الحبيب عّمار في شهادة للتاريخ في حلقات / بن علي كان انطوائيا ولم يكن يكثر من الصداقات… وفي شبابه لم يكن له أي طموح سياسي

الجرأة نيوز- تونس:  محمد عبد المؤمن

هذا الحوار أجريناه في عام 2017 وقد نشرناه في الصحافة المكتوبة وهو يتعلق بشهادة قدمها الحبيب عمار حول شخصية الرئيس الاسبق زين العابدين بن علي وحقيقة ما حصل في 7 نوفمبر 1987.

اليوم ارتأينا أن نورد بعض الاجزاء منه باعتبار ان الوضع اليوم صار محكوما بانتشار الاعلام الالكتروني وهو الأقدر على توثيق الشهادات والمعلومات .

الجزء الأول:

رغم مرور ثلاثة عقود على ليلة 7 نوفمبر 1987الا أن الكثير من تفاصيل ما حصل بقي مسكوتا عنه بالتالي بقيت هناك حلقة مفقودة هي كيف  تم الاتفاق على إزاحة الحبيب بورقيبة من الحكم وكيف أخذ بن علي مكانه ومن دفعه لهذه الخطوة غير المسبوقة في تونس ثم ما حقيقة المخطط الذي كان الإسلاميون ينوون تنفيذه يوم  8نوفمبر وفيما كان يتمثل؟

هذه المسائل تحدث عنها الكثيرون لكن الشخص الذي كان له دور مهم في كل هذا بقي صامتا رغم انه كان الرجل الثاني في هذا التحرك بعد بن علي وهو الحبيب عمّار الذي سنفتح معه هذا الملف لندخل معه في تفاصيل ما حصل بل لا نبالغ إن قلنا أننا سندقق معه في تفاصيل التفاصيل ضمن هذا الحوار الذي سننشره على أجزاء وهنا علينا أن نعترف للرجل بكونه قبل منّا كل الأسئلة بما فيها تلك التي قد تكون محرجة أو مستفزة باعتبار انه تعامل معنا كوننا نبحث معه على تقديم الحقائق للتاريخ .

في هذا الجزء الأول سننطلق من البداية لنتعرف على الحبيب عّمار عن قرب وبداية علاقته ببن علي وأيضا سنسعى لفهم طبيعة شخصية  من أزاح بورقيبة عن السلطة ليحل محله:

صورة تنشر لأول مرة تجمع الحبيب عمار ببن علي أثناء التكوين في”سنسير” بفرنسا

مسيرة طويلة مررت بما فيها  تلك التي ارتبطت بتاريخ 7نوفمبر 1987هل ترى أن هذه المرحلة هي الأهم بالنسبة لك؟

ما ذكرته حول أهمية حدث 7 نوفمبر أمر أكيد لكن لا يمكن اختزال مسيرتي في الحياة فيها فقط بل لا اخفي أنني اعتبر أن لها أي هذه الفترة وهذا الحدث- نفس الأهمية مع أحداث أخرى مرت عليّ طوال خمسين سنة.

بالتأكيد سنصل إلى هذا الحدث الهام في تاريخ تونس لكننا نريد أن نبدأ من البدايات .أولا كيف تقيم كل مسيرتك؟

مسيرتي يمكن أن اقسمها إلى ثلاثة مراحل هي فترة بورقيبة وفترة بن علي وفترة ما بعد الثورة .

في فترة الاستعمار كنت تلميذا لكن رغم صغري سني فأنني كنت أعايش ككل الشباب التونسي  ممارسات الاستعمار ضد التونسيين فالمستعمر كان يستحوذ على كل المناصب والوظائف من رئيس البلدية إلى مدير المدرسة إلى وزير التعليم أي أننا كشباب كنا نحس بالاستعمار وبالظلم و بالاهانة لكن في نفس الوقت فان هذا الشعور كوّن لدينا روحا وطنية منذ الصغر لذلك كان هدفنا هو الحصول على الاستقلال .

هل يمكن أن نقول أن هذه الفترة هي التي ربطت جيلكم ببورقيبة كزعيم ومناضل من اجل الاستقلال؟

بالتأكيد فبورقيبة كان لنا هو الرمز فقد كنا نسمع أن بورقيبة يناضل ضد الاستعمار وان بورقيبة  اعتقل وسجن بل أن خطابات بورقيبة في الراديو هي أمر بالغ الأهمية فكل الشباب التونسي كان يجلس للاستماع للراديو والزعيم يخطب والإحساس عندنا حينها أنها توجيهات الأب لأبنائه .بعد هذا عايشت وضعية أخرى هي القمع الذي مارسه الاستعمار ضد التونسيين وحملة الاغتيالات من قبل اليد الحمراء التي قتلت فرحات حشاد والهادي شاكر وحينها دخل بورقيبة في المعمعة وطالب المناضلين بحمل السلاح ضد المستعمر ومن صعدوا للجبال أطلق عليهم الاستعمار مصطلح “فلاقة” لكنهم في الحقيقة مناضلون يطبقون تعليمات الزعيم بورقيبة .

في هذا “الجوّ”تكونت روح وطنية وتكون حب كبير لبورقيبة .

لو ننتقل لمرحلة الاستقلال هل بقيت صورة بورقيبة نفسها؟

في هذه الفترة تحول الهدف من نيل الاستقلال إلى بناء الدولة في هذا العام أي 1956اراد بورقيبة تكوين الجيش الوطني والأمن وقرر إرسال ضباط للتكون في الخارج وهنا أشير إلى انه خلال هذه الفترة كانت كل الوزارات تطلب موظفين وكان لنا خيار التوجه إلى أي منها فالجرائد كانت تزخر بالإعلانات للوظائف في الدولة. بالنسبة لي فقد قررت التوجه إلى الجيش لكن هذا الاختيار كان صعبا باعتبار أنهم طلبوا مائة شخص لتوجيههم إلى كلية “سنسير” بفرنسا فتقدم 3آلاف شخص فكان الخيار إجراء امتحان وخياري لم تكن له علاقة بالمسألة المادية وإلا لاخترت وزارة أخرى أو وظيفة أخرى فقد كان هدفي كسب التكوين العسكري للرجوع والدفاع عن البلاد .

تم اختيار مائة شخص ما هي أهم الأسماء التي عرفت فيما بعد ؟

منهم عبد الحميد الشيخ والجنرال الكافي وبوبكر بن كريّم ومنهم أيضا بن علي .

هل كانت لك علاقة به قبل ذلك؟

مع بن علي في ثكنة باب سعدون والصورة تعود لعام 1958

لم تكن لي به معرفة شخصية حينها بل كنا ندرس في نفس المعهد ومعرفتنا سطحية لكن عندما ذهبنا إلى “سنسير” بفرنسا وجدت نفسي مع بن علي فهو من حمام سوسة وأنا من سوسة حيث التقينا وأصبحنا أصدقاء خاصة وأننا كنا نسكن في نفس الغرفة .

هل كانت صداقة ثنائية أم توسعت إلى أشخاص آخرين؟

كانت صحبة ثنائية فبن علي لم يكن يصادق أشخاصا كثيرين .

ولماذا ربط صداقة بك أنت بالذات؟

لأنه يعرفني منذ فترة المعهد وهنا أريد أن أوضح شيئا وهو أن بن علي كان “خدّام” بمعنى انه لم يكن مغرما بالسهريات و”القعدات” ففي عطلة نهاية الأسبوع كان الجميع “يتهندم” ويقصد باريس للفسحة إلا هو تقريبا فقد كان منضبطا وجديا .

هل مرت هذه الدورة بنجاح لكليكما؟

بالنسبة لي تحصلت على المرتبة الثانية في هذه الدورة أما بن علي فقد نجح ولكنه لم يكن من المتميزين .

هل تواصلت علاقة الصداقة بينكما بعد ذلك؟

نعم بقيت العلاقة بيننا متميزة وقد كان العمل في نفس المؤسسة أي الجيش يربط بيننا .

في تلك الفترة كنتم شباب ومقربين من بعضكما ومن المؤكد أنكم كنتما تتحدثان عن أشياء كثيرة هل شعرت حينها أن له طموحا معينا؟

لا لم يكن له أي طموح لا هو ولا أنا بل أؤكد لك أنني حينها والى الآن لم يكن لي أي طموح سياسي .

ألم تؤثر فيكم الثقافة الفرنسية المبنية على الحريات والديمقراطية؟

ما اثر فينا كلينا هو التعليم العسكري  الذي كنا نتلقاه حيث أننا تربينا على الانضباط وحب الوطن والشجاعة والإخلاص.

بعد الرجوع إلى تونس في أي خطة وضع كليكما؟

بالنسبة لي فإنني أخذت مهاما ميدانية وتحديدا آمر فيلق الدبابات وهذا عام 1958.

هل وضعوك على رأس فيلق دبابات والدبابات لم تأتي بعد؟

بالفعل لكن الاستراتيجية كانت المساهمة في بناء الجيش ومواصلة مهام الضباط التونسيين الذين كانوا في الجيش الفرنسي حيث طلب بورقيبة إلحاق من يرغب منهم بالجيش التونسي وممن قبلوا بذلك الجنرال الكافي والجنرال طبيب والجنرال السوسي والعقيد البجاوي الذي استشهد في معركة بنزرت والجنرال بن يوسف والكلونال الصيد وغيرهم بالتالي عندما رجعنا وجدنا الجيش قد تكون لكن ما ينقصه هو الضباط المتكونين والميدانيين .

لو نعود لبن علي أين عيّن؟

تم تعيينه في قسم الاستعلامات رغم أن تكوينه كان في المدفعية وقد عمل على تكوين نفسه حتى صار خبيرا في الاستعلامات لكن بالنسبة لي فمهامي كلها كانت ميدانية بين بنزرت وسوسة ومراكز التكوين وفوج الدبابات ولواء الصحراء لكن في نفس الوقت فان الضابط العسكري لا يمر من رتبة إلى رتبة أعلى إلا بعد إجراء امتحان إما في تونس أو خارجها فالانتقال إلى رتبة أعلى من نقيب تتطلب التكوين في التخصص بالخارج وأنا وجهت إلى أمريكا رغم أن هناك إمكانية لتوجيهنا إلى المشرق العربي لكن بورقيبة رحمه الله كان يرفض لأنه يرى أن المدارس العسكرية المشرقية مثل مصر أو العراق أو سوريا لا تكوّن الضباط العسكريين بقدر ما تقوم “بدمغجتهم ” سياسيا وبورقيبة كان يؤمن أن التكوين الأساسي في المؤسسة العسكرية هو تكريس جيش جمهوري لاعلاقة له بالسياسة.

أنت وبن علي لم تشتركا في نفس الدورات التكوينية.

لا مطلقا لم نلتق في أي دورة تكوينية بالخارج.باستثناء التكوين الأساسي في “سنسير” بفرنسا .

لكن في الحياة والعمل كنتما تتقابلان؟

بالتأكيد كنا نلتقي في الاجتماعات وفي الأركان.

وهل بقيتما أصدقاء حتى في هذه الفترة؟

نعم بقينا أصدقاء ولم يحصل بيننا أي خلاف .أيضا في هذه المرحلة كان مفروضا لكل من سيرتقي برتبة عقيد أن يجري امتحانا ويوجه لمدرسة حربية غربية وقد تم توجيهي حينها إلى مدرسة بايطاليا تتبع الحلف الأطلسي وبقيت فيها ثلاث سنوات وقبلها أرسلت إلى الكونغو ضمن القوات الأممية ضمن وفد تونسي كما وجهت إلى الأردن بعد أحداث أيلول-سبتمبر- الأسود في مهمة حل الخلافات والإشراف على التهدئة بين الأردنيين والفلسطينيين وهي مهام تتبع الجامعة العربية وفي هذه المهمة كدت اقتل أنا وعبد الرحمان البجاوي بل وأجبرت وهوأيضا على حفر قبري بيدي لكنني نفذت من الموت بأعجوبة بعدها رجعت إلى تونس و عينت مشرفا على فوج الدبابات ثم في عام 1980 عينت آمر لواء الصحراوي وأنت تلاحظ ان كل مهامي كانت عسكرية ولم يكن لي أي اهتمام بالسياسة بل حتى الوظائف الأمنية لم أتقلدها إلى هذا الحين بل لم انخرط في أي حزب بما في ذلك الحزب الدستوري بعدها تم تعييني باقتراح من صلاح الدين بالي ملحقا عسكريا في المغرب وبعد ثلاثة أشهر وبالتحديد في 10جانفي 1984 هاتفني صلاح الدين بالي وطلب مني الرجوع لتولي مهمة آمر الحرس الوطني .

هل تفاجأت بهذا أم كنت تتوقع ذلك؟

-حقيقة تفاجأت .

لكن هنا أنت انتقلت من المؤسسة العسكرية إلى المؤسسة الأمنية ؟

أنا لم اطلب ذلك بل لم أكن أتوقع هذه النقلة وهذه المسؤولية لكن ما جعلهم يختاروني أنا هو حاجتهم إلى ضابط منضبط وبعيد عن السياسة .

هل يعني انه في هذه الفترة كان هناك مفهوم الدولة واختيار الكفاءات؟

نعم هذا صحيح ومن اختاروني لهذا المنصب هم المرحوم محمد مزالي باقتراح من عامر غديرة الذي كان آمر الحرس قبلي .

وصديقك بن علي أين هو في هذه الفترة؟

-صديقي مازال حينها في الأمن العسكري قبل أن يعين سفيرا في بولونيا ثم بعد تعييني أمرا للحرس الوطني بأيام تم تعيينه مديرا للأمن الوطني وذلك في عام 1984.وهنا حصل بيننا تعاون من اجل إنهاء الخلافات والحساسيات التي كانت كثيرا ما تحصل بين الأمن والحرس الوطني .

مع بورقيبة والصورة تعود لعام 1974

في الجزء الثاني:

  • معلومات لم تكشف من قبل حول:-كيف  نجا راشد الغنوشي من تنفيذ حكم الإعدام.

-كيف تم التخطيط لعملية 7نوفمبر 1987.

نشر هذا الحوار في الجراة الأسبوعية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!