بكل جرأة يكتبها محمد عبد المؤمن :محمد عبو الذي عرفته…

كتب محمد عبد المؤمن:

في خضم الاحداث الجسام التي مرت بالبلاد في شتاء 2011 وبعد فترة وجيزة من سقوط نظام بن علي تغير العمل الصحفي 180 درجة.

الامر لا يمكن حصره في الحريات التي منحتها الثورة للجميع ليعبر ويتكلم ويعارض وحتى يصيح من غير هدف.

في احد هذه الايام البادرة في شتاء 2011 كان موعد اللقاء في شارع باب بنات قرب المحكمة .

كان الشارع يعج بل كان كما يقال ” ترمي الغربال اجي راكح” وهي استعارة يستعملها كبارنا للتعبير عن الحشود الغفيرة.

التقينا قرب باب المحكمة وتوجنا الى مقهى قبالة قصر العدالة وجلسنا لنجري حوارا صحفيا في جو كله ضوضاء وهتافات وشعارات ترفع وشباب وغير شباب يعبر ويهتف بأي شيء المهم ان ينفس عن نفسه فلم يعد هناك بوليس سياسي يخيف ولا أمن دولة يسجلون ولا قوادة شعبة.

حينها لم تكن الاحزاب قد تكونت بعد باستثناء التي كانت معروفة بنضالها وحتى هذه كانت تفتقد للتنظيم والهيكلة بل الكل في ضوضاء وتخبط .

كنا نجري حوارنا في هذا المقهى الاشبه بنادي سياسي فالكل يتكلم في السياسة ولا شيء غير السياسة وتحليل السياسة ولا احد تكلم او كان يتكلم عن الاقتصاد او تحسين الظروف الاجتماعية او البطالة فكلها مواضيع لم تطرح بعد.

مر بنا يومها خالد الكريشي يوزع  اوراقا  لاجتماع حزبي او هو بيان فالذاكرة خوانة فقد كان حينها كريشي آخر غير الذي نعرفه اليوم.

يومها كل الوجوه تراها من التي صارت اليوم نجوم اذاعات وتلفزات واحزاب لكن هناك وجوه اخرى من التي صارت نجوما لم يكن لها أي وجود ولا حضور لكنها نجحت في ان تستثمر الوضع الجديد وتظهر .

من بين الاحداث التي رسخت في الذاكرة ونحن وقوف قريبا من القصبة حيث كان تجمع القصبة 2 ان شبابا ثوريا جاءوا اليه طالبين دعمه لانهم جاءوا من مناطق بعيدة ونفذ مالهم .

فتح الرجل بتلقائية محفظته واعطاهم ما قدر عليه.

لنتجاوز هذا بفترة ونأتي الى مقر الحزب في شارع قرطاج واقصد المؤتمر من اجل الجمهورية .

فيه اجريت مرتين حوارا معه  وفيه التقيت لأول مرة بالدكتور المنصف المرزوقي الذي كنت كتونسيين كثر يرونه في الجزيرة وفي الحوار التونسي في نسختها القدمية لا الحالية قبل ان تتحول الى ملهى ومسرح الشعب .

في هذا المقر ايضا التقيت بسمير بن عمر وعبد الرؤوف العيادي ذلك الثوري الذي وصفه اصحاب انصاف العقول بكونه مريض نفسي.

هنا اتحدث عن محمد عبو الذي صار بعد ذلك وزيرا في حكومة الجبالي لكن المنصب لم يغيره وبقي محمد عبو هو محمد عبو بابتسامته وطيبته واخلاقه العالية وحيائه .

اليوم وبعد عقد من أول حوار وأول نقاش في احتشاد القصبة 2 صار البعض يرى ان محمد عبو صار خطرا على تونس وعلى ديمقراطيتها وان حديثه عن الفساد صار هذرا وجنونا .

اليوم صار عبو هو المتهم بالفساد اما الفاسدون الحقيقيون فهم اليوم الوطنيون ونجوم الشاشة .

ليس المجال للدفاع عن شخصية فهي قادرة على الدفاع عن نفسها بل تاريخها هو من يدافع عنها لكن هذا وجه من وجوه الظلم في هذا الوطن الذي صار لصوصه وطنيون  يحكمون بأحكامهم وصار المناضلون الحقيقيون مجال السخرية والتهكم.

اين نجيب الشابي

اين حمة الهمامي

اين زياد الهاني.

اين سهام بن سدرين

اين ام زياد وراضية النصرواي ومصطفى بن جعفر.

أين وأين …

تونس اليوم بعد عقد من الثورة اكلت ابناءها البررة ولفظتهم واحتضنت الكسيحة والنطيحة والعرجاء وما اكل السبع.

 

نشر هذا المقال في الجرأة الأسبوعية

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى