المشيشي محاصر بين مونبليزير وقرطاج
تونس – الجرأة الأسبوعية:
ونحن نشاهد ونتابع جلسة التصويت على حكومة المشيشي أمس فإننا نستحضر تلك القولة ” ما أشبه اليوم بالأمس”.
ولعله ما أشبه اليوم وأمس بالغد.
فالوضع لم يتغير والمشهد ذاته فالفارق الوحيد هو في الاشخاص أي في التشكيلة .
يرحل لاعبون ليأتي آخرون .
يرحل رئيس حكومة ليحل مكانه رئيس حكومة جديد .
فكل من يدخل القصبة ينطلق في رمي الوعود والشعارات وعرض برنامجه لإنقاذ البلاد وطبعا الديباجة هي محاربة الفساد فالكل جاء ليحارب الفساد لكنه يكتشف فيما بعد ان الفساد هو من يحاربه وانه سيسقطه بالضربة القاضية.
وضع المشيشي كان كوضع الفخفاخ وقبله الشاهد والصيد ومهدي جمعة .
بل لا نبالغ ان قلنا ان تغيير الحكومات ليس له من هدف الا مزيد تمطيط الوقت ومنح فرصة اخرى للسياسيين والاحزاب من غضب الشعب .
الصورة الاخرى التي تتكرر هي تلك المعركة التي تسبق تكوين الحكومة ثم الإعلان عنها فالغنوشي ينطلق في القاء قصيدة الحزام ونقصد هنا الحزام السياسي في حين انه حزام تقاسم السلطة والكعكة.
ونجد ايضا عبير موسي تترك كل شيء وتبدأ في اغنية الاخوان والارهابيين والخوانجية .
بالنسبة لليسار فهو حاليا متفرج لا حول له ولا قوة بل جالس على الربوة يندب حظه ويتذكر ايام العز التي رحلت بسبب عبقرية قادته وعلى راسهم حمة الهمامي .
العنوان الذي وضع لحكومة المشيشي كان كونها حكومة الضرورة والامر الواقع فالكل متخوف من انتخابات جديدة قد تفقده السلطة والمصالح وايضا الشهريات والامتيازات .
أي ان كل حزب وكل سياسي يغني على ليلاه و”يضرب على درابوه”.
وسط كل هذا يتقدم المشيشي ليعلن كونه رئيس الحكومة وانه من رشح الاسماء لعضويتها لكن هل هذا صحيح؟
قد يكون اختار اسماء لكن الكل يعلم ان السيد المشيشي تلقى قائمات من قرطاج ومن مونبليزير ومن امكنة اخرى .
قد تكون السياسة فن الممكن والاختلاف او ايجاد خلطة سحرية تجمع الاختلاف والمختلفين وحتى الاعداء كما حصل بين نداء تونس والنهضة سابقا وبين الغنوشي والباجي قائد السبسي بل ادارة فن الاختلاف هي من اتت بوزير فاشل مثل سمير الطيب ليكون في حكومة تحكمها النهضة والنداء وهو اليساري الاستئصالي ليتحول الى حمل وديع .
ما يحصل في تونس منذ 2011 لم يعد تدربا على الديمقراطية وممارستها بل هو وهذا ليس مبالغة وتشاؤما تدرب على كيفية الاستفادة من السلطة والنفوذ والاخذ بل “الهبر” والافتكاك فهؤلاء السياسيين الا ما رحم ربي فكاكون نهابون طماعون وحتى من اتى بقلب سليم ونية صافية غيرته السلطة والجاه والنفوذ واحس بحلاوة الكرسي واعطاء الاوامر والتعليمات واصيب بأخطر مرض عرفه التاريخ الا وهو مرض الالتصاق بالكرسي لكنه ليس كأي كرسي.
الشاهد فالفخفاخ فالمشيشي ثم ماذا ؟
اسماء تذهب واسماء تأتي اما المواطن فمكانك سر بل انه صار يمشي الى الوراء حتى وصل الى لامبادوزا هاربا من جحيم ووضع ليس هناك مؤشرات كونه سيتغير يوما لان الجماعة الذين تقدموا ليقودوا المسيرة يعانون من داء عضال هو الأنانية وحب الذات وهم ايضا يفتقدون اهم صفة وهي الوطنية وحب البلاد وعقلية خدمة الشعب لا خدمة المصالح .
المعضلة التي تعاني منها تونس ليست نقص الامكانيات ولا كونها بلدا فقيرا بل معضلتها في ابنائها وفي عقلية الانانية وحب الذات الذي استفحل منذ فترة بن علي وتربت عليه اجيال صارت اليوم في المسؤوليات وما نراه ونشاهده ونسمعه هو نتيجة لعقدين من زمن بن علي وعقد من اواخر عهد بورقيبة .
نشر هذا المقال في الجرأة الأسبوعية