بكل جرأة يكتبها محمد عبد المؤمن : كورونا السياسة أخطر من “كورونا الوباء والفيروس”

كتب محمد عبد المؤمن:

هجمت كورونا بشكل شرس جدا على بلادنا وما تحقق من نجاحات في مواجهة الموجة الأولى صار وكأنه لم يحصل.

ما وصلنا اليه من وضع وبائي خطير هو نتيجة لعوامل عدة يمكن ان نختصرها في جملة واحدة وهي : فساد الرأي وتحويل الازمة من صحية الى سياسية.

ففي خضم النجاح الكبير والباهر الذي تحقق لبلادنا وبينما كان القادم الانقال الى تنشيط الاقتصاد وتدارك الوضع وتعويض الخسائر يخرج كورونات السياسية ليخلقوا ازمة في البلاد عنوانها توسيع حزام سياسي ومشاركة اطراف سياسية في الحكم والسلطة والغنيمة.

في البلدان التي يحترم السياسيون فيها انفسهم ويحترمون شعوبهم تؤجل المعارك الصغرى مهما كانت اسبابها الى ما بعد الانتهاء من المعركة الكبرى .

المعركة الكبرى كانت مواجهة الوباء وانقاذ الاقتصاد وكان بالإمكان الامهال لأشهر قليلة قبل المحاسبة على تضارب مصالح والكل يعلم ويدرك ومقتنع ان ما حرك وفجر من ازمة ليس سببه الحقيقي تضارب المصالح بل تضارب العقول المريضة .

قد يكون رئيس الحكومة السابق اخطأ بمعنى ما وهذا سيقرره القضاء ويفصل فيه في حينها لكنه لم يرتكب جرما مشهودا وكان بالإمكان ان يترك ليواصل عمله حتى الاطمئنان كون خطر الوباء انتهى لكن جماعة التكتكة والتخطيط لم يسمحوا بذلك واجتمعوا وبرمجوا ووسعوا الحزام.

الفخفاخ ايضا انقاد للخطأ القاتل كردة فعل ليدخل خانة تصفية الحسابات فعزل وزير صحة شهدت له منظمة الصحة العالمية كونه نجح في التخطيط لمقاومة ومكافحة الوباء والتصدي له كان غلطة فادحة والمشكل ليس في الاشخاص بل في العقليات أي لماذا يغير ويبدل من نجح وما الهدف من ذلك.

ما يحصل في بلادنا اليوم مع تفجر الموجة الثانية من الوباء سببه وباء اخر نعاني منه منذ 2011 وهو الانانية السياسية والتقاتل من اجل الكراسي والسلطة.

وايضا الغرور فكل شخص او حزب يرى انه هو الافضل وان البلاد من دونه ستضيع وان الحقيقة معه ولا يملكها الا هو تحت شعار ” لا اريكم الا ما ارى “.

هذا هو شعار فرعون قبل قرون وهو نفسه الآن لأنه مرض بشري اعراضه تظهر مع الوقت وهي  الصمم اولا فكل مسؤول يجمع حوله بطانة سوء ويعزل نفسه عن الواقع ولا يستمع لغيرهم فهم عيناه واذناه وهم ايضا لسانه وبهم يتحرك ويقرر.

من الاعراض الاخرى النظر للجميع كونهم خصوم واعداء .

وايضا رفض ان يدخل احد او أي طرف دائرة السيطرة والنفوذ.

وسط كل هذا تختلط السياسة بالمال وتصنع المصالح وتعطى الجوائز وتوزع الغنيمة على الاحباب والاصحاب والمقربين والمؤلفة قلوبهم ومن مدحوا حتى ان كانوا قد ذموا.

معضلة تونس اليوم ليست كورونا فهي ازمة ستنتهي يوما ما وتعود الحياة والبسمة و الامل لكن المعضلة الاخطر والأفدح والتي تحولت الى مرض مزمن هي كورونا السياسة هذا الوباء المزمن الذي يصعب علاجه.

قد تطلق عليه تسميات كثيرة مثل الزعيم وحكمة القائد والشيخ وتكتيك الاب الروحي والتاريخ النضالي لكن كل هذا لا يبرر الخطأ وهو ان النفوس مريضة بالسلطة وان لم تعترف بذلك.

هذا المرض تعاني منه تونس منذ استقلالها فقد اصاب بورقيبة ودفع نحو اعلانه رئيسا مدى  الحياة واصاب بن علي فعدل الدستور ليبقى حتى يأخذ الله امانته لكن قدر الله كان اسرع ووجد نفسه هاربا منفيا كما نفى هو خصومه.

الثورة غيرت اشياء كثيرة لكن الروح والعمق لم يتغير وهو ان السياسة مازالت فن الغنيمة والسيطرة والانانية وتغيير هذا بات صعب المنال فاغلبهم يرفضون ترك قيادة احزاب فما بالك بترك السلطة.

نشر هذا المقال في الجرأة الأسبوعية

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى