في فساد أحكام تدعيم سلامة العلاقات المالية ومخالفتها للمعايير الدولية

رغم مرور ما يقارب 20 سنة على فضيحة انرون بالولايات المتحدة الامريكية ورغم الاسئلة الموجهة من قبل بعض اعضاء مجلس نواب الشعب لرئاسة الحكومة وبعض الوزارات بخصوص ضرورة تطهير مجلة الشركات التجارية والتشريع الجبائي من الاحكام الفاسدة التي تم تمريرها لخدمة مصالح خاصة على حساب المؤسسات ودافعي الضرائب ومحيط الاستثمار وسلامة المعاملات المالية الا ان الاجوبة جاءت سلبية ومكرسة للفساد التشريعي المتمثل خاصة في القانون عدد 96 لسنة 2005 المتعلق بتدعيم سلامة العلاقات المالية الذي جاء مخالفا بصفة صارخة للمعايير الدولية. الغريب في الامر ان من يتشدقون بضرورة تطهير محيط الاستثمار لم يتفطنوا الى مثل هذه الفضائح القاتلة. هل يعقل ان يتم اجبار شركة ايجار مالي على تعيين مراقبين اثنين للحسابات دون فائدة تذكر واثقال كاهلها والاضرار بقدراتها التنافسية؟ هل يعقل ان يتم ارغام مؤسسات مجهرية على تعيين مراقب حسابات مقارنة بما هو معمول به بالتشريع الفرنسي؟ هل يعقل ان لا يتم تغيير مراقب الحسابات بعد 6 سنوات؟ هل يعقل ان لا يتم تجريم تغيير مراقب الحسابات بصفة صورية؟ هل يعقل ان لا يتم خص قبض مراقب الحسابات لاجور زائدة عن اجرته بعقوبة بدنية؟ هل يعقل ان لا يتطرق القانون الفاسد الذي صيغ على المقاس ولا يجرم قبض مراقبي الحسابات لاجور زائدة عن اجرتهم كمراقبي حسابات بطريقة غير مباشرة وبواسطة؟ هل يعقل ان يتمكن المارقون المنتحلون لصفة المحامي والمستشار الجبائي من تكوين شركات لتقدم الاستشارات القانونية والجبائية للمؤسسات التي يراقبون حساباتها؟ قمة الفساد والافساد ان يتم في اطار التشريع الجبائي اشتراط انتفاع المطالب بالاداء بحق بمصادقة مراقب حسابات على قوائمه المالية دون تحفظ وذلك في دوس على احكام الفصول 10 و20 و21 و41 و49 من الدستور. الاتعس من ذلك والغريب في الامر ان الرئيس السابق للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد رفض التعهد بهذا الملف رغم ان الامر يتعلق بملف فساد تشريعي وسياسي لا زالت تبعاته الكارثية متواصلة الى حد الان. 

وعيا منه بخطورة هذا الفساد المتواصل على محيط الاستثمار وسلامة المعاملات المالية والمؤسسات، بادر مرصد الشفافية والحوكمة الرشيدة باصدار بيان تحت عنوان “في فساد أحكام تدعيم سلامة العلاقات المالية ومخالفتها للمعايير الدولية”، جاء نصه كالتالي:”على اثر الفضيحة المالية التي هزت الولايات المتحدة الأمريكية خلال سنة 2001 من خلال إفلاس الشركة العملاقة للطاقة “اينرون” وتورط مراقب حساباتها “اندرسون” إحدى الشبكات الدولية للمحاسبة والتدقيق المالي المعروفة بفضائحها المالية والجبائية نتيجة لفقدانه لاستقلاليته وتقمصه لمهمة مستشار قانوني وجبائي مثلما نلاحظه اليوم ببلادنا دون رادع وبتواطؤ من وزارة الإشراف، بادر الكونقرس الأمريكي بسن قانون صاربان اوكسلاي الذي نص على عقوبات صارمة ضد المارقين والمتحيلين من مراقبي الحسابات تصل الى 20 سنة سجنا.  خلافا لذلك، تم في تونس نقل قانون سلامة المعاملات المالية الصادر بفرنسا خلال سنة 2003 بطريقة مشوهة بعد تدخل عصابة مناشدي بن علي عن طريق مستشاريه الفاسدين وتواطؤ من القائمين على وزارة المالية آنذاك، ليفرغ القانون عدد 96 لسنة 2005 المتعلق بتدعيم العلاقات المالية من محتواه. فقد حرصت عصابة الفساد والنهب والمناشدة على عدم تجريم قبض مراقب الحسابات لأجور زائدة عن أجرته كمراقب حسابات على معنى الفصل 265 من مجلة الشركات التجارية التي صيغت من قبل أشخاص مشبوهين وفي وضعية تضارب مصالح. كما لم يتم تجريم تبادل المهمات بصفة صورية بين مراقبي الحسابات بغاية التلاعب بقاعدة ضرورة تغيير مراقب الحسابات بعد 6 او 9 سنوات. أيضا، تم التمديد في مدة تغيير مراقب الحسابات لتصل إلى 9 سنوات وهذه بدعة تونسية فاسدة لا نجد لها مثيلا بتشاريع البلدان المتطورة. فعلى سبيل المثال لا الحصر، يتم تغيير مراقب حسابات منظمة الأمم المتحدة كل 5 سنوات.

كما تم نهب المؤسسات من خلال الزام المؤسسات الصغرى والمجهرية بتعيين مراقب حسابات من خلال الفصول 13 وما بعده من مجلة الشركات التجارية. أيضا، تم دون موجب وفائدة إلزام صنف من المؤسسات بتعيين مراقبين اثنين للحسابات وقد ساهم ذلك في إثقال كاهلها والإضرار بقدراتها التنافسية. زد على ذلك ان القرار المتعلق بإتعاب مراقبي الحسابات تم تغييره في اتجاه الترفيع عديد المرات بعد 14 جانفي 2011 بتواطؤ من وزارة الإشراف ودون استشارة المنظمات المهنية الممثلة للمؤسسات التي تحولت نتيجة لاستشراء الفساد الى بقرة حلوب. فقد تصدى الفاسدون للمقترح المنقول عن التجربة الأمريكية والبريطانية أين لا يلزم القانون بتعيين مراقب حسابات الا المؤسسات المدرجة بالبورصة والتي تقترض من العموم. أما بقية المؤسسات فتبقى الجلسة العامة سيدة نفسها في تعيين او عدم تعيين مراقب حسابات.

هذا وقد استغل المارقون من مراقبي الحسابات عدم خص مخالفة الفصل 265 من مجلة الشركات التجارية بعقوبة بالسجن وتواطؤ وزارة الإشراف المتجاهلة للمعايير الدولية ليتمادوا في الحصول على مهمات خاصة وقبض أجور زائدة عن أجرتهم في دوس على الاستقلالية التي يجب ان يتحلوا بها.

الأكثر فسادا أن تصر الوزارات المعنية بمراقبة الحسابات وسلامة المعاملات المالية ورئاسة الحكومة على عدم تحوير الأحكام الفاسدة المتعلقة بمراقبة الحسابات وبالأخص المضمنة بمجلة الشركات التجارية التي تمت صياغة أحكامها في ظروف فاسدة وتحت إشراف وزير مشبوه وفي وضعية تضارب مصالح. 

فهل تبادر الحكومة وأعضاء مجلس نواب الشعب ورئيس الجمهورية بالعمل على تحوير مجلة الشركات التجارية بغاية قطع دابر المارقين ووضع حد لهذا الفساد المقنن الذي اضر بالمؤسسات ومحيط الاستثمار؟”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!