تحليل سياسي :تونس الجزائر نريدها علاقات شاملة وأكثر تطورا
كتب: محمد الرصاف المقداد
إنّ علاقات بُنِيتْ على دماء مشتركة للشهداء، في حرب التحرير من الاستعمار الفرنسي، سوف تظلّ متينة وصادقة ووفيّة، لا يمكن أن تسيئها مؤامرات وفتن أعداء وحدة وألفة الشعوب، الذين (كلما أوقدوا نارا للحرب اطفأها الله) (1)
علاقة تونس والجزائر متينة ووطيدة ليس بين الشعبين فقط بل وايضا بين الدولتين، قواسم مشتركة تجمعهما معا في الدّين والأرض والعرْقِ والتاريخ والمستقبل، ولا يخفى ما لشمال أفريقيا الذي يجمع البلدين، من أهمّية استراتيجية اقتصادية تجارية وعسكرية، يشرف منها البلدان على أوروبا، ومرصد لبحر الابيض المتوسط، وبوابة أساسية لأفريقيا في صادراتها ووارداتها نحو أوروبا، جدير بالذكر أنّ لتونس حدود غربية مع شقيقتها الجزائر، تمتد من الشمال إلى الجنوب لمسافة 1034.6 كلم،(2)
كانتا في عهد الاستعمار مغنم خيراتهما إلى فرنسا، التي استغلت مدّخرات البلدين بأقصى ما أمكن استباح فيها عسكرها كل شيء، حتى تلك التجارب النووية الفظيعة التي أجرتها على إخواننا الجزائريين في الصحراء، وقد تضامن البلدان من أجل نيل استقلالهما الا انهما ظفرتا به بعد تضحيات وكانت تونس سابقة إلى ذلك، سنة 1956 والجزائر تأخرت إلى سنة 1963 ، ودفعت مقابله ما يزيد على المليون ونصف مليون شهيد.
تونس والجزائر اشتركتا في حرب تحريرية بساقية سيدي يوسف، وامتزجت فيها دماء الشعبين هناك، وهي حادثة لا تزال حاضرة في العلاقات بين البلدين، يحيونها معا كل سنة، وقد احتضنت تونس إخوتها الجزائريين، في سنوات كفاحهم ضد المستعمر الفرنسي، وفتحت أبواب جامع الزيتونة للطلبة الجزائريين لتلقي علومهم اللغوية والدينية هناك وتخرجهم منهم عدد من الشيوخ والكتاب والمثقفين، شخصيات بصَمَتِ الثقافة الجزائرية بروح الأصالة، نذكر منهم:
الشيخ عبد الحميد بن باديس، مفدي زكرياء، محمد السعيد الزاهري، محمد العابد الجلالي، الطاهر وطّار، عبد الحميد بن هدوقة، عبد المجيد الشافعي…(3) دون ان ننسى التلاحم العرقي بين الشعبين، وهو الذي شكّل رابطة متينة بقيت ضمانة للعيش الأخوي المشترك بين البلدين.
وقعت تونس والجزائر معاهدة الأخوّة والوفاق سنة 1983، روعِيَتْ شعبيا أكثر مما روعِيَتْ حكوميا، نظرا لتبيان السياسات الخارجية بين البلدين، وللجزائر سبق في مجال النزاهة والإستقلال من تبعية الغرب، أما اقتصاديا فللبلدين شراكة في بعض المجالات الإقتصادية، كان من الممكن أن ترتقي إلى مستوى أعلى بكثير عما بقيت عليه، من بينها تنفيذ خط أنابيب الغاز الجزائري، الذي يمرّ من الأراضي التونسية إلى إيطاليا تحت البحر على مرحلتين الأولى 1978/1983 والثانية 1991/1994(4).
تخللت علاقات تونس بشقيقتها الجزائر فترات خلاف لم تؤثر كثيرا على حسن الجوار بينهما، سببها نزعة التبعية بورقيبة لفرنسا والغرب، وهو العميل الذي لقّب نفسه بالمجاهد الأكبر، وحريّ به أن يكون العميل الأكبر- لو وجد معارضة حقيقة واعية- قبلته الجزائر على مضض احتراما لحسن الجوار، وتعاملت معه بحذر كبير، دون أن يمسّ ذلك من جوهر علاقات الحميمة بين الشعبين.
السياسة الجزائرية لم تتغير من الرئيس بن بلة إلى بومدين إلى بن جديد إلى بوتفليقة إلى تبّون، فما يجمع البلدين لا يسمح بدخول الفتنة والتفرقة مهما كان الخلاف حدوديا وقد حُلَّ أو غيره من المسائل التي قد يعرض فيها خلاف في وجهات النظر، وتبقى الجزائر دوما عصيّة على فرنسا وأمريكا والصهاينة، تلقائية في تموقعها من حيث المبدأ، مع محور مقاومة الإستكبار والصهيونية، مستشرفة الرّيادة في ذلك فخورة بكونها رأسا بين دول العالم وليست ذيلا، وحكومة الجزائر ترى في الرئيس قيس سعيد بعد تسلمه لرئاسة تونس نموذجا يشبهها، رافضا أن يبقى في محور التذيّل للغرب، ومسعاه الذي طرحه يوم 25 جويلية 2021، في أن تكون تونس رأسا متقدّما مثل شقيقتها الجزائر، في العزة والكرامة ومقاومة مخططات أعداء المسلمين والمستضعفين في العالم، محور الغرب المستكبر الذي يريد أن يستعبد العالم بنمط جديد من التبعيّة عنوانه الإستغلال الإقتصادي.
ففي تصريح للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون خلال لقائه الدوري يوم الأحد 8/8/2021 مع وسائل إعلام محلية وشدد تبون أن بلاده “لا تتدخل في الشؤون الداخلية لتونس، لكن يد المساعدة ممدودة”، لافتا إلى أن “الرئيس التونسي قيس سعيد أبلغني أمورا لا يمكنني البوح بها، لكننا لا نتدخل في شؤون تونس الداخلية.. وقال إن تونس قادرة على حل أزماتها بمفردها، مضيفا أن بلاده لن تقبل بأن تمارس جهات خارجية ضغوطا على السلطات التونسية..
يذكر أنه في 25 يوليو، أقال سعيد رئيس الحكومة هشام المشيشي، وجمد عمل البرلمان لمدة شهر قابل للتجديد، ضمن إجراءات استثنائية، قال سعيد إن مصلحة الوطن أملتها، لإنقاذ البلاد من وضع متعفن سياسيا واقتصاديا واجتماعيا (5).
مصارحة الرئيس قيس سعيد لأخيه الرئيس الجزائري هي من طبيعة العلاقات الأخوية التي جمعت حكومتي البلدين في أعسر الفترات، ولا يمكن المرور من تصريحات الرئيس تبّون دون ملاحظة ما أسرّ إليه شقيقه الرئيس سعيّد بما أحجم عن ذكره التزاما منه بأن ذلك يدخل ضمن التقاليد السياسية الحسنة التي عُرف بها رؤساء الجزائر، في حفظ معلومات شقيقتهم الصغرى تونس، وعلى ذكر الشقيقة الصغرى تُعَدّ تونس مساحة (163.000 كلم2) مقابل مساحة الجزائر (2.381.741)وعدد سكانها حوالي (12 مليون) بما يعادل ربع سكان الجزائر(45 مليون)(6).
خلاصة القول بأنه لا خوف على تونس طالما أن ظهرنا تحميه الأخوّة الجزائرية، ولا خوف على بلادنا من الإنزلاق في مطبّ التطبيع مع الكيان الصهيوني، طالما أن لنا رئيسا رافضا من حيث المبدأ مسألة التطبيع، ويعتبرها خيانة عظمى، وأن معنا أخوتنا في الجزائر يرون التطبيع خطا أحمر، لا يمكن للدبلوماسية الجزائرية اجتيازه مهما حصل، وهي اليوم بمعيّة عدد من الدول الافريقية العضوة في المنتظم الأفريقي، معترضة على منح الكيان الصهيوني صفة مراقب فيه.
إن شعبينا التونسي والجزائري يرقبان هذه العلاقات الثنائية الأخوية، ويحُثان حكومتيهما باتخاذ مبادرات أقوى وأشمل، في مجالي التعاون الإقتصادي والشراكة بينهما، لما يخدم مصالح البلدين، ويزيد من أواصر التضامن في وجه استكلاب القوى الاستكبارية ومنعها من التلاعب بمصالحنا المشتركة، فهل نرى وجها أكثر وفاء وتعاونا في هذا المجال؟ نحن نطمح لذلك ونريد أن نراه مطًبَّقا على الأرض، مما سيفسح المجال لبقية الدول في مدّ جسور حقيقية وصلبة من التعاون بينها.
المصادر
1 – سورة المائدة الآية 64
2 – الحدود التونسية الجزائرية https://ar.wikipedia.org/wiki/
3 – العلاقات التونسية الجزائرية https://ar.wikipedia.org/wiki/
4 – خط الأنابيب عبر المتوسط https://www.marefa.org/
5 – تبون: لن نقبل بممارسة ضغوط على تونس وقيس سعيد أبلغني أمورا لا يمكنني البوح بها
https://arabic.rt.com/middle_east/1260253-/
6 – العلاقات التونسية الجزائرية ://ar.wikipedia.org/wiki/