بكل جرأة يكتبها محمد عبد المؤمن/ السلطة في تونس…متعة ومصالح وتحالفات تحت الطاولة

كتب محمد عبد المؤمن:

عرف ماكيافيلي السياسة بكونها صراع بين الأفراد والجماعات تستخدم فيه جميع الوسائل والأساليب المشروعة وغير المشروعة لتحقيق الهدف وهو السلطة واشترط في السياسي بأن تتوفر فيه خصلتان هما القوة والمكر.

هذا التعريف يمكن أن نصبغه على وضعنا السياسي اليوم لأننا فعلا نعيش صراعا محموما من أجل السلطة بين الأفراد فيما بينهم والأمثلة في هذا كثيرة وأيضا هو صراع بين الجماعات وهي الأحزاب والتيارات والأمر هنا لا يستحق عناء ضرب الأمثلة فهو واضح وضوح الشمس كما يقال .

فهي تسميات كثيرة بين أحزاب وايديولوجيات وتوجهات فكرية يسارية ويمينة .قومية ودستورية وأيضا تجمعية . حداثية ومحافظين …

فوفق تعريف ماكيافيلي فالسياسة بلا قلب ولا احساس ولا عواطف وهي أيضا بلا شفقة ولا رحمة فكل يستخدم ما يتاح له من وسائل للوصول الى الهدف وهو السلطة وان كانت تجارب أخرى لجأت الى القوة والعنف للتغلب على الخصوم وابعادهم واقصائهم فان المثال التونسي لم يتطلب هذا حيث أن الصراع بقي فوقيا ولم يستخدم من العنف الا القليل الذي يفي بالحاجة لطالبي السلطة.

هذا الفهم يمكن ان نصبغه على الواقع أي أن المشهد عبارة عن جبل الجليد ثلثه ظاهر وهو ما نراه من تنافس بالآليات الدستورية والقانونية لكن ثلثاه مخفيان وهو ما يعبر عنه في عالم السياسة بالكواليس وما يحصل تحت الطاولة وفي الغرف المغلقة.

 

الخلافات التي تدور في السلطة بأنواعها  هي في الأصل تجسيم للنظرية الماكيافيلية .

سنأخذ أمثلة هنا:

هو التحالف بين النهضة والنداء بعد انتخابات 2014 فكلا الحزبين بنى برنامجه الانتخابي على معاداة الآخر ونتيجة لذلك انقسم المجتمع ككل بينهما لكن هذا لم يمنع أن يتحولا الى شريكين في السلطة لأن المصلحة اقتضت ذلك فالسياسة توجد أينما توجد المصالح حيث يصبح الخصم شريكا وحليفا وسندا.

المثال الآخر يتمثل في تجربة “الترويكا”  فقد جمعت بين الاسلاميين واليسار حتى وان كان يسمى يسار الوسط ولأن المصلحة اقتضت تحالفا فلا معنى لا ليسار ولا ليمين بل المعنى الأساسي هو أين مصلحتي أينما أكون ومن له مصلحة معي ولي مصلحة معه فهو شريكي وحليفي وصديقي وحبيبي .

بمعنى أكثر وضوحا فالسياسة هي فن المصالح والبحث عن التحالفات وانجاحها مهما كانت الاختلافات والتناقضات .

هذا الفهم نفسه طبقه بن علي بعد انقلاب 1987 فقد كان هناك صراع خفي داخل العائلة الدستورية بين من رأى فيما حصل انقلابا وخيانة لبورقيبة ومن رآه حركة تصحيحية لذلك فرض بن علي حله وهو تجميع الفريقين في فريق واحد  لذلك كان التجمع وحزب التجمع.

 

لكن السؤال هنا: هل أن ما يحصل هو تجسيم كامل لتلك النظرية في فهم السياسة؟

 

لعل الواقع تجاوز ماكيافلي لتكون السياسة كما عرفها ميشال فوكو بكونها الأشكال التي تنتهي اليها السلطة والتي هي عبارة عن مجموعة من القوى التي تقوم بعملها في المجال الذي تمارس فيه . أي أن الصراع الحقيقي يبدأ عند ممارسة السلطة ذاتها والاستحواذ على أجهزتها وهنا علينا أن نترك المثاليات جانبا فالسلطة هي لذة ومتعة القوة والسيطرة والاستحواذ ومن يتذوق طعمها فلن يفرط فيها بسهولة وسيستخدم كل الوسائل للمحافظة عليها لكن هنا الوسائل تختلف بين بلدان فرضت فيها الديمقراطية وأخرى متاح فيها استخدام القوة والعنف ولو بدرجات مختلفة فديكتاتوريات الخمسينات والستينات وصولا الى القرن الواحد والعشرين ليست نفسها الديكتاتوريات التي مازالت قائمة في عصر الفيسبوك وتويتر والفضائيات .

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!