأمر اشعال فتيل حرب لا يعلم مداها الا الله، وغالبا ما يكون أنّ من يشعل نارا سيحترق بها، ضريبة جنون العظمة الكاذب، الذي سينجلي يوما ما عن بيت حكم، كان حريّ بتلقيبه بيتا أسود، بدل اللون الأبيض الذي عرّفه أصحابه المخادعين به.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!