الحبيب عّمار يقدم شهادة في حلقات / أنا وكمال اللطيف من أقنعنا بن علي بإزاحة بورقيبة … قدمنا موعد الخطة بعد أن تأكدنا أن هناك مخططا من الاسلاميين لاغتيال بورقيبة

الجرأة نيوز- تونس: أجرى الحوار محمد عبد المؤمن

هذا الحوار أجريناه في عام 2017 وقد نشرناه في الصحافة المكتوبة وهو يتعلق بشهادة قدمها الحبيب عمار حول شخصية الرئيس الاسبق زين العابدين بن علي وحقيقة ما حصل في 7 نوفمبر 1987.

اليوم ارتأينا أن نورد بعض الاجزاء منه باعتبار ان الوضع اليوم صار محكوما بانتشار الاعلام الالكتروني وهو الأقدر على توثيق الشهادات والمعلومات .الجزء الثاني:

في هذا الجزء الثاني يمكن أن نقول أننا سندخل في الجديات أكثر وما نعنيه هو تفصيل ما حدث ليلة 7 نوفمبر لكن المهم أكثر ليس فقط كيف نفذت الخطة بل كيف أعدت ومن شارك فيها .

السائد حول هذا الموضوع ان بن علي قاد هذه العملية التي سميت بالانقلاب الأبيض مع تهميش شبه كامل لأدوار لشخصيات أخرى هنا يمكن أن نتحدث عن ثلاثة شخصيات كانت فاعلة وان بمستويات مختلفة إضافة إلى بن علي وهم الحبيب عمّار والهادي البكوش وأيضا شخصية أخرى كان لها دور مهم وهي كمال اللطيف.

من هنا سندخل في الموضوع :

هل يمكن ان نقول ان الوضع حينها كان مستقرا ؟

لا بل بالعكس فالوضع في عمومه كان سائرا نحو الانهيار وعدم الاستقرار السياسي بل أن الجوّ كان يتكهرب أكثر فأكثر .

هناك أمر لا يجب ان نمر عليه وهو ما هي المقاييس التي جعلت بورقيبة يختار بن علي وزيرا للداخلية دون غيره في حين أن الكفاءات كثيرة؟

المقاييس مبنية على الأمن أساسا فقد نجح في “شدّان” الأمن والبلاد كانت “راكحة” خاصة وان البلاد كانت مهددة في ذلك الوقت من طرف الإسلاميين .

هل يمكن أن نقول أن نجاحه في التعامل الأمني مع الإضراب العام الذي نفذه اتحاد الشغل كان سببا رئيسيا لاختياره للداخلية؟

بغض النظر عما حصل في هذه الأيام فان ما اعرفه انه عندما تقلد مهمة مدير عام للأمن ثم كاتب دولة للأمن ثم بعد ذلك وزير داخلية فان الأمن كان مستتبا وكان يشتغل ليلا نهارا بما في ذلك المشاركة في دوريات ليلية واظن تعيينه وزيرا للداخلية من طرف محمد مزالي كمدير للأمن يرجع كونه اثبت كفاءته في هذا المجال .

هنا أود ان تجيبني بمنتهى الصراحة .هناك من يقول كون تعيين بن علي في المناصب الكبرى يعود لقربه من أشخاص في القصر مؤثرين على بورقيبة ونقصد هنا تحديدا سعيدة ساسي لان من يتخذ قرارات التعيينات هو بورقيبة وليس محمد مزالي؟

سأجيب بصراحة. نعم بن علي كانت علاقاته متينة مع سعيدة ساسي أما أن تقول أن بورقيبة هو الذي يقرر في ذلك الوقت فهذا غير صحيح فقد قابلته وبورقيبة كان حينها مريضا وذاكرته تحضر وتغيب.

لكن عمر الشاذلي ينكر هذا ؟

عمر الشاذلي ينفي “في كل شيء” وأنا لا أريد أن أصور نفسي وكأنني ضده وأنني في مواجهة معه وأنا هنا انقل ما عشته وما رايته وهو أن بورقيبة كان مريضا بالفعل ومتعبا ولم يعد قادرا حتى على النهوض بل أن الأمور كانت “مسيبة” وكثيرون كانوا يرتعون في القصر منهم عمر الشاذلي وسعيدة ساسي والصخيري وغيرهم أي لم تكن هناك قيادة لمصلحة البلاد في حين أن البلاد كانت تسير نحو الهاوية ورغم ذلك فبورقيبة لم يكن متفطنا لذلك .

هل من كانوا حول بورقيبة هم بطانة سوء وهو أمر مهم جدا ؟

لا استطيع تقييم الأمر من الناحية السياسية لكن ما أؤكده أن بورقيبة كان حينها مريضا وغير قادر على تسيير البلاد لا من ناحية العمر ولا من ناحة المرض وكانت هناك عدة شخصيات تفكر في المنصب .

مثل من؟

لا أريد أن ادخل في الأسماء.

الأمر معروف .

صحيح لذلك قلت لا تعنيني الأسماء لكن اذكر لك منصور الصخيري ومحمد الصياح ومحمد مزالي كانت له نفس النية وتفطنوا له واتهموه فهرب .

لماذا قلت محمد مزالي اتهموه؟

يصعب أن اجزم في هذه الأمور لأنني لم أكن رجل سياسة ولم أكن احضر في الاجتماعات السياسية مطلقا حتى بعد أن حصل التغيير لم أكن في المكتب السياسي لكن ما اعرفه أن هناك أشخاصا ينتظرون  الفرصة للقفز والاستحواذ على مكان بورقيبة .

أي أن الكثيرين يطمعون في الغنيمة؟

نعم هذا صحيح .

 ولماذا تنزهون أنفسكم انتم من هذا الم يكن لكم نفس الطموح ؟

سأتحدث عن نفسي فانا لم أكن احمل هذه الفكرة مطلقا .

&لماذا قلت من ناحيتي ولم تقل من ناحيتنا؟

لم تكن لنا مطلقا نفس الفكرة .

كيف هذا؟

لم تكن لنا فكرة الاستيلاء على الحكم بل هاجسنا كان إنقاذ البلاد.

يعني أنت كان لك هاجس كون البلاد تغرق؟

نعم هي تغرق من الناحية الاقتصادية ومن الناحية الأمنية .

هل صرحت بهذا لأطراف معينة أم هو مجرد إحساس  داخلي لم يخرج؟

كنت أحس به وقد صرحت به وبن على أيضا صرح بذلك فعندما ترى قنابل في سوسة في منطقة سياحية وترى في شارع بورقيبة ناس تتظاهر وتستخدم الحجارة وترى الاقتصاد يتهاوى مع العلم أن الوضع حينها كان أتعس من الوقت الحاضر اقتصاديا .

الم يكن بن علي يطرح فزاعة الإسلاميين لانقضاض على السلطة؟

هذا غير صحيح فقد كنا نجلس معا دائما ولم اسمعه ولو مرة يعلن كونه يريد اخذ السلطة وهنا سأروي ما حصل: في احدى المرات جاءت سعيدة ساسي بعد كل هذا الانهيار الذي تشهده البلاد وكان هذا التوقيت حوالي منتصف الليل وقالت له بورقيبة سيعزلك لأنك لم تنفذ حكم الإعدام في الغنوشي حيث أن الإسلاميين في تلك الفترة كانوا يخططون لإنقاذ راشد الغنوشي من الموت لان بورقيبة كان يريد أن يقتله لكن بن علي كان رافضا لقتل الغنوشي .

ما هو سبب هذا الرفض؟

لأنه كان يدرك انه لو قتل راشد الغنوشي فان البلاد ستحترق وفي هذا علينا أن نعطيه حقه فيوميا عندما يقابل بورقيبة يقول له هل قتلت راشد الغنوشي لكن كان يقول له بان الحكم سينفذ لكن في داخله كان عازما على عدم تنفيذه بل أكثر من هذا فعندما تكونت لجنة لاتخاذ القرار بإصدار حكم الإعدام بحق راشد الغنوشي فان بن علي دعاهم وقال لهم لا تقرروا قتل الغنوشي لان البلاد لا تتحمل لكن في مقابل هذا فان هناك جماعة أخرى تريد قتل بورقيبة .

هذه مسالة مهمة جدا هل تعني انه كان هناك مخطط لاغتيال بورقيبة؟

نعم كان هناك مخطط من الإسلاميين لاغتيال بورقيبة فنحن نفذنا العملية يوم 7نوفمبر لأنهم كانوا سينفذون عملية لاغتيال الرئيس يوم 8نوفمبر وهو يصادف يوم احد وعيد الشجرة.

من أراد تنفيذ هذه العملية هل كانوا أشخاصا من الدولة؟

لا إسلاميين؟

وكيف كانوا سيصلون إليه ليقتلوه؟

كان هناك أشخاص من الإسلاميين متغلغلين في مؤسسات  الدولة وقد قبض عليهم فيما بعد وأكثرهم جماعة من الحرس والجيش والديوانة .

هل تقصد أن الإسلاميين تغلغلوا في مؤسسات الدولة؟

نعم هذا ما كان يحصل حينها .

هل هذا بإثباتات أم هي مجرد استنتاجات ؟

هم اعترفوا بذلك ولو لم نقم نحن بالعملية يوم 7نوفمبر كانوا ينفذون مخططهم وهذا ثابت مائة بالمائة وبن علي كان يعرف بهذا من الاستعلامات التي له ففي إحدى الليالي وتحديدا يوم 25اكتوبر طلبني في الواحدة والنصف ليلا وطلب مني المجيء إلى منزله فوجدت عنده الهادي البكوش  ومحمد شكري وكمال اللطيف مع العلم أنني لم أكن اعلم بمجيئهم وقالوا لي أن سعيدة ساسي كانت هنا وقد أخبرتهم أن بورقيبة ضربها بعصا على عينها وقالت أن بورقيبة سيعزل بن علي غدا لأنه لم يقتل راشد الغنوشي وهنا سأخبرك لماذا لم تكن لبن علي نية مسبقة للاستيلاء على الحكم فقد قال لنا حينها أنا ارفض أن يعزلني بل سأقدم له استقالتي وهذا بحضور الهادي البكوش وكمال اللطيف ومحمد شكري وأنا. حيث أكد لنا انه سيتوجه في الغد إلى قصر قرطاج ليقابل بورقيبة ويقدم له استقالته .

هل تقصد انه قبل أسبوعين من قرار ما سمي تغييرا فان بن على لم تكن له النية لإزاحة بورقيبة؟

نعم لم تكن له هذه النية .

ما الذي غيّر موقفه؟

 

ما غير موقفه هو موقفنا نحن أو بعضنا فانا رفضت هذا وعارضته وقلت له إن قدمت استقالتك هل تعرف ماذا سيحصل؟ الإسلاميون سيغرقون البلاد في الفوضى والحالة الاقتصادية منهارة وستنهار أكثر وهذا  سيدخلها في المجهول وهذا غير مقبول فرد علي لست مستعدا لقتل الغنوشي قال هذا حرفيا بحضور كل من ذكرتهم هنا تدخل كمال اللطيف وعارض ذلك أي تقديمه لاستقالته أما الهادي البكوش فقد بقي صامتا لأنه أراده أن يقدم استقالته كذلك صمت محمد شكري والوحيد الذي تكلم هو كمال اللطيف الذي عارضه في تقديم استقالته وقد ساندته  في ذلك وضربت على الطاولة وقلت له ما هذا الكلام الذي تقوله كمال اللطيف تشبث هوايضا بموقفه الرافض لتقديم استقالته عندها تدخلت مجددا وقلت له حرفيا تذهب غدا وتقابل الرئيس وان طلب منك قتل راشد الغنوشي ابدي له موافقتك وبعد ذلك “تو نتفاهمو” .

حضورك مثل هذا الاجتماع أنت أو محمد شكري أو بن علي مفهوم باعتباركم رجال في الدولة لكن حضور كمال اللطيف ما محله من الإعراب هنا؟

كمال اللطيف كان صديق مقرب لبن علي وكان يعرفه أكثر مني وهو رجل وطني وليست له طموحات سياسية ودوره كان دائما في الخفاء وقد كان يقوم بدور كبير إلى جانب بن علي ورغم أن لي خلافات معه  إلا انه إحقاقا للحق أقول انه كان يوجه بن علي نحو الاتجاه الصحيح دائما لصالح البلاد بل كان الوحيد القادر على التأثير على بن علي ولجمه إن تطلب الأمر فحتى بعد حصول التغيير كان هو أي كمال اللطيف من يؤثر على بن علي وكانت البلاد تسير على أحسن ما يرام اقتصاديا وامنيا لكن يوم حصل الخلاف بينهما وأبعده عنه وادخله للسجن  تغيرت الامور.

هل تعني انه رجل إصلاح ويؤمن بالديمقراطية ؟

لا اعرف إن كان يؤمن بها  أم لا لكن ما اعرفه أن وجوده إلى جانب بن علي في الخفاء كان ينعكس على خياراته ايجابيا .

غدا: التفاصيل الكاملة لما حصل ليلة 7نوفمبر 1987

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!