دردشة يكتبها الأستاذ الطاهر بوسمة / لجربة ولايات أحسن مما تطلبها

كتب الطاهر بوسمة:

برزت في هذه الأيام رغبة كانت خافتة لإحداث ولايات أخرى بكل من السواسي وطبرقة وقليبيه وجربة خاصة لتصبح تونس مقسمة أكثر مما هي مجزأة في وقت ان السلطة المحلية التي جاء بها الباب السابع من الدستور لم تفعل بعد بالرغم من صدور المجلة الخاصة بها وإجراء انتخابات بلدية في سنة2018 على أساسها.

لقد كنت بصدد جمع المعطيات الكافية للكتابة عن إصلاح الحكم المحلي عندنا، خاصة ولي فيه تجربة، اذ كنت تحملت مسؤوليات عدة كمعتمد ووال أو وال للولاة لمدة تجاوزت لعشرين سنة كاملة، وأزعم إنني اكتسبت فيها تجربة ودراية وخبرة ومن حقي المساهمة بما تبقى لوجه الله وحده.

ولكنني أمام ما رأيته هذه الأيام من زهد مشترك في الإصلاح المنشود وتنفيذه وهو الذي سيقلب المعادلة ويعود بالتونسيين للتصرف في شؤونهم بأنفسهم وتقريب الإدارة لقضاء أكثر شؤونهم بدون جهد أو عناء أو واسطة إلى درجة ان البعض منهم باتت ينادي بتركيز إدارات على الشكل القديم تمثل السلطة المركزية من ولاة ومعتمدين وحتى عمد، بعدما تقرر تغييرها باللامركزية واعتماد الأقاليم والجهات والبلديات، وكلها كلها منتخبة إما مباشرة أو بالتمثيل النسبي حسب قواعد تراعي فيها عدد السكان والحاجة والتوازنات وما تساهم به الجهة في المجموعة الوطنية من انتاج أو ثروة طبيعية منً بها الله.

لذلك أقر الدستور بابًا خاصًا بالسلطة المحلية وحدها وسواها في الرتبة بالسلطات الثلاث الأخرى، التشريعية والتنفيذية والقضائية.

لذا رأيت تلك الطلبات خارجة عن السياق الذي اقره الدستور ومجلة الحكم المحلي التي ستنهي سلطة الولاة والمعتمدين ولم يتعرض حتى لهم أصلا واعتبرهم جزء من السلطة التنفيذية والسلام.

انها إرادة في التغيير أقرها المشرع وأثبتها في الدستور اقتداء بالبلدان التي تحكم باللامركزية وتختلف عن فرنسا التي ما زلنا نقتدي بها في كل شيء بالرغم من تخلفها في ذلك الميدان الذي فشل حتى الجنرال ديجول في تغييره وخسر رهانه في استفتاء أجراه سنة 1969 وخرج بسببه من الحكم بشرف يذكر، ولكن ذلك التغيير لم يقع فيها ولم تتجرأ أي حكومة على طرحه إلى الان. وبات الرئيس (ماكرون) تحت قصف السترات الصفراء يعاني. ما زلنا نحن نحن له.

اننا لم نقرا دستورنا جيدا ولا مجلة الحكم المحلي التي جاءت لتنفيذ الباب السابع منه ورأينا الخلافات بدأت تظهر بين البلديات المنتخبة والسلطة المحلية المتجسدة حاليا في الولاة والمعتمدين وحتى العمد، وقوى الأمن الداخلي التي لم تتعود عليه أو تتقبله.

وللتذكير سوف يبقي للسلطة المركزية بالتأكيد من يمثلها في الجهات من ولاة ومعتمدين ومصالح للأمن الداخلي وأما القضاء المستقل في قضائه على سبيل التخصيص فهو غير معني، باعتباره سلطة مستقلة بذاتها.

ولكن أغلب شؤون المواطنين الحياتية ستصبح من أنظار البلديات التي ستغطي كامل تراب الجمهورية بعد منحها لكل الصلاحيات التي اقرها لها القانون وخاصة منها الترتيبية والجباية والتي تقررها بنفسها وتحدد صرفها ولا يمكن أن تنازعها فيها أي سلطة أو تعترض عليها الا بالطعن أمام القضاء الإداري مثلها كمثل السلطة المركزية بالتساوي وبدون تمييز أو تصغير يذكر.

لم يدرك الكثيرون منا مزايا ذلك النظام الجديد الذي لم ينفذ في أكثره، وبقي البعض منا حبيسا للماضي الذي تعودنا عليه عملًا بمقولة من شب على شيء شاب عليه.

وأنا اعترف بان ذلك ليس بالأمر اليسير ولا بالهين، ولكن المسار بات وجوبي ولم يعد لنا من خيار دونه الا التنفيذ والشروع في الإصلاح للخروج بتونس من الوضع الذي بتنا فيه محكومين من المركز ونضطر عادة لاستخراج أي ورقة أو وثيقة أو قضاء شأن من شؤوننا اليومية لا بالتنقل والواسطة.

إننا ما زلنا نعيش في القرن التاسع عشر بينما بات العالم يسير بمنظومة الرقمية ويقضي شؤونه بالوسائل الافتراضية، وكان من حقنا ان نتخلص من عقدنا القديمة ونعتمد على أنفسنا وندير شؤوننا بكل مسؤولية.

إننا بذلك سنحقق الديموقراطية الحقيقية وننعم باستقلالنا الذي ضحى من اجله الخيرون واستشهد لأجله الشهداء الأبرار واخرهم من سقطوا في الثورة الأخيرة ثورة الحرية والكرامة التي لم يعترف بها البعض من المكابرين ممن مستهم في امتيازاتهم الشخصية أو مصالحهم.

وكل ذلك الإصلاح محمول علينا وعلى حكومتنا المسنودة من نواب الشعب المنتخبين الذين لهم سلطة لمراقبتها وسحب الثقة منها عند لاقتضاء.

وأختم هذه الدردشة الصباحية وأنا في الحجر المفروض علينا بسبب هذا الوباء الذي انصب علينا دفعة واحدة راجيًا من الله ان يقينا من شره ويخرجنا منه بأقل الإضرار ويعوضنا عن صبرنا.

واغتنم هذه الفرصة لأوكد على المشتاقين للولاة والمعتمدين ليعلموا بأن هؤلاء باتوا في حاجة لتأسيس نقابة تحميهم من العزل أو الإقالة، وحتى لا يسمعوا أو يقرؤوا في وسائل الاتصال الافتراضي بها، دون ان تتعنى الحكومة بجبر خواطرهم ولو بكلمة  طيبة او وسام شرف يحفظ لهم كرامتهم.

وأقول لأولي الأمر منهم  جربوا فصل حاجب أو موظف صغير قبل ان يستقيل أو يبلغ لسن التقاعد او لمبرر يقره مجلس الشرف أو التأديب الذي يستمع له ويمكنه ان يصحب معه محاميا ان لزم !

لذا انصح من له النظر بان يدركوا بان لهؤلاء أحاسيس ومشاعر وعائلات وأحباب ومتشمتين بدون حساب،  ولا يحق ان يعاملوا بتلك الطريقة المخزية.

أما من يطلب بأحداث ولاية فانصحه بالتريث حتى يتم تنفيذ الحكم المحلي كله وسوف يجد مبتغاه في المؤسسات الإقليمية والجهوية  والمحلية المنتخبة ديموقراطيا، ولن يندم على القبول بالنصيحة، وأزعم بأني  أكثر منهم تجربة وخبرة ودراية وقد جربتها ونزلت السلم قلهم تتلقفني الملائكة وانخرط في المحاماة ولي فيها أربعة عقود حتى الان والحمد لله وهو الذي لا يحمد على مكره سواه.

 

                                                      تونس في 17/03/2020

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!