في العلاقة بين تهميش مهنة المستشار الجبائي وتنامي اعمال التحيل والفساد وتبييض الاموال

دأب عدد من الأشخاص المتلبسين بلقب المستشار الجبائي، وأغلبهم من السماسرة والمتقاعدين والممنوعين على معنى الفصل 97 ثالثا من المجلة الجزائية وبعض ممتهني المحاسبة والمدرسين الجامعيين وغيرهم من الأشخاص الذين لم يتحصلوا على موافقة وزارة المالية، على تقديم أنفسهم للمؤسسات كمستشارين جبائيين وعلى إيهامهم بقدرتهم على التدخل لفائدتهم لحل مشاكلهم الجبائية امام مصالح الجباية والاستخلاص. فالبعض من اصحاب المؤسسات، من غير المنخرطين في الفساد الجبائي، لا زالوا لا يفرقون بين مهنة المستشار الجبائي التي تخضع مباشرتها لموافقة وزارة المالية والمهن المحاسبية الممنوعة من القيام بمهام المستشار الجبائي كما يتضح ذلك جليا من خلال القوانين المنظمة لكل مهنة، الغريب في الامر ان بعض العروض المتعلقة بطلب مساعدة في الجباية من مكاتب محاسبة تصدر عن مؤسسات عمومية كان من المفروض ان تكون على علم بان القوانين المهنية تحجر على ممتهني المحاسبة تقديم خدمات استشارة جبائية.

طبقا لمقتضيات الفصل الأول من القانون عدد 34 لسنة 1960 مؤرخ في 14 ديسمبر 1960 متعلق بالموافقة على المستشارين الجبائيين يتمثل نشاط المستشار الجبائي في تقديم الاستشارات الجبائية وخدمات التخطيط  الجبائي والمساعدة على إعداد التصاريح الجبائية ومساعدة المطالبين بالاداء أثناء المراقبة الجبائية أمام الإدارة أو أمام الدوائر الجبائية وإعداد ادلة إجراءات جبائية وانجاز مهام تدقيق جبائي وهو عبارة عن مراقبة جبائية بيضاء يتمكن من خلالها المطالب بالاداء من معرفة أخطائه و تفاديها أو أخذها بعين الاعتبار قبل تدخل مصالح المراقبة الجبائية عملا بقاعدة ” الوقاية خير من العلاج “.  إن التدقيق الجبائي، الذي يقوم به مستشار جبائي مرخص له، والذي عرف نجاحا منقطع النظير داخل البلدان المتطورة، يبقى الحل الأمثل لتفادي المخاطر الجبائية الوخيمة العواقب. فالبنوك الأجنبية تتأكد بواسطة الية التدقيق الجبائي من سلامة الوضعية الجبائية لحرفائها قبل إقراضهم.

ويحجر على المستشار الجبائي تقديم الخدمات المحاسبية باعتبار وضعية اللاتلاؤم القائمة بين مهنة المستشار الجبائي والمهن المحاسبية وإلا عد متلبسا بلقب على معنى الفصل 159 من المجلة الجزائية. كما يحجر على ممتهني المحاسبة القيام بمهام المستشار الجبائي مثلما أوضحت ذلك إدارة الجباية من خلال مذكرتيها الداخليتين عدد 1/2006 و 30/2007 و إلا عدوا مرتكبين لجنحة يعاقب عليها بالسجن والخطية على معنى الفصل 291 من المجلة الجزائية باعتبار أن الأمر يندرج ضمن اعمال التحيل. إن منتحلي الصفة، الذين ليست لهم شهادة علمية في بعض الأحيان، عادة ما تحمل بطاقة زيارتهم التنصيصات التالية : مساعدة محاسبية وجبائية، محاسبة و جباية، جبائيات حسابيات، استشارات جبائية ومحاسبية، استشارات قانونية و جبائية، دراسات جبائية و محاسبية، خدمات إدارية، مدرس جامعي مستشار في الجباية، مساعدة المؤسسات، نزاعات جبائية، استشارات، تدقيق جبائي، خبير جبائي…

فلقد اتضح ان المتحيلين والسماسرة والفاسدين من منتحلي صفة المستشار الجبائي من بعض ممتهني المحاسبة وغيرهم ينصحون ضحاياهم بعدم التوجه لمستشار جبائي مرخص له من قبل وزارة المالية من خريجي المعهد العالي للجباية حتى لا ينفضح أمرهم و تنكشف أخطاؤهم المهنية و لا يتنبه حرفاؤهم إلى مسؤوليتهم المدنية و الجزائية.

إن التأكد من أهلية مسدي الخدمة الجبائية، بالاتصال بالمعهد التونسي للمستشارين الجبائيين، يبقى خطوة ضرورية لتفادي المفاجآت المكلفة التي نسمع بها من حين لآخر عند خضوع المطالبين بالاداء، الذين هم على حسن نية، لمراقبة جبائية أولية أو معمقة جراء جهل منتحلي الصفة للقوانين الجبائية و مغالطتهم لهم حول أهليتهم و صفتهم. ويبقى حق المطالب بالضريبة قائما في تتبع منتحلي الصفة والدجالين أمام المحاكم المدنية والجزائية لجبر ضرره و كذلك أمام الهيئات التأديبية بالنسبة لممتهني المحاسبة،  علما ان بعض السماسرة والمشعوذين والسطاء والفاسدين تمت مقاضاتهم من اجل التحيل والرشوة.

وباعتبار إستشراء الفساد الإداري و المالي في المجال الجبائي و تمتع السماسرة والوسطاء بحصانة تامة جراء رفض الفاسدين تفعيل احكام الفصل 29 من مجلة الاجراءات الجزائية والفصل 9 من القانون عدد 34 لسنة 1960 المتعلق بالموافقة على المستشارين الجبائيين التي تفرض على الادارة رفع امر المتحيلين والسماسرة لوكيل الجمهورية، أصبح بعض ممتهني المحاسبة يشيرون على المتهربين من دفع الضريبة بالإنتفاع بالتخفيضات المنصوص عليها بالتشريع المتعلق بالإمتيازات الجبائية على ضوء تصاريح بالإستثمار تتعلق ببعث مشاريع صورية لا تنجز، معولين في ذلك على عدم كشف تلك الخزعبلات من قبل مصالح المراقبة الجبائية.

فهؤلاء المتحيلون على معنى الفصل 101 من مجلة الحقوق و الإجراءات الجبائية و الفصل 84 من المرسوم المتعلق بتنظيم مهنة المحاماة بصدد بيع خزعبلات تتعلق باستثمارات وهمية في مجال الفلاحة و التنمية الجهوية والتجارة الدولية والتصدير الكلي و الخدمات وغير ذلك من الأنشطة المعنية بالإمتيازات الجبائية.

هناك متحيلون اخرون جعلوا من توطين المؤسسات نشاطا لتنتحل صفة المستشار الجبائي و المحامي والوكيل العقاري ووكيل العبور ووكيل الإشهار وغير ذلك من المهن المنظمة وغير المنظمة منمين بذلك التحيل والتهرب الجبائي وتبييض الاموال من خلال ايواء ملفات المتحيلين وبالاخص الاجانب الذين كانوا وراء تصنيف تونس بمختلف القائمات السوداء.

أما الشركات التي هي بصدد توطينها وايوائها، فقد تم التصريح بها كمصدرة كليا و الحال أنها لا تعرف من التصدير إلا إسمه ولا تشغل يدا عاملة تونسية ويتمثل نشاطها الحقيقي في تبييض كل أنواع الجرائم بما في ذلك الجرائم الجبائية والجرائم عبر الوطنية الملزمة تونس بمكافحتها في اطار اتفاقية الامم المتحدة المتعلقة بالجريمة المنظمة وعبر الوطنية.

فعادة ما يكون باعث المشروع مقيما بالخارج أين يقوم بنشاطه ليكتفي باستعمال الإسم الإجتماعي الشركة المبعوثة بتونس على شاكلة صندوق بريد وإصدار الفواتير باسمها لا غير وهكذا يتمكن من التهرب من دفع الضريبة ببلد إقامته.

وعلى الرغم من تذمر المهنيين من  هذه الخزعبلات التي حولت تونس إلى جنة ضريبية وعدلية ترتكب من خلالها كل أنواع الجرائم من خلال عديد العرائض التي تم ايداعها برئاسة الحكومة ووزارة المالية ووزارة التشغيل ووزارة العدل والوزارة المكلفة بمكافحة الفساد مناشدين إياها التدخل لوضع حد لهاته الأعمال الإجرامية ولظاهرة إستيراد البطالة المكرسة بمقتضى قوانين الاستثمار الا انها لم تحرك ساكنا.

إن الإكتفاء بالتفرج على هاته الجرائم من قبل الموظفين العموميين في خرق للفصل 6 من القانون عدد 112 لسنة 1983 المتعلق بالوظيفة العمومية، يندرج ضمن الفساد الإداري و الإهمال و اللامبالاة التي كان من المفروض تجريمها بصفة واضحة صلب الفصل 107 من المجلة الجزائية. هذا وقد إستفحل الفساد الإداري جراء شعور الموظفين بحصانة تامة نتيجة عدم تفعيل العقوبات التأديبية وعدم تجريم الاهمال وتعطيل العمل بالقوانين.

هل يعقل أن تتم منافسة دافعي الضرائب من بين المؤسسات المواطنة والمهنيين بطرق غير شرعية، علما أنهم يجدون أنفسهم مرغمين على إرتكاب جريمة تمويل أجور الفاسدين الذين ينكلون بهم دون رادع من خلال تعطيل العمل بالقوانين والاصلاحات التشريعية والمؤسسية.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!