دردشة يكتبها الأستاذ الطاهر بوسمة / أين بنك الجزائر وتونس

كتب الطاهر بوسمة:

كان بنهج روما عدد 10 لإصدار الفرنك الخاص بالجزائر وتونس والقابل للصرف بين البلدين وفي فرنسا ومستعمراتها كلها، وله نفس القيمة والرواج قبل الاستقلال، وتحول بعدها مقرا لحزب الدستور بعد الاستقلال ثم مقرا للمحكمة الإدارية الان.في تلك السنوات التي كنا معًا تحت حكم الاستعمار كان حالنا يختلف عما أصبح عليه الان، من ذلك على سبيل الذكر والمثال بعض الأشياء التي بقيت في البال، وأردت ذكرها بعد زيارة رئيس جمهوريتنا للجزائر والاستقبال الذي وجده من رئيسها الذي يشبهه في القيمة والنية وراحة البال والحمد لله.

فأنا الان لن أبكي على سنوات الاستعمار التي تخلصنا منها بفضل النساء والرجال، ولم نكن في كل الأحوال وقتها بأحسن حال، ولكن بعض الأوضاع التي فرطنا فيها بأنفسنا ما كان لنا ان ننساها لأنها كانت وما زالت تساعدنا على التقارب والاندماج ولكن هي تلك الأحوال؟

أتذكر أيامها كانت الحواجز بيننا أقل والتعاملات أكبر وممكنة بدون حدود أو قيود، ولكننا بعد الاستقلال تفننًا في حفر الخنادق وبناء الأسوار، بدعوى خشيتنا من الإرهاب، وعقدنا الإجراءات في زمن أخذت بلاد العالم تتوحد وتزيل بينها الإجراءات، ولنا في أوروبا التي كانت بينها حرب المائة عام  أحسن مثال، لأنها تجاوزت كل الأحقاد وما جرى بينها من نزاعات وحروب، فقد شكلت فضاء لأكثر من خمس وعشرين دولة، يتنقل فيها الإنسان بتأشيرة واحدة وتصرف فيها عملة موحدة قابلة للرواج.

أما نحن فكان حالنا قبل استقلال تونس والجزائر والمغرب وليبيا وموريتانيا أحسن في ذلك المجال، لكننا بتنا بعد الاستقلال أشد بأسًا على بعضنا، وقامت بين بعضنا حروب (ونبزيات.)

وبالرغم من محاولات حكامنا إيهامنا بالوحدة المغاربية التي شبع اتحادها نومًا، فإننا لم نستفد لا من الطبيعة ولا من اللغة العربية التي تجمعنا ولا من دين الإسلام.

وأسوق لكم بعض الأمثال التي تحضرني الان، كنا نتعامل نحن في تونس والجزائر بعملة واحدة موحدة وهي الفرنك الذي كان يصدره بنك الجزائر وتونس، وكان له نفوذا وقوة الفرنك الفرنسي ويصرف كعملة صعبة في كل الأقطار والبلدان.

كما كانت تونس وقتها مرتبطة بجامعة الجزائر التي كانت تقرر البرامج والمنهاج ومفتوحة للتونسيين ولمن بريد ان يواصل تعليمه العالي، وشهادتها معترف بها مثل التي تمنحها باريس وغيرها من الجامعات، وكما كانت الزيتونة مفتوحة للجزائريين بكل يسر وسهولة ولها فرع بقسنطينة تخرج منه رجال اخذوا الحكم وحافظوا على اللغة العربية والدين الإسلامي والحمد لله،

كما كانت الأحكام التي تصدرها المحاكم الفرنسية بتونس تستأنف بالجزائر والمحكوم عليهم ابتدائيا كانت تختص بطعنهم محكمة الجزائر للاستئناف، وكان المعنيون بتلك الأحكام يقضون عقوبتهم هناك،

كما أتذكر القطار الذي كان يربط بين تونس والدار البيضاء ويمر عبر الجزائر كلها من شرقها لغربها، وكل ذلك ثابت، ويتذكره الكبار ممن كانوا في سني أو أكبر ممن على قيد الحياة.

تذكرت ذلك كله بعد زيارة رئيس جمهوريتنا للشقيقة الجزائر، وكانت أول سفرة له رسمية يؤديها إلى أي بلاد، غير التي قام فيها بواجب العزاء في وفاة السلطان قابوس عليه رحمة الله.

تأثرت مثلما تأثر امثالي للحفاوة وحسن الاستقبال الذي خص به رئيسنا في وطنه الثاني، زيادة عما جناه من رعاية من صديقة رئيس جمهورية الجزائر وازداد اطمئنان.

لكن الذي بقي في بالي أكثر، نية الجزائر وتونس في استعمال الدينار الجزائري في تونس مثلما سيستعمل الدينار التونسي هناك ان شاء الله.

وأكتب ذلك لا للتباهي لأني أدرك قيمة العواطف، وأعرف أن للشعب الجزائري (النيف) كما للتونسي الغرور.

ولكنني أقر بعظمة الجزائر وعدد سكانها واتساع إرجائها وكثرة مواردها التي منً الله بها عليها من انتاج زراعي وخيرات طبيعية من نفط وغاز لا تعد ولا تحصى ورجال أكفاء.

اعدد ذلك اعترافا لها وليس طمعا فيها، وأذكر بأنه في يوم من الأيام أتى زعيمها ورئيسها المرحوم هواري بومدين للكاف وعرض على بورقيبة وحدتها معنا، ولكن الظروف لم تشأ وقتها، مثلما وقع مع ليبيا القذافي الذي كنت تحدثت عنه في مقال سابق.

لقد بقينا أسرى لغته المستعمر وعاداته وتقاليده، في التعليم والصحة والمواصلات وحتى الدخول والخروج والإقامة والاستقرار التي باتت كلها موجبة لوثائق ما انزل الله بها من سلطان. ولم تعد تستعمل حتى في أوروبا مصدرها، بعدما تخلصت من عقدها وتناست ما جد فيها من حرب المائة عام بالإضافة للحربين العالميتين الأولى والثانية، والتي مات فيها الملايين من الرجال والنساء والأطفال، وتجاوزوها كلها بدون أضغان، وباتت أوروبا بدون حدود وبعملة موحدة بالرغم من اختلافهم مذهبيا ولغويا وحتى في الأديان.

لقد فشلنا نحن في كل شيء، ولكننا لن نعترف بذلك أبدا، الا إذا أخذتنا الثورات في الاعتبار والتي ستلزمنا على القبول بالأمر الواقع، مثلما بات الأمر عندنا، وما نتعرض له من قوى الردة التي تحاول جذبنا للوراء.

انه عصر الشعوب الذي بات يسود، وتحول من تونس الثورة لغيرها من بلدان العرب كلها، حتى للتي لم تصلها الدعوة إلى الان.

لم تتخلف الجزائر عن الركب انتفض شعبها منذ عام، ومازال يتظاهر سلميا وبانتظام، لا يطلب الحكم ولا والسلطان، لكنه يطلب الحرية والكرامة والتحرر من الأغلال، وقد بدأ ينالها، بالرغم من كل المعطلات.

نعم قد تتعرض الثورة التونسية لنكسات، ولكن من تعود على الحرية والكرامة لن يقبل بالعودة للوراء مهما كانت المغريات.

انه زمن ولى وانقضى وما على الذين يحلمون في الجزائر أو بتونس بعودة الماضي، عليهم ان يستيقظوا من غفلتهم التي لن تطول، وسيجدون أنفسهم خارج دورة الطبيعة بحول الله.

                                            تونس في 4 فيفري 2020

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!