عدنان منصر: الحوار التونسي تدفع ثمن السيناريوهات الفاشلة

كتب عدنان منصر في حسابه على الفيسبوك حول ما روج كون الحوار التونسي تتعرض لضغوط من قبل الحكومة وحركة النهضة:

عندما كتبت السيدة مريم بالقاضي أن البرنامج الذي تقوم بتقديمه على قناة الحوار سيتوقف، لا أحد تذكر أن البرنامج يتوقف منذ سنوات كالعادة في الصائفة ليفسح البرنامج لشبكة برامج أخرى. تحدثت مريم عن صعوبات مادية، وتركت الباب مواربا لتأويلات أخرى. الصعوبات المادية حقيقية بسبب صعوبات إدارة القناة كنتيجة لوجود صاحبها في السجن، ولكن أيضا بسبب توقع تواصل تراجع عائدات الإشهار نظرا للصعوبات التي تمر بها المؤسسات المستشهرة. أما ترك الباب مواربا أمام التأويلات الأخرى فكانت انعكاسا لخوف فريق البرنامج من عدم عودتهم في البرمجة الشتوية، خاصة مع وجود معلومات تؤكد أن الفريق العامل رفض مراجعة امتيازاته (الأجر الثابت ونصيب من مداخيل الإشهار).

 

اتهام الحكومة بالضغط لإيقاف البرنامج مثير للضحك، لأن الحكومة مازالت لم تجد الوقت أصلا للتفكير في موضوع الإعلام. أما اتهام النهضة بالضغط، فهو مثير للسخرية في أدنى توصيف. ليس فقط لأن النهضة ممثلة في فريق البرنامج (بعد اتفاق بين الفهري والنهضة يعود لسنوات) ولكن لأن العلاقة بين صاحب القناة والنهضة هي علاقة غير عدائية بالمطلق. الأمر يحتاج فقط التذكير ببعض المعطيات.

الجميع يتذكر اصطفاف قناة الحوار وراء نبيل القروي في الرئاسيات، ووراء الزبيدي لفترة ما، والإنتدابات التي قامت بها في فريق البرنامج بمناسبة تلك الانتخابات، والحرب المفتوحة التي أعلنتها القناة على قيس سعيد، والتي تواصلها اليوم بتركيز الهجمات على الفخفاخ. كان ذلك هو واجب سامي الفهري بمقتضى اتفاق ضم من الجهة اامقابلة طرفين أساسيين: نبيل القروي والنهضة. بمقتضى ذلك السيناريو، كان الهدف هو تبرئة سامي الفهري من القضايا التي تلاحقه (المرفوعة من التلفزة الوطنية) بحرص ونفوذ رئيس جمهورية اسمه نبيل القروي، وبحرص من حركة النهضة لنفوذها في القضاء وفي المجلس الأعلى للقضاء بالذات (هناك حديث عن بضعة مليارات قدمها الفهري لسياسيين أيضا في إطار هذا الإتفاق) ولكن أساسا لأن الأمور كانت متجهة نحو نجاحها في تعيين رئيس حكومة موال لها. سقط كل ذلك في الماء طبعا على مرحلتين: فوز قيس سعيد في الانتخابات، وفشل الجملي في نيل حكومته الثقة أمام البرلمان. لكن الشق القضائي من الصفقة، والأهم في نظري، هو الذي حسم الأمر: عدم استعداد القضاة المكلفين بالملف للرضوخ للتعليمات والضغوطات، ورفض نقابة التلفزة الوطنية التنازل عن القضية وعلى طلبات التعويض.

ماهي النتيجة: أنه لا مخرج قضائيا للفهري سوى بدفع التعويضات، وهي مبالغ كبيرة لم يعد قادرا على توفيرها. وأنه رغم إمكانية إطلاق سراحه بعد أيام، إلا أنه سيظل ممنوعا من السفر، ولن يؤثر ذلك على سير القضية في الأصل، حيث سيظل مطالبا بدفع التعويض، وربما يصدر عليه، وهو في حالة سراح، حكم قضائي بالسجن.

في كل الحالات، بغض النظر عن تجاوزات سامي الفهري في القضية التي رفعتها ضده التلفزة الوطنية، فقد كان بالأساس ضحية فشل سيناريو تختلط فيه السياسة بالقضاء والمال، وأنه، مثل بقية أطراف ذلك السيناريو، كان واعيا تماما بالتوجه الذي اختاره. بل أكثر من ذلك، فإن الفريق العامل مع مريم بالقاضي كان عارفا بمعظم هذه التفاصيل أيضا. هذا أمر ثابت، أما ما يقوله الفريق في كل حصة من البرنامج، فموضوع آخر تماما، لا قيمة له مطلقا.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى