عبد الحميد الجلاصي في حوار الصراحة للجرأة الأسبوعية : حمادي الجبالي طيب وخير الصمت لكنني مقاتل ولن أصمت

تونس – الجرأة الأسبوعية : أجرى الحوار محمد عبد المؤمن

تفتتح الجرأة الأسبوعية حواراتها السياسية حيث نخصصه في هذا العدد لأهم قيادات النهضة وأحد اهم عقولها والتي اختارت بعد حوالي عشر سنوات من العالم الحزبي وقبله الحركي ان تغادر لكنها لم تغادر بالصمت والتسليم بل واجهت وتكلمت ووضحت.

في هذا الحوار سنتعرض لمسائل مهمة تتجاوز كل ما قيل سابقا وقد استجاب عبد الحميد الجلاصي لذلك وقبل بكل اسئلتنا وتعمق في أجوبته:

-الازمة الحاصلة في تونس اليوم هل سببها النظام السياسي وقانون الانتخابات؟

لا شك ان لهذين المعطيين دور فيما وصلت اليه البلاد ،و لكن الامر اعمق .لا يمكن ان نعطل شؤون البلاد ومصالح العباد في انتظار  تغيير او تعديل او تحسين   النظام السياسي و مراجعة القانون الانتخابي .

انتخب التونسيون مؤسسات لتحكمهم بالقانون الانتخابي الحالي و بالدستور الحالي و بالتالي يجب ان نسلم بهذا الامر و ان نحسن ادارة العلاقات مع امكانية تغيير ما يجب تغييره .

و يجب الانتباه ان هذا التغيير نفسه يتطلب هدوءا و تشاورا حتى يحصل و يعطي منتوجا اكثر نجاعة اذ ان المناخات المتشنجة تعرقل التغيير او تفرز منتوجا يعيد انتاج الازمة .

اذن المشكلة الأكبر في تقديري هي ضعف في قراءة الأرقام و في الثقافة و الاخلاق السياسية و في حقيقة انتسابنا للديموقراطية رغم الإسهال في استعمال اللفظ و الرغبة في الاستحواذ عليه  حتى .

الخطأ الأكبر كان في القراءة السياسية للأرقام اولا و للمرحلة ثانيا .

فالانتخابات لم تعط شرعية كاسحة لأي طرف . فشرعية الرئيس مهمة جدا من حيث الرمزية و من حيث العدد و لكن لا احد يجهل انه دون سند مباشر في البرلمان و هذه يمكن ان تكون نقطة قوة كما يمكن ان تتحول الى  نقطة ضعف .

-لكن هناك شرعية البرلمان أيضا؟

بالنسبة للبرلمان فتشكيلته  فسيفسائية اذ ان الحزب الاول فيه هو الذي تجنب الخسائر اكثر من غيره و لكنه لم يحظ بنفس الثقل الانتخابي للحزب الاول في انتخابات التأسيسي ب 89  نائبا و لا الحزب الاول في انتخابات برلمان 2014 ب 86نائبا

الانطلاق من قراءة موضوعية للأرقام لم يكن ليفضي الا لطريق واحد وهو تنازل الجميع للجميع و تناسي المعارك الانتخابية و بناء اوسع تحالف ممكن على اساس برنامج اصلاحي مع طاقم كفء و متضامن .لا خيار سوى ذلك الا انتخابات تعيد نفس المشهد اذا لم تتغير قواعد لعبة لم يكن احد مستعد لها .

 

لكن هذا الخيار سقط بفعل الخطأ الثاني و هو العودة الى تصنيفات مرحلة 2011-2012 اي تصنيفات الثورة و الثورة المضادة و القديم الجديد و سعي البعض الى التحوز على ملكية مشتركة مثل الديموقراطية و الشفافية و مقاومة الفساد  غير مسلم به مدى صدق الانتساب اليها .

هذا التقسيم لم يكن ليفضي الا الى حكومة ثورية او يمينية ضعيفة غير قادرة على الانجاز في اوضاع شديدة التعقيد وزادتها الجائحة تعقيدا .

ينضاف الى كل هذا مشكلة المشاكل في البلاد و هي مشكلة الثقة بين الجمهور و الطبقة السياسية و بين مراكز السلطة و بين الاحزاب و حتى داخل الاحزاب بسبب غياب الشفافية و هيمنة ثقافة التذاكي و حرب التموقعات وغياب المضامين  و الرؤى وصراع البرامج .

-وكيف يكون الخروج من هذا المأزق؟

 

لا خيار سوى الاشتغال على الوسط وخوض الصراع السياسي بقواعد شفافة و على اساس المضامين او الذهاب الى انتخابات على اسس جديدة .

 

وهنا أعود الى قصة البيضة و الديك اذ ان تغيير القواعد نفسه يتطلب حدا ادنى من الهدوء و التوافق .

 

-عبير موسي تحولت الى ظاهرة في البداية قالوا انها صوتية لكن اليوم صار لها وزن كيف تنظر اليها وما يعنينا  هنا التجربة لا الشخص؟

 

لا يخلو الامر من احتمالين اما ان عبير موسي شخص ذكي جدا او ان الذين يزعمون مواجهتها تنقصهم النباهة ،فهي تستثمر في الاحباط و في ارتباك الصف الديموقراطي الذي لم يقرا تاريخه منذ الثورة الى الآن .

كل الاخطاء التي حدثت منذ الثورة هي اخطاء في التموقع و في تحديد الخط الاساسي للفرز و للصراع .

الخط الاساسي هو خط الديموقراطية و الدستور و مكتسبات ما بعد 2011.

هناك صراع أساسي بين معسكر الديموقراطية و خصومه و صراعات مهمة هي ايضا و لكنها ثانوية مقارنة به و هي الصراعات داخل المعسكر الديموقراطي ذاته .

اخطاء القراءة هي التي فوتت فرصا كبرى على البلاد سنة 2011 و بعدها و ضياع البوصلة الان هو خدمة موضوعية لقوى التعصب ودعاة الاحتراب .

اطمح الى حياة حزبية وسياسية سليمة بمعنى ان تتحمل القيادات الحزبية التي تسيء القراءة و التقدير مسؤولياتها و تتأخر قليلا في حين نرى قيادات تراكم الاخطاء و تكون ابطالا في السلام و ابطالا في الحروب في السياسة لا يمكن ان نتقدم بثقافة القبائل

الاجابة الاساسية على الدستوري الحر هي اجابة سياسية بتجنب مربع المعارك الذي تريد جر الجميع اليه و هي للأسف تفلح لحد الآن .

دروس التاريخ تقول انه لا بديل لعزل التطرّف الا بتقوية الوسط و هذا الوسط يمكن ان يكون متنوعا :اجتماعي ،ليبرالي ،محافظ .لا يهم .هو وسط القيم و الأهداف الكبرى و قاعدة الاعتراف و التعايش

لماذا الاصرار من راشد الغنوشي على ضم قلب تونس للحكومة  ولماذا تغير الموقف بعد الانتخابات حيث انه كان عكس هذا؟

 

حينها كنت في النهضة .

اعتقد اننا اخطأنا في الانجرار وراء خطاب يدعي الثورية و في التعميم .

قد يكون في حزب قلب تونس فسادا و لكن الاكيد ليس كل الحزب .و الاحزاب التي تدعي الطهرية تطالها ممارسات و شبهات بهذا القدر او ذاك .

ربما كان من الافضل للنهضة ،هذا على كل عبرت عنه حينها ،ان تسعى منذ البداية الى بناء تحالف واسع على اساس برنامج مع فريق بعيد عن الشبهات في حين تأخذ الادعاءات في قلب تونس او غيره مسلكها القانوني .

 

-ائتلاف الكرامة يسميه البعض غرفة خلفية للنهضة هل هذا صحيح؟

 

بالطبع لا .

بل اتوقع موضوعيا ان تحتد المنافسة بينهما على إساس الانتساب لنفس العناوين الكبرى و لنفس القاعدة الانتخابية و في السياسية لا توجد هدايا .

هناك عقل كسول يصعب عبره ملاحظة الواقع كما هو فيلجؤ الى التلبيس .

 

-الياس الفخفاخ وازمة الثقة والنزاهة ماذا تقول حول هذا؟

 

للأسف اعتبر ان السيد رئيس الحكومة اخطأ في طريقة التعامل و ادخل البلاد في ازمة لن يخرج منها .اخلاقيا و سياسيا انتهى الفخفاخ مهما كانت المآلات القضائية و حتى المؤسساتية .

للأسف يكرر تجربة سابقه في حين انه كان امام فرصة حقيقية للنجاح لنفسه و لتونس .

 

-رئيس الجمهورية قيس سعيد يتمتع بالشرعية الانتخابية وايضا الشعبية هل تراه استثمر هذا في حل الازمة؟

 

لا .

كان منتظرا  ان يكون اداء الرئيس افضل بكثير في تطمين الرأي العام و في التحكيم بين مختلف الفرقاء و في ترويج التجربة التونسية .الفرصة لا تزال ممكنة .

-ما اثير حول مخطط انقلابي وسعي من البعض لتدمير الدولة وغرف الظلام وغير ذلك مما قاله قيس سعيد .هل انتم مقتنعون بهذا ام تراه تقمص لنظرية المؤامرة؟

المسؤولون لا يتحدثون عن الاشباح التي تخيف الرأي العام و تطرد المتعاملين .المسؤولون يكشفون الاشباح و يصارحون الناس و لا يتحدثون بالألغاز .

-التيار الديمقراطي وحركة الشعب كيف تحكم على كلاهما بما في ذلك العلاقة والموقف من النهضة؟

 

لكل حزب حياته الداخلية .

التيار امام فرصة لعمل سياسي عقلاني يدفع باتجاه التغيير أتمنى الا تضيع .

وكثير من قيادات حركة الشعب لم تتخلص من رواسب الايديولوجيا المغلقة و من ثارات التاريخ في المنطقة ؛

و لكني اؤمن بالديناميكيات .و الاذكياء من كل المعسكرات يتعلمون و يتطورون .

موقف النهضة الاخير القاضي بإطلاق مشاورات لتشكيل حكومة جديدة عل تراه صائبا؟

التشاور و البحث الهادئ عن الحلول و المشتركات هو إساس العمل السياسي .

و لكن سياق اتخاذ القرار وطريقة التسويق له و اللهجة المعتمدة لم تكن موفقة و احدثت التباسات وردود فعل تميزت هي ايضا بالتسرع .

سياستنا تشكو كثيرا من تدخل العامل البسيكولوجي و بهيمنة منطق المغالبة وردود الفعل .

 

ما هو المطلوب لإخراج البلاد من ازمتها الحالية؟

 

نحن بين ثلاث خيارات :

اما ان يقرر المهندس الفخفاخ الانسحاب خدمة لبلاده و تجنيبا لها من ازمة حادة و هي تضحية كبرى خاصة اذا ثبتت لاحقا براءته القضائية ..

او محاولة رأب الصدع و الاشتغال على مسار يضمن الاستقرار و النجاعة الحكومية مع الاستقرار و النجاعة البرلمانية و فقا لبرنامج يمتد على الأقل لسنتين و يمكن ان يضمنه عدد من حكماء البلاد اضافة للمسارات الدستورية و المؤسساتية المعلومة و ترك موضوع الشبهات للبت القضائي .

او الدخول في مغالبة قد تستمر الحكومة بمقتضاها نظرا لعدم توفر شروط اسقاطها دون ان تقدر على الاشتغال بما يذكر بالسنتين الاخيرتين من عهدة السيد يوسف الشاهد .

هذا الخيار الثالث هو الاسوأ اذ يمكن ان يفضي الى انتفاضة شعبية واحتمال انفلات المسار عن المسالك القانونية المعلومة .

 

هل سيعقد المؤتمر القادم للنهضة ؟

 

نعم سيعقد .

متى لا ادري.

و أتمنى الا يتأخر كثيرا .فليس من صالح البلاد ان تتلكأ الاحزاب و المنظمات الكبرى في الايفاء بالاستحقاقات الداخلية في مواعيدها فذلك من علامات اعتلال الديموقراطية .

 

-تحدثتم كثيرا عن خروجكم من النهضة لو نتعامل مع الموضوع من زاوية جديدة  مغايرة. ما الذي كنت تريده في النهضة حتى لا تغادرها؟

 

ان تحسن ادارة مواردها الكثيرة و افكارها المتنوعة و ان ترسخ العمل المؤسساتي لا الشكلاني و ان تتقدم اكثر في تحولها من جماعة الى حزب و تزيح العوائق الثقافية و النفسية و المادية امام ذلك و ان تتقن ادارة العلاقة بين الزعامة و المؤسسة و ان تولي جهدا اكبر للتأطير و التثقيف و المضامين و ان تتعامل مع التنظيم باعتباره ثروة و كيانا له روح و ليس مجرد اداة تستدعى في المعارك الانتخابية و ان تكون اكثر وفاء لقواعدها التنظيمية و الانتخابية و ان تنتقل من سياسة التكتيكات و التموقعات الى الرؤية و النظر الفسيح و ادارة معركة الافكار و البرامج في البلاد .

 

في كلمة ان تصبح حركة لها رئيس لا رئيسا لديه حركة .

آمل التوفيق لكثير من المناضلين الديموقراطيين الحالمين في النهضة

 

-لو قارنا خروجك بخروج حمادي الجبالي ماذا يمكن ان تقول؟

 

سي حمادي احد أساتذتي لكن شخصيتينا مختلفتان ،فهو طيب و انا مقاتل .هو التزم الصمت بينما اعتبر الاستقالة موقفا سياسيا لا معنى معه للصمت .لذا اخترت الكلام من اجل ترسيخ الديموقراطية في الاحزاب و المنظمات و كسر جدران المحافظة و الجماعة والمساهمة في بماء سياسة المعنى و الافكار في البلاد .

التزم الصمت مطلقا و التزمت عدم الشخصنة و مَس الأعراض و وضع النقاش في سياقه الفكري و الاستراتيجي .وكلانا حرص على المحافظة على علاقات انسانية راقية مع شركاء مسيرة رائعة .

 

-هل صحيح ان النهضة نهضتان حاليا بين انصار الغنوشي ومخالفيه؟

 

بإمكان الباحثين تأكيد هذه الفرضية او تفنيدها . لكن اعتبر النهضة جسما حيا و محاور الفرز فيه متعددة ومتداخلة من ضمنها التموقع السياسي و التموقع الثقافي و التموقع الاجتماعي اضافة لموضوع الديموقراطية بما فيه من قضايا المأسسة وطرق بناء و اتخاذ القرار و سياسة التصرف في الموارد و في الملفات الاستراتيجية و التشبيب و الانتقال القيادي و الجيلي و الانتشار الحزبي و المجتمعي و معاني الهوية الحزبية و علاقتها بالهوية الشخصية اضافة لقضايا فكرية مهمة .

النهضة في مخاض مهم بين قوى التقدم وقوى المحافظة بين الكيان الحديث و الحرص على استدامة حالة الجماعة و الأوراق فيها مختلطة و لم تصل بعد الى مرحلة التوضح العلني بما يجعل الصورة الدارجة والسائدة مختلفة في كثير من جوانبها عن الصورة الحقيقية نتيجة استمرار ثقافة التحفظ و التعفف و التواضع .

مهم جدا ان تنجح المحطة القادمة للنهضة من اجل تجربة متميزة في الانتقال من جماعة الى حزب .

 

نشر هذا الحوار في الجرأة الأسبوعية.الرابط بالموقع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!