دردشة يكتبها الأستاذ الطاهر بوسمة / في ذكرى وفاة المرحوم محمد مزالي

كتب الطاهر بوسمة:

في مثل هذا اليوم 23 جوان من سنة 2010 توفي المرحوم محمد مزالي وقد ترك في نفوس احبته واصدقائه لوعة وحسرة واظن ان ذلك كان عاما لدى المنصفين ممن عاشوا تلك الفترة الذهبية وشاركوه في تلك المظلمة التي تسلطت عليه بدون سبب او مبرر يذكر، الا منازعته لموقعه ذلك الذي كان يؤدي للخلافة التي تركها بورقيبة معلقة في عنق وزيره الاول، فكانت مثل الشجرة المحرمة التي اخرجت آدم من الجنة.

تذكرته اليوم مثل العادة وبكيته مع من كان عرفه أو اقترب منه سواء في زمن حكمة او في محنته التي قضاها في المهجر صابرا مستحبا وهاربا من مطاردة دائمة له ومحاكمات جائرة انتهت كلها بالبطلان؟

كانت كلها بدون سبب موضوعي او سند قانوني، الا لإزاحته من ذلك الموقع  لان القوم خشوا ان يصل الله.

لقد الزمته تلك المطاردة بالبقاء في الغربة القصرية لمدة 16 سنة وذلك خوفا منه ومن اشعاعه الذي لم يقدروا على مسحه من الذاكرة.

وللتذكير أقول، لقد كان في الأصل أستاذا في الفلسفة ومدرسا بالمعاهد الثانوية بالزيتونة وباعثا لمجلة الفكر التي كانت رسول المفكرين من الادباء والشعراء التونسيين ومدخلا لهم بالمشرق لثلاثين عاما.

ثم تولي بعد الاستقلال ادارة الشباب والرياضة واحسن التدبير فيها، وتم في وقته تشييد أول مركب رياضي بالمنزه نظمت فيه العاب البحر الابيض المتوسط، وما زال قائما وشاهدا عليه، ثم تولى الادارة العامة للإذاعة الوطنية فأنشأ فيها أول قناة تلفزية بلغتنا التونسية، فكانت وقتها اعجوبة، في وقت كان بعض التونسيين في العاصمة واحرازها وحدهم يتابعون القناة الايطالية الاولى التي كانت تبث من اعالي جبل بوقرنين للالعاب الاولمبية لاوروبا واستمرت بعدها لتونس لمدة اخرى.

كانت أيامه كلها بناء لتونس الحديثة تحت قيادة الرئيس بورقيبة الذي كلفه تباعا بوزارات عدة بدأها بالتربية القومية وقد بقيت اثاره فيها، من اصالة وتعريب افتقدناها وبتنا نتذكر صاحبها بمرور السنين بعدما راينا حالنا وكيف باتت اذاعاتنا الخاصة وقنواتنا التلفزية تتكاثر وكلها تستعمل لغة مستهجنة هجينة اقرب للمالطية منها للغتنا الجميلة التي تربينا عليها منذ ولادتنا وتعملها على الفترة.

لقد تولى وزارة الدفاع الوطني ووزارة الصحة العمومية وانتهى به المسار الى تولي  الوزارة الأولى وقد تقلدها في أصعب فترة بعد تعض تونس لاعتداء بالسلاح في مدينة قفصة وكان ذلك بعد اضراب عام وخميس اسود ما زال في الذاكرة.

لقد كان يجتهد ويكافح ويسعى لأنسنة نظام الحكم لما تولى الوزارة الأولى وخلصه من عقده الكثيرة وذلك بأطلاق سراح المسجونين السياسيين وعلى رأسهم قادة اتحاد الشغالين وأعادهم لمواقعهم وأشركهم في اول انتخابات تشريعية حرة تعددية عرفتها تونس ولكن خصومه تزويرها.

دام حكمه لمدة ست سنوات قضاها كلها في الإصلاح وكم تعرض فيها لمؤامرات اجتازها بصعوبة، وكانت مدته كلها انجاز وتحول في سياسة الخارجية وربط علاقات ودية ومثمرة من الشرق، وحاول تطوير الحزب الواحد الذي كان ينفرد بالحكم ليجعله متفتحا اكثر.

ولكنه أيامها بات بورقيبة تحت تأثير دائرة ضيقة استأثرت به ووجهته وجهة لم يخرج منها حتى ليلة الانقلاب عليه بشهادة طبية بالغياب وانتهى الى إقامة جبرية دامت 13 بمسقط راسه بالمنستير، ولم يكن حرا حتى لتلاوة فاتحة الكتاب على والديه عليه وعليهم رحمة الله.

ومن نكد الدهر اننا عشنا زمنا كان فيه سجانه يستعملون اسمه وصورته كذبا وادعاء في حبه ولا يسعني ان اقول فيهم، لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.

وامام ذلك كله وما قضى حياته كلها لم بنعم بذكراه الا بمركب رياضي يتيم بالمنستير تكرمت به عليه بلدية المكان الذي ولد ودفن فيه وأطلقت اسمه عليه.

لذا قررت ان اذكر به مثل العادة لأترحم عليه لأذكر الأجيال بقامة كبيرة غابت قبل قيام الثورة التي كان يتمناها قبل ان يختاره الله الى جواره. فرحمة خالصة على روحه الزكية.  والسلام.

                            تونس في23 جوان 2020

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!