بعد غلق بيوت الدعارة: تجارة الجنس صارت في الطرقات والشقق في «الأحياء الراقية»
تونس – الجرأة الأسبوعية : محمد عبد المؤمن
بعد الثورة اطلقت حملة لإغلاق بيوت الدعارة الرسمية وعندما نقول رسمية فنحن نقصد انها تحت اشراف الدولة ووزارة الداخلية تحديدا.
الاغلاق حينها تم جزء منه بضغوط من السلفيين الذين اطلق لهم العنان خاصة في 2012 .
لكن الضغط لا يمكن حصره في هذه الشريحة فقط بل ان هناك رغبة مجتمعية في التصدي لهذا النشاط من منطلق ديني ومن منطلق التقاليد والاخلاق ايضا.
بالتالي فقد اغلقت اغلب بيوت الدعارة او تجارة الجنس لكن هذا الاغلاق ادى لتبعات منها ان الكثير من الفتيات والنساء اللاتي ينشطن في هذا المجال انتقلن الى اسلوب آخر للعمل وهو العمل للحساب الخاص ان صحت العبارة .
لكن مسألة العمل للحساب الخاص ليست دقيقة دائما لان هناك من يستغلون كل الوضعيات للربح ونقصد من كونوا ما يشبه العصابات للنشاط في الجنس والمخدرات وترويج كل هذا في ما يطلق عليه الاحياء الراقية منطلقين من مقاهي او صالونات الشاي أي المقاهي ” المضخمة” وايضا هناك ترويج للخدمة المحرمة في الطرقات وفي شقق خاصة للذين يدفعون اكثر.
المحرمات والممنوعات
هل يمكن ان نقول ان ملف الجنس وتجارة الجنس من المواضيع المسكوت عنها في بلادنا؟
هذا الامر لم يعد دقيقا ففي تونس حصلت متغيرات كثيرة فإلى جانب سقوط هالة السياسة والسلطة كمواضيع يحضر الخوض فيها فان المحرمات الاخرى هي ايضا سقطت عنها الأقنعة وبات من الممكن الحديث عنها ونقصد هنا ان المجتمع لم يعد يرفض الحديث حولها وتحليلها كظواهر .
ففي بلادنا نجد اصواتا تتحدث عن الدين بجرأة كبيرة مثلما فعل الراحل محمد الطالبي او المفكر يوسف الصديق.
في السياسية فان المحرمات والممنوعات سقطت جميعا ولم يعد هناك أي منصب فوق النقد وحتى التجريح بما في ذلك رئيس الجمهورية.
بالنسبة للجنس هو الاخر فقد بدأ يأخذ حيزا مهما كموضوع لا بد من الحديث حوله بل وصل الامر الى تجاوز ذلك بان صارت جمعية للمثليين تعلن عن نفسها وتتحدث ونقصد جمعية شمس.
هنا سنتحدث عن تجارة الجنس في بلادنا .
لكن باي معنى يكون هذا؟
تجارة الجنس هي المرتبطة بما يسمى بائعات الهوى أي تقديم المتعة بمقابل وهذا يحصل في كل المجتمعات منذ القدم.
في بلادنا كان هذا الامر منظم بشكل كبير ونقصد بمنظم كونه كان تحت مراقبة الدولة التي لا تسمح بان يتجاوزها بأي شكل من الاشكال.
في بلادنا قبل 2011 كانت هناك عديد الاحياء ان صحت العبارة لبيع الجنس اشهرها في وسط تونس العاصمة الذي يعرف بنهج عبد الله قش .
كذلك هناك مكان مماثل في سوسة والقيروان وصفاقس.
بعد 2011 اغلقت العديد منها .جزء نتيجة تحرك الجماعات المتشددة التي فرضت ذلك بالقوة دون ان تتدخل الدولة وجزء آخر رفضه المجتمع ذاته ورفض وجودها قربه.
اليوم انحسرت كثيرا امكنة بيع الجنس لكنها بقيت ولم تندثر .
عالم مغلق
في هذا العالم المغلق هناك اطراف رئيسية وهي بائعات الهوى انفسهن هؤلاء يشتغلن بتصريح من الدولة وتفرض عليهن اجراءات صارمة جدا منها الكشف الطبي المستمر ان كان عاما او للمراقبة خشية الاصابة بالايدز او احدى الامراض الجنسية الخطيرة.
الدولة ايضا تعتبر هؤلاء النسوة موظفات وتسلمهن بطاقات خاصة ويدفعن ضرائبهن كل هذا لمحاولة حصر القطاع وضمان مراقبته والسبب سوسيولوجي أي لا بد نت تنفيس في المجتمع للحد من حالات الاغتصاب والجرائم الجنسية.
الوضع اليوم تغير عما كان عليه قبل 2011 حيث تقلصت امكنة بيع الجنس «الرسمية» لكن في مقابل ذلك فان تجارة الجنس ازدهرت بشكل كبير خارج نطاق المراقبة ونقصد هنا بائعات الهوى في الاحياء التي تسمى راقية وعرض اجسادهن لمن يدفع اما في الطرقات او في الملاهي الليلية او في المطاعم والمقاهي والنزل الفاخرة.
لكن السؤال هنا: رغم ان تجارة الجنس موجودة ان لم نقل منتشرة فلماذا تضاعفت حالات الاغتصاب والتحرش التي صارت تحصل حتى ضد القصر والاطفال؟
هذا الامر لا بد له من مختصين في علم الاجتماع خاصة للبحث فيه لان معدل الجريمة في هذا الخصوص تزايدت بشكل كبير في بلادنا.
أجساد على قارعة الطريق
يمكن ان نحكم على الموضوع من ناحية اخلاقية دينية وهذا مشروع ولا خلاف فيه وايضا عناك جانب آخر اجتماعي لا بد من التطرق اليه.
ما نعنيه هنا هو الجانب الاجتماعي فانتشار ظاهرة بيع الاجساد في الطرقات وعرضها كسلعة وتوسع النشاط ان صحت العيارة يحيل كون هناك فئة مهمة ليس لها مجال آخر لتنشط فيه بالتالي اختارت ما تملك لبيعه بمقابل .
والامر لا يقتصر عن الفئة التي تعرضنا لها أي من كن ينشطن في بيوت الدعارة القانونية المراقبة بل امتد الى فتيات تحولن الى هذا النشاط فكل ازمة اقتصادية واجتماعية في أي مجتمع تكون لها تبعات اهمها تزايد الفقر ومع الفقر تجد من تبحثن او يبحثن عن حلول ولو كانت غير اخلاقية فالفقر كافر .