دردشة يكتبها الاستاذ الطاهر بوسمة : قدماء ابن شرف

كتب : الاستاذ طاهر بوسمة

تشرفت يوم السبت 29 فيفري 2020 الماضي بحضور ندوة علمية أثثتها جمعية قدماء ابن شرف التي يترأسها الاستاذ عبد الستار سيدأمو، موضوعها شعبة -أ -ما لها وما عليها.
وكان في الحضور نخبة من قدماء ذلك المعهد ممن درسوا أو دًرسوا فيه قبل أن تنقرض تلك الشعبة المجني عليها.
لقد كان ذلك الفضاء الذي تم تشييده في نهاية أربعينات القرن الماضي بفضل عزيمة خواص من التونسيين.
كان في الأصل يسمى بالحي الزيتوني قبل أن يتغير اسمه لإبن شرف، وبات الان يستعمل كمعهد عال للعلوم الإنسانية.
لقد سبق لي أن أقمت فيه كتلميذ منذ افتتاحه في نهاية سنة 1953 وعملت فيه قيمًا ومسؤولا عن المبيت لمدة عدة سنين وذلك بالتوازي مع دراستي في التعليم العالي التي أنهيتها في سنة 1960.
كانت لي تلك الندوة التي حضرتها مناسبة للرجوع لذلك الفضاء بعد ستين عاما، لم تسمح لي الظروف قبلها أن تشرفت بالدخول اليه، جئته اليوم لأقدم شهادتي عن تلك الفترة التي قضيتها فيه، واستمعت
بانتباه للمداخلات القيمة التي قدمها أساتذة أجلاء، وكم تمنيت أن أعرفهم من قبل وأستمع إليهم والحمد لله الذي حقق رجائي، إنهم الدكاترة: على الزيدي وعلي الشابي ومحمد ضيف الله وعبد اللطيف عبيد ومحمود الذوادي وفتحي القاسمي، وفقهم الله جميعا ومتعهم بالصحة والعافية.
لقد تمحورت محاضراتهم تلك التي تفضلوا بإلقائها علينا حول مصير وتحديد التعليم العمومي وإصلاحه، وقد تم ذلك رسميًا إثر استقلال تونس، وبشرنا به المسؤولون في الحزب والحكومة سنة 1958 تقبلناه وقتها بثقة وعزيمة.
لقد بوبوه لشعب ثلاث، يشار اليها اختصارا: -أ-ب-ج-. واتجهت النية للإبقاء على الشعبة -أ-القارة، بينما تنتهي -ب-ج-آليا بانتهاء ما تبقى بها من الدارسين، في عقد من الزمن، ليتحقق توحيد التعليم نهائيا، ولكنه في التطبيق تم الإنهاء على شعبة -أ-الأساسية والإبقاء على الشعبتين الأخيرتين بالشيطنة والحيلة، وزاد عليها إنهاء التعليم الزيتوني بحجج مكذوبة.
ونتيجة لذلك نكون قد قضينا على لغتنا العربية، لغة القران والمعلقات السبع، ولهجتنا التونسية الجميلة، وبتنا نستعمل لهجة هجينة أقرب (للمالطية) التي كنا نتندر بها من حين إلى حين.
لقد باتت اليوم تلك اللهجة منتشرة في شوارعنا ومقاهينا ووسائل إعلامنا الخاصة والعمومية.
لذا قدرت ذلك اليوم الذي أتحدث عنه بهذه المناسبة، قيمة المحاضرات التي ألقيت في الملتقى، ودقة التدخلات التي استمعت اليها، وتذكرت كيف دخلت لذلك الفضاء منشرح الصدر، وغادرته حزنا لما انتهينا اليه بعد نحو ستة عقود.
لقد بكيت على شبابنا الذي أفنيناه ظنا بأننا تحررنا من الاستعمار التوطيني، لكننا وجدنا فرنسا لم تغادرنا، بل بقيت بلغتها وهيمنتها أقوى علينا، ولكنها هذه المرة كانت بواسطة من كونتهم في مدارسها وجامعاتها العريقة. انها عادت إلينا عن طريق نخبتنا التي تطبعت بلغتها، وفرضتها علينا، بطرق جهنمية. وبتنا من أجل ذلك نتذكر السيد (لسويان باي) مدير التعليم العمومي زمن الحماية وبرمجته لتعريب التعليم الابتدائي على عدد من السنين المعدودة وذلك نزولًا لرغبة النقابيين التونسيين،
لقد عوضنا ذلك بعد الاستقلال ببرمجة السيد (دي بياس) ذلك الخبير الفرنسي الذي أنهى لغتنا الأصلية، كان ذلك ما تفضل بذكره أحد المحاضرين بكل شجاعة أشكره عليها.
ومن الطريف ما رأيته من حماس منقطع النظير للفرنكوفونية الى درجة فاقت الفرنسيين الذين تحولوا في بحوثهم الجدية للغة الإنجليزية.
وبالمناسبة أغتنم هذه الفرصة لأذكر بان الإسلام انتشر بفضل رجال خرجوا من القيروان مجاهدين ليصلوا به للجزائر وللمغرب الأقصى والأندلس وصقلية وبلاد ما وراء الصحراء الكبرى، وكل ذلك كان بلغة الضاد التي نزل بها القران الحكيم.
وفي الختام أقول بإن الذي ينقصنا الان هي العزيمة والإيمان بقدراتنا مجتمعين في عدد دول الجامعة العربية الذين يتكلمون اللغة العربية بدون اجهزة لفك الشفرة المبتكرة اخيراً في القنوات الرياضية. كما أنبه بان اغلب الخريجين من طلبتنا باتوا لا يتقنون لا العربية ولا الفرنسية وخاصة اذا ارادوا التخصص في العلوم الانسانية.
وحتى لا اطيل، اسمحوا لي بتقديم شكري وامتناني وتقديري لمسيري تلك الجمعية الفتية التي رفعت الغطاء عما بات يهدد مصيرنا ومصير أبنائنا من مخاطر تتعلق بالهوية.

تونس في 2مارس 2920

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!