دردشة يكتبها الأستاذ الطاهر بوسمة / “بورقيبة في زمن التحديات والتطلعات” للطاهر بالخوجة
أهداني مشكورًا الصديق الطاهر بالخوجة كتابه الأخير المشار اليه بعنوان هذه الدردشة التي خصصتها للتعريف بمحتواه لأنه في نظري سيثري المكتبة التاريخية لفترة شاركت فيها بنصيب مثلما كان لكاتبه حصة اكبر بالنظر للمسؤوليات العليا التي تحملها وشارك فيها من قريب كأمين عام لاتحاد الطلبة وسفيرًا ووزيرًا للداخلية والإعلام وعضوًا بالديوان السياسي لسنين، مساهمًا بذلك في قرارات عدة كان البعض منها نشازا منه وخروجا عن المألوف في دائرة التقيد بالتحفظ وبما كان يعتمده اغلب الفاعلين في الزمن القريب!
قلت قبل قراءتي للكتاب، لعله سيعيد نفسه بنقض أو يعدل ما كان كتبه ونشره بالعربية سنة 1999 تحت نفس العنوان الحبيب بورقيبة سيرة زعيم والذي نقله عن كتاب نشره باللغة الفرنسية قبل سنة تقريبا وبالتحديد في 1998.
ولكنه لم يفعل ذلك وباح لنا بأسرار أخرى لم أكن اعرفها لولا قراءتي لهذا الكتاب الجديد،
لقد اعتمد اسلوبا جيدا وطريقة مختلفة وبدأه بتذكير مفيد لرجال ونساء شاركوا في الحكم والسياسة، وكان لهم الفضل في كتابة تاريخ تونس زمن عقود من القرن التاسع عشر وابتداء من سنة 1901إ إلى 2000 وبذلك نفض عنهم الغبار وأخراهم لنا من جديد.
لقد اقتصر على موجز مفيد لهؤلاء الذين انتقلوا إلى رحمة الله مذكرا بما قاموا به في تلك السنين سواء لما كانوا حكاما أو فاعلين في السياسة والنضال والذي بفضلهم تخلصت تونس من الاستعمار وتمكنت من بناء دولة حديثة وأصبحنا بفضلهم ندون التاريخ.
لقد بدأهم بعبد العزيز الثعالبي والمنصف باي الشعب والأمين بن حسين ملك تونس الأخير، ولم يستثني صالح بن يوسف ولا الباهي الادغم الذي لأول مرة نعرف انه توفي في ظروف غامضة يوم 13أفريل 1998 بباريس. بدون أن يكشف تلك الظروف.
لقد اشتمل الكتاب على تسعة فصول متبوعة بوثائق بالعربية والفرنسية للتدليل، وشدني فيه أكثر ما جاء فيه من تلميح وتجريح، وكأن كاتبه يريد أن يشعر القاري ويشير اليه بوجوب تتبعها بالتسلسل المفيد عبر التاريخ الذي كتبه البعض مجردا ومازال البعض ينتظر التحليل.
تحدث عن احداث بنزرت وملابساتها وما تركته من أثار وقد كانت سببا في محاولة الانقلاب على نظام الحكم، والتعاضد وفشل التجربة وبعض الأسباب، كما تحدث عن الخميس الأسود الذي عاشه من قريب وعلاقة تونس بجيرانها الجزائر والمغرب وليبيا في عهد العقيد.
لم يهمل أسباب فشل محاولة ادخال جرعة من الديموقراطية على نظام الحكم وما تسببت فيه المعركة على خلافة بورقيبة التي انتهت بانقلاب طبي جرى بالليل في نهاية 1987.
لا اريد أن أفسد عليكم لذة قراءة الكتاب والغوص فيه ولو كنت اشعر بما كان عليه الكاتب من ايجاز قد أخل في بعض الأحيان بمعرفة المزيد.
تحدث عن فشل مؤتمر المنستير الأول الذي جرى سنة 1971 وكانت الغاية منه ادخال تعديل عن علاقة الحزب بالدولة، فتحول إلى تكريس للعلاقة ومزيدًا من التصلب في المواقف وأثر على انتخابات 1981 التي كان يراد بها تجسيم خطاب بورقيبة في مؤتمر الحزب الذي جوى سنة 1981 وأجاز فيه تواجد تنظيمات سياسية واجتماعية أخرى على حساب الحزب الأوحد والوحيد.
تكلم عن الجرف القاري وخلافنا مع العقيد وخسارتنا في التحكيم وما جرى بعدها من احداث بعد افشال الوحدة الاندماجية مع ليبيا التي يرى ان بورقيبة اجبر على التراجع فيها ولكنه بقي على قناعته إلى اليوم الأخير.
كل ذلك لا يمكن ان يؤثر على بعض الأخطاء المطبعية التي تسربت في الكتاب وربما من الأكيد تلافيها في طبعة أخرى مع تحسين في الكتابة والتعبير.
وجدته من كتب اسرار السياسة رواها قائلها بصدق وإخلاص ومحاولة تبرير لبورقيبة الذي لم يتردد في بنفسه بالاعتراف بالخطأ عند رجوعه من باريس بعد علاج طويل في جوان 1971.
وفي الختام اعترف باني لم أكن محايدا أو موضوعيًا في هذا التقديم لأني كنت منذ زمن بعيد اعرف جرأة كاتبه ذلك الوزير، وخاصة لما تحمل إدارة وزارة الداخلية وكنت وقتها واليًا على القيروان وأدركت قيمة الإصلاحات التي جعلت من تلك الوزارة قاطرة لبناء نظام حكم حديث.
لذلك انصح بقراء الكتاب الذي يحتاج إلى جرعة أخرى من أهل الذكر المتخصصين في التاريخ الحديث لأنه سيمكنهم من اعتماده مادة تعينهم على فهم الظروف،
وشكرا مرة أخرى للسيد الطاهر بالخوجة على تلك الصراحة التي التزمها والجرأة التي قلت لدى الآخرين.
تونس في 2ديسمبر 2019