الرّئيس يواصل الارّتباك.. الغياب عن قمّة تاريخيّة لصالح حملة إيمانويل ماكرون!
كتب نصر الدين السويلمي تدوينة مطولة تحدث فيها عما اعتبره مواصلة رئيس الجمهورية قيس سعيد الارتباك الديبلوماسي وذلك من خلال تغيبه عن قمة افريقية مهمة جمعت اهم الرؤساء الأفارقة .
هذه القمة عقدت للتباحث حول الوضع الصحي بإفريقيا في ظل انتشار وباء كورونا حيث ربط الكاتب بين قرار التغيب وحملة الرئيس الفرنسي ماكرون.
وكتب السويليمي:
عقدت الأربعاء 17 جوان القمّة الصينيّة الأفريقيّة في بكين بحضور العديد من الرّؤساء والشخصيّات كان من ضمنهم رئيس جمهوريّة الكونغو الديمقراطيّة فيلكس تشيسيكيدى، والرّئيس الجزائري عبد المجيد تبون، والرّئيس الجابوني علي بونغو أونديمبا، والرّئيس الكيني أوهورو كينياتا، والرّئيس المالي إبراهيم أبو بكر كيتا، ورئيس النيجر محمّدو يوسفو، ورئيس نيجيريا محمّد بخاري، ورئيس رواندا بول كاغامي، ورئيس زيمبابوي إمرسون منانغاغوا، ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، ورئيس مفوضيّة الاتحاد الإفريقي موسى فقي محمّد.. كما شهدت القمّة حضور زعيم الانقلاب العسكري في مصر المشير عبد الفتّاح السيسي.
غابت تونس عن قمّة تمحّورت حول الوضع الصحّي في إفريقيا وضرورة الارتقاء به ونوعيّة المساعدات التي ستقدّمها الصين وتطرقت إلى الإعفاء من الديون ووعدت فيها الصين بالتدخّل لدى الدول أعضاء مجموعة العشرين لتعليق خدمة الدّين، بل وتمديد تعليق خدمة الدّين لمدّة أطول للكثير من الدّول الأفريقيّة. في الأثناء يعكف الرّئيس التونسي على ترتيب زيارة إلى فرنسا يحتاجها السيّد ماكرون في حملته الانتخابيّة المبكّرة، سيقدَّم خلالها قيس سعيد كلافتة لتونس التي لم تصوّت على طلب الاعتذار، كما سيتحدّث الرّئيس مع الرّئيس في بعض المشاغل الأخرى وسيعبّر هذا وذاك على متانة العلاقات التاريخيّة مع الإصّرار على مواصلة التعاون لما فيه مصلحة البلدين.. وقد كان من الأجدر صرف هذا المجهود الذّهني البدني اللوجستي في قمّة صينيّة أفريقيّة لها ما بعدها.
لا نشكّ أنّ الاستثمارات الصينيّة متقشّفة لكنّها أيضا ليست نهمة ولديها نوع من الصّبر العميق ولا تعتمد اغتنام فرص التكسّب بأشكال همجيّة مهينة، وإنّما تمهّد لشراكات طويلة عبر ضخّ مجموعة من رسائل الطمأنينة، ثمّ إنّ تونس بموقعها الاستراتيجي يمكن أن تعمل على تجنّب الإغراق الصيني وتتحوّل إلى بلد وسيط أو بلد ارتكاز أو غرفة عمليّات أفروصينيّة ترسم فيها السّياسات الاقتصادية بين الصّين وأفريقيا.
وعليه لا يجب الاستهتار بالعلاقة مع هذا المارد العالمي، قبل أن يتحوّل التعامل معه إلى أمر واقع وبشروط التشابك والتداخل الذي فرضته وستفرضه العولمة، حينها يكون لا دخل للمهندس المحلّي في رسم تلك العلاقة أو توجيهها أو التحكّم فيها. ويجب الانتباه إلى أنّ الصين لا تتعامل مع أفريقيا كسوق ثانويّة أو تسعى إلى منافسة محتشمة مع المكينات العالميّة المتوحّشة، بل تتعامل معها كأولويّة وكسوق اكتساح وليس كسوق شراكة فحسب، وعندما نقف على البيان الذي أصدره الاتحاد الإفريقي ” 13 جوان” وجاء فيه إنّ الصّين تضمن توفير 30 مليون مجموعة اختبار و10 آلاف جهاز تنفّس صناعي و80 مليون قناع، كلّ شهر لأفريقيا، ولما يصف الاتحاد ذلك بــ”المساهمة العظيمة” ، هذا يعني أنّ الأمر أكثر من حالة غزل عابرة وأنّ الصّين تدكّ بالمساعادات لتمهّد بها السّاحة، ثمّ تقتحم بالاستثمارات.
دولة بهذه القوّة وهذا الطموح، من الخطر الغياب عن محطّات هامشيّة معها فما بالك إذا كانت قمّة صينيّة-أفريقيّة، وإن كان يتحتّم علينا في تونس مدّ الجسور مع الجميع والبحث عن علاقة دوليّة بصفر مشاكل، فإنّه لا يسعنا أن نرتخي تحت أقدام فرنسا لتحتكرنا، تستعملنا ولا نستعملها، ولا يمكن وصف بعض المساعدات المغلّفة المشروطة بالمصالح المتبادلة، فالمصالح المتبادلة نتحدّث عنها حين تتحرّك باريس لشطب ديوننا وتتدخّل لدى الاتحاد الأوروبي ليقدّيم مساعدات تخلخل الرّكود وتصعد بالأسهم، نتحدّث عن علاقة ندّيّة عندما تغدق فرنسا على التنمية في بلادنا بسخاء كما تغدق على بعض البؤر الثقافيّة الموجّهة والمكلّفة بمهمّة، حينها يمكن أن نرسّم العلاقة البينيّة كصداقة وليس كصدقة يتبعها أذى ومنّ وازدراء.
على الرّئيس التونسي أن يراجع الكثير الكثير من المفاهيم السّياسيّة، الدّاخليّة والخارجيّة على حدّ السّواء، عليه أن يقف عند تداعيات العمليّة الجراحيّة العشوائيّة والخطيرة التي أجراها على القصر، حين قام بتصفية الرّئاسة من الفريق الدّبلوماسي المحنّك واستبدله بفريق استئصالي محنّك، فتغيّرت وجهة الحسابات من مصلحة تونس إلى مصلحة فكرة شعبويّة أثبتت كارثيتها في ليبيا لمّا أخّرت التنمية في هذا البلد الشقيق لعقود رغم ثروته الهائلة.