رسالة مؤثرة من معلّم احيل على التقاعد :” تحررت من سجن الوظيفة و غدا اعود الى مهنتي الاصلية رعي الاغنام “
كتب المربي الطيب الجوادي ما يلي : هذا أول اسبوع لي في حياتي الجديدة ،بعيدا عن التعليم والمعهد والتلاميذ، والمركب الموصولي والناقص والممدود والمهموز !
غدا صباحا ،ولاول مرة منذ أكثر من خمسين سنة تلميذا ومدرّسا ،لن اتجه الى المدرسة ولن أجلس أمام السبّورة،غدا صباحا سأشدّ الرحال الى قريتي الوادعة لأعود لمهنتي الأصلية:رعي الأغنام !مازلت أذكر ما قالته لي نعيمة بنت عمّي يوم أصررت أن أترك بقرتنا وشويهاتنا وألتحق بمعهد القصور لأكمل تعليمي:ها الطيب خمّم مليح،وراس ولد عمّي الا ما تندم،واش باش تعمل بيها الوظيفة،خليك هنا في الدوّار مستكوزي ومرتاح مع النعجات والبڤرات وبالك مرتاح”
وبعد هذا العمر الذي أكله التعليم،اعترف انني كنت أحمق وعنيدا وقصير النظر!إذ ماذا كسبت من التعليم غير المرض ووجع الرأس والفقر …
غدا أعود إلى قريتي وشويهاتي ،أعود لنقطة الصفر،أعود للمربّع الأوّل ،لأبحث عن راحة البال والطمأنينة اللتين افتقدتهما سنين طويلة في هذه المدينة الاسمنتية التي لا قلب لها!
سلمني المدير قبل أسبوع وثيقة مكتوبا فيها :
الفصل الاول:يحال فلان الفلاني على التقاعد!
علّق المدير وهو يراني متسمّرا في مكاني:
-أنت الآن حرّ ،بإمكانك أن تذهب حيث تشاء وأن تفعل بحياتك ما تريد !
-الآن ،غمغمت وابتسامة ساذجة ترتسم على شفتيّ،فات الاوان،جاء القرار متأخّرا جدّا،لقد ألفت سجن الوظيفة ولا أعرف كيف سأتحرّر منه!
هاتفتني نعيمة بنت عمي لتهنّئني بالتقاعد
-نعجاتك يستنو فيك،هات المدام وايجا لداركم بجنب الواد
“هو ذاك ،حدّثت نفسي،سأعود الى حياتي القديمة “ولكنني تذكرت ان كل شخصيات الطفولة قد غيّبها الموت أو النسيان،وأنني كبرت وغدوت حكيما،وانه لم يعد بامكاني ان أطارد الفراشات وأسبح في النهر عاريا !ولن تستقبلني هنيّة بشلاكتها البلاستيك “وتعطيني طريحة نبّاش القبور”
ذاك عهد مضى وانقضى وانطوت معه حياتي الأولى،حياتي الأروع
ومع ذلك سأعود الى قريتي لأعيش بين الذكريات،واموت بهدوء،ميتة جديرة بطفل كافيّ لم يكبر
الطيّب الجوّادي