بكل جرأة يكتبها محمد عبد المؤمن / حكاية حصلت لي في كنشاسا

كتب محمد عبد المؤمن:

ما سأرويه حصل في سنة 2008 حيث كنت ضمن بعثة صحفية لزيارة مقر بعثة الامم المتحدة الى الكونغو الديمقراطية ضمن عمل صحفي .

في هذه الزيارة تابعت بتفاصيل التفاصيل عمل البعثة التونسية العسكرية لحفظ السلام وللحقيقة فقد فوجئت بأمرين  على الأقل.

الاول كان السمعة الجيدة لتونس هناك من خلال ما كان يقدمه الجيش التونسي من خدمات لحماية المدنيين ومنع المواجهات بين الفصائل المتنازعة خاصة وان هذا البلد كان محكوما بصراعات عرقية واي شرارة بسيطة كان من الممكن ان تشعل حربا اهلية .

الامر الثاني الدور الكبير الذي تقدمه المنظمة الاممية في منطقة شرق ووسط افريقيا حيث الفوضى والتسيب وانعدام وجود الدولة.

ما يعنيني فيما اريد ان اصل اليه ليس الحديث عما عشته فهو مجال آخر له وقته لكن المهم والاهم  أيضا هو ما معنى ان يكون هناك بلد بلا دولة.

احد الفلاسفة قال ان وجود دولة ظالمة خير من عدم وجود الدولة وهذه القولة التي مرت علي سابقا لم اعرف قيمتها الا في الكونغو وفي خضم ما رأيته وما شاهدته .

الكونغو التي تسمى ديمقراطية ونقصد الزائير سابقا وليس لها من الديمقراطية شيء كانت بلدا بلا دولة فاعلة او مسيطرة بل فوضى وسيطرة للميليشيات والعصابات ومن ورائها الشركات الاجنبية التي تستخرج الماس والثروات الطبيعية الاخرى .

هذه الشركات التي تقف خلفها دول كبرى منها فرنسا وبريطانيا وامريكا وايضا بلجيكا كونها مستعمر سابق لم يكن يعنيها لا انسانية ولا حفظ سلام في حد ذاته بل هي تبحث عن التوازنات التي تبقي الوضع هادئا متى كان ذلك لصالحها وتشعل الاوضاع متى كان ذلك لصالحها ايضا.

في هذه الدولة لم يكن هناك امن ولا جيش بل الجيش اشبه بمرتزقة يخدمون اشخاصا والطاغي في كل هذا العرق والقبيلة.

في هذا بالبلد رأيت الاطفال كيف يستعبدون والفتيات كيف يتحولن الى بائعات هوى او بائعات لاجسادهن من اجل لقمة العيش قد تأتي مخضبة بالدماء .

في هذا البلد رأيت عشيرة كاملة محجوزة في مكان لا تخر ج منه خوفا على حياة افرادها وتقوم القوات الاممية بحراستها أي انه سجن لكنه ليس للعقاب بل لحفظ حياتهم وحمياتهم من القتل والاغتصاب والانتقام.

في هذا البلد ايضا رأيت ما تقوم به الامم المتحدة من اعمال اغاثة وتعليم وصحة لتكون دائرة الامل والضوء الوحيد لهذا الشعب.

في هذا البلد رأيت ايضا كيف ان الموت اشبه بالروتين وان وجود جثة انسان في الشارع اشبه بوجود جثة قط ملقاة وهذا للأسف اقوله.

كل هذا هو نتيجة لغياب الدولة ولان قلة صغيرة تستحوذ على الثروات وتبيع وطنها للأجنبي لتكدس الاموال وتهرب ثرواها للبنوك الاجنبية.

اخطر شيء يمكن ان يحصل في أي بلد هو غياب الدولة وانعدام الدولة .

الدولة هي الحصن وهي الامان ودولة قد تكون بها علات وتجاوزات خير من انعدام وجود الدولة.

في تونس لنا  الدولة وهي من ضمنت الاستقرار بعد سقوط النظام السابق فالأشخاص والنظام رحلوا لكن الدولة بقيت لكن وجود الدولة قد يكون مهددا بمن لا يفقهون معنى دولة ويحولونها الى غنيمة ووسيلة وورثة كأنها جاءتهم من أجدادهم .

مشكلة تونس اليوم ليست الاقتصاد المريض او البطالة او المديونية فكل هذه نتائج لوضع مختل .

مشكلة تونس الحقيقية هي سوء  الاختيار وتسليم الامور الى من لا يستحق ومن لا يراعي الله ومصلحة الوطن ويحافظ  على الدولة .

مشكلة تونس اليوم هي ان الشخص المناسب لم يعد في المكان المناسب وان غير المناسب بات  من اهل القرار وبات صانع الرأي العام.

عندما استقلت بلادنا كان للرئيس الحبيب بورقيبة مشروعا لم يقم على تكديس السلاح او الدخول في مغامرات خارجية بل المشروع كان بناء الدولة .

والدولة هي التي تلخص كل شيء.

هي التعليم والصحة والوعي والثقافة وأيضا القيم والاخلاق ففي زمن بورقيبة لا مجال للرداءة ولا مجال لتسليم الامور في أي قطاع للهواة والمتصابين والمرضى النفسيين بل الاختيار على رجال يكونون رجال دولة لكن عندما سقطت القيم والاخلاق ومفهوم الدولة وانتقلنا الى مفهوم القلة والغنيمة  والسطو تغير الحال الى حال اخرى نرى نتائجها اليوم .

نشر هذا المقال في الجرأة الأسبوعية

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى