خطير : ما حقيقة مقبرة النفايات النووية التي اكتشفت بقابس

تونس – الجرأة الأسبوعية : محمد الرصافي المقداد

كثر الحديث عن الفساد والمفسدين بعد 14جانفي 2011، ولم يكن بالإمكان من قبل الإشارة إلى هذا الداء الفتاك بالاقتصاد والمؤسسات  والدولة ومصالح الناس ومعايشهم.

ولم يكن هذه الاحاديث لتجد مجالها في الانتشار، لولا وجود ادلة وقرائن اثبتت من جهاتها وقوع فساد هنا وهناك، وهذا الفساد ما كان ليظهر، لولا يقظة من اطراف يهمها سلامة البلاد من عناصر الفساد، مهما بلغوا نفاذا ونفوذا، وقدرة على البقاء تحت ستر التخفي من تبعات جرائمهم.

جميل ان يُكشَف الفساد ويُهتك سِتر المفسدين، والأجمل منه أن يحاسب هؤلاء على ما ارتكبوه من جرائم بحق البلاد والعباد، ليكونوا عبرة لغيرهم، فلا يجرؤ أحد بعد ذلك ارتكاب ما من شأنه أن يضعف اقتصاد البلاد، ويبدد الاموال العامة فيما لا يعود على الشعب بشيء، أو يعرّض الصحّة العامة للشعب الى خطر الوباء أو التسمم.

لكن ماذا عن الشعب؟ هل هو في مستوى الإصلاح حتى يجتث من وسطه المفسدين؟ ومن أين جاء المفسدون؟

من المؤكد والحاصل انهم لم يأتوا من الخارج

أُحْصِي 39.000 ملف فيه شبهة فساد في تونس، حسب ما صرّحت به ألفة الشّهبي، ممثلة مكافحة الفساد، وتمت إحالة 1800 ملف على القضاء، ليقول فيه بكلمته(1)، بما يساوي 1/21.6 من مجموع الملفات، فهل من العدل أن يقع التعامل مع هذه الملفات، بكل هذا البطء الشديد، ولا يحسم في جميع الملفات، تحويلا وايداعا لدى المحاكم المختصة، ليقول فيه القضاء كلمته، التي نامل أن تكون بعيدة عن عقلية قضاة، كانت سائدة في العهد السابق، محاباة وتواطئا وسكوتا على الحقّ في أهون الحالات؟ فقد كان القضاء في تلك الفترة غير نزيه، ويصدر أحكاما بمقتضى الأوامر وحسب الهوى، وقضاة من هذا النوع – اذا ما بقوا يعملون بتلك العقلية – سوف يكونون سبيل إنقاذ لرؤوس الفساد في البلاد، وعوامل تستّر عيلهم، بتبرئة ساحتهم مما ارتكبوه من جرائم، وهذا ما سيبقي دار الفساد على حالها، تنخر الإقتصاد وتفسد البلاد والعباد.

النفايات الايطالية*

حجزت الجمارك التونسية في مرفأ سوسة 70 حاوية كبيرة، ثم بعد أيام قليلة في بداية صيف 2020، تبادلت وزارة البيئة من جهة والجمارك التونسية من جهة أخرى التهم وتحمل بعضها بعضا المسؤولية، كما ينظر للسلطات الإيطالية على أنها تتحمل كذلك جزءا من هذا المشكل، ومن تداعيات القضية، قرر رئيس الحكومة التونسية (هشام المشيشي) إعفاء وزير الشؤون المحلية والبيئة (مصطفى العروي) من مهامه، ويقول الخبير في تقدير النفايات وعضو ائتلاف منظمات “تونس الخضراء” حمدي شعبان متهما وزارة البيئة ومسؤولين سياسيين إن “هذه القضية تكشف أن هناك لوبيات كبيرة للفساد”.(2)

وللنظام البائد الدور الأخطر في جرائم النفايات*

كشف هذا الملف يعود بنا الى ما اقدم عليه النظام السابق من دفن لنفايات خطيرة في الجنوب التونسي،

يبدو أن جرائم النظام السابق في حق تونس والشعب التونسي، لم تنتهي بعد أكثر من عام ونصف على سقوطه (8/5/2012) فالتونسيون مازالوا يكتشفون سلسلة المصائب التي جلبها المخلوع وزبانيته، من سرقات للأموال، وخيانة للوطن وعمليات فساد، لم يشهد لها التاريخ العربي مثيلا.

غير أن الاكتشاف الأخير، الذي ظهر على يد أحد مراسلي الصحف البيئية الايطالية، والمتمثل في

اكتشاف مقبرة للنفايات النووية في ولاية قابس، قد أصاب الشعب التونسي ونخبه بصدمة، فالتونسيون لم يعتقدوا أن يصل الأمر (ببن علي) إلى تدمير حياة أجيال بأكملها، من اجل المال، بدفن مخلفات  نووية سامة، في مناطق مأهولة، مع انه يعلم بالضرورة مدى خطورتها.

خبراء البيئة أكدوا، أن هذه المقبرة السامة، تسبب أمراضا خطيرة، مثل سرطان الجلد والدم وإصابة العيون بالمياه البيضاء، و نقص القدرة على الإخصاب، إضافة إلى مخلفاته الوراثية، وما ستظهره آثاره على الأجيال المتعاقبة.(3)

ما أمكن لوزارة الصحة تأكيده بعد اجراء مسح مخبري في المنطقة المشار اليها، هو بلاغ جاء فيه بالخصوص، أن النتائج الاولية كانت مطمئنة، حيث ان نسبة الاشعاع في محيط منشأة تبريد المياه بالمنطقة معقولة، وان معدلات ترسب العناصر الاشعاعية في المياه المتدفقة من عمق 1500 متر طبيعية ولا تبعث على القلق، واوضحت الوزارة انه يجري حاليا القيام بتحاليل للاتربة المستخرجة من السدود وكذلك للماء والتربة والنباتات في المنطقة لتحديد مستويات العناصر المشعة وخاصة مصدرها، مشيرة انه اذا ما ثبت ان مصدرها غير صناعي، فان فرضية وجود نفايات نووية في المواقع التي تم فحص مكوناتها الجيوفيزيائية ستنتفي تماما.(4)

ملفّ القمح المسرطن*

فيما صرّح رئيس لجنة الإصلاح الإداري والحوكمة ومقاومة الفساد، (بدر الدين قمودي)، إن المعلومات المقدمة من قبل وزارات الصحة والتجارة والفلاحة متضاربة بخصوص شحنة القمح القادمة من بلغاريا، وأشار  إلى وجود عديد المخالفات بميناء سوسة على غرار إصدار وثائق مزوّرة، مضيفا أنه قد تم الاحتفاظ بعون ديوانة بميناء سوسة بتهمة التدليس، قد يكون له علاقة بقضية (القمح).أكد بدر أن اللجنة ستواصل متابعة هذا الملف الذي تحول حوله شبهة فساد.(5)

بدا ملف القمح المسرطن القادم من اوكرانيا عبر ميناء سوسة – ويبدو أن هذا الميناء به شبهة مرور صفقات الفساد المستورد – قابلا للنظر فيه بعد افتضاحه لدى الراي العام الوطني، ومنذ اثارتها بعد قرابة السنة لملف القمح الفاسد المستورد والسفينة الأوكرانية الرابضة بميناء سوسة بالسلعة الموجهة لمعمل عجين تابع لرجل أعمال معروف بسوسة، و(نوال المحمودي) المتفقدة السابقة بمركز المراقبة الصحية للحدود بميناء الجهة، والتي تعرضت في مناسبتين الى محاولتي قتل، تتصارع ضد مجرى الرياح، فقد اعلنت انتصارها، بعد تأكيد مساعد وكيل الجمهورية بسوسة، بدء التتبّعات القضائية في ملفين، الاول على علاقة بالقمح المستورد، والثاني بحق عون الصحة، الذي كان يدلّس ويسلم شهائد طبية مزيفة (6).

والآن على من يقع اللوم ومن يجب أن يحاسب، النظام القديم الذي افلت بكل أزلامه ونفذ بجرائمه بقوة الحمق الثوري لمن رجع الى البلاد طلبا للحكم والزعامة، وليس في جعبته شيء، بإمكانه أن يعيد البلاد من عالم الاستبداد والظلم، الى عالم العدل والحرية الايجابية في كنف القانون وبروح الدين والوطنية؟

أم على الشعب الذي أخل بواجباته وأهمل بالخصوص دوره في حسن اختيار من يمثله في البرلمان والمجالس المحلية؟

أم على الحكومة التي لم يعد المواطن يراها في خدمة مصالح بلاده، كأن عقدة الائتمار بأوامر الغرب، لا تزال تلقي بظلالها على قراراتها، ولهذا أقول إن المسؤلية الكبرى والثقل الاكبر يقعان على افراد الشعب، فإذا كان نظيفا محرّما الفساد في الأرض، وملتزما بواجباته أوّلا، فأن ما سيتمخض عنه من اختيارات انتخابية، سيكون لها الأثر الجيّد في القضاء على الفساد والمفسدين، وصدق رسول الله (ص) عندما قال: كيفما تكونوا يولّ عليكم.(7) 

المراجع

1 – 39 ألف ملف فساد في تونس tunisie-telegraph.com/2020/09/07/39

2 – صفقة “النفايات” الإيطالية تكشف ملفات فساد في تونس

al-ain.com/article/italy-s-waste-reveals-corruption-files-in-tunisi

3 – تونس مقبرة للفضلات النووية turess.com/babnet/49282

4 – بلاغ وزارة الصحة حول اشاعات وجود نفايات نووية قرب منطقة الحامة من ولاية قابس

turess.com/tap/128089

5 – تطورات جديدة في عملية استيراد تونس ل”قمح مسرطن”

tunigate.tn/articles/60986

6 – قضية القمح المسرطن بميناء سوسة: بداية فك الرموز وإيقافات بالجملة لإيطارات عليا

kapitalis.com/anbaa-tounes/2020/10/104

7 – كَشْفُ الخَفَاءِ وَمُزِيلُ الإِلبَاسِ عَمَّا ٱشْتُهِرَ مِنَ الأَحادِيثِ عَلَى أَلسِنَةِ النَّاسِ العجلوني  ج2ص166 ح 1997 / حلية الأولياء لأبي نعيم ج4ص467

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!