الكشف عن خفايا أزمة السجائر : تعطيل الآلات وسمسرة في القباضات وأصحاب الرخص يفضلون البيع في السوق السوداء وما خفي أعظم

تونس –  الجرأة التونسية :

عادت ازمة السجائر مجددا الى الواجهة حيث فقدت اهم الانواع منه خاصة التونسية منه وتحديدا ” الليجار” الاكثر استهلاكا في تونس لكونه الافضل عند المدخنين ولان سعره يبقى معقولا مقارنة بالأنواع الاخرى.

هذه الازمة تفجرت فجأة بعد الحظر الصحي الشامل لأربعة ايام حيث اعتقد اولا ان هناك نقص نسبي سببه توقف العمل او تقلصه في مصنعي التبغ الوقيد بتونس والقيروان لكن ثبت بعد ذلك كون الامر مدبر وان هناك اضمار وترصد في الامر وان ما يحصل مخطط له.

لو بحثنا عم السبب الحقيقي لهذه الازمة التي وفق ما اكدته لنا مصادر على علاقة بالقطاع غير مرتبطة بقلة التبغ او توقف توريده كما روج اولا ولا بسبب تعطل الانتاج لأربعة ايام خلال الحظر الصحي الشامل بل الهدف هو ان الازمة هي فترة اثراء للسماسرة والمحتكرين.

كل هذا يحصل في ظل تجاهل تام من الحكومة وخاصة وزارة التجارة التي تتعامل مع الملف وكأنه امر لا يعنيها او انه خرج عن نطاقها وارادتها بل اننا لم نسمع ولو تصريحا واحدا من أي مسؤول .

لو عدنا الى تقارير دائرة المحاسبات فانها تحدثت عن فساد كبير يحصل في القطاع بدايته ما عرف بالذواقة وهي هدايا من ” كراتش الدخان ” تقدم كهدايا لمن هب ودب وقد قدر التقرير ما يهدى ممن لا يملك لمن لا يستحق  سنويا بالمليارات.

هذا التقرير لم يرصد الاخلالات اخرى بل فساد كبير يحصل مرتبط بمسالك التوزيع خاصة في القباضات حيث توزع السجائر .

شبكة واسعة

علينا ان نفهم ما يحصل مع كل ازمة تحصل في قطاع السجائر.

البداية تكون بقلة التوزيع حيث ان القباضات فجأة تقلل من الكمية دون سبب ظاهر بل تحدد كميات بشكل عشوائي والاعتاطي لأصحاب الرخص أي القمرق .

مع هذا تظهر فجأة ظاهرة غريبة وهي كراء الرخص حيث ان هناك اشخاصا مجهولين يأتون بشاحنات لرفع السجائر ومعهم عدة رخص فيشترون ما يريدون بل ان القباضات تزودهم بما يشاؤون دون تثبت او تدقيق .

السؤال هنا: كيف يحصل هذا لو لم يكن هناك متورطون في الامر من الداخل ؟

الجميع من اهل القطاع يدركون ان الامر يبدأ من داخل القباضات لكن اصحاب الرخص هم ايضا يستحسنون هذا فهم عوض بيع السجائر للعموم فانهم هو ايضا يبعونها مباشرة للسماسرة امام القباضات بسعر مرتفع حيث يصل الربح في الكرتوشة الواحدة الى 7 دنانير على الاقل بالنسبة للتونسي اما المستورد  فالربح اكبر خاصة مارلبورو.

امر آىخر يحصل وهو ان اصحاب الرخص او السماسرة يمتنعون عن عرض سلعتهم التي يحصلون عليها في المحلات المخصصة لذلك ويفضلون بيعها للحماصة والعطارة والاكشاك لان الربح اكبر بكثير .

أي اننا هنا نتحدث عن شبكة كاملة فيها عديد الاطراف والكل مستفيد باستثناء المستهلك.

ارتفاع جنوني للأسعار

اسعار السجائر عرفت ارتفاعا جنونيا حيث وصل الليجار الى 4800 مليما وحتى 5 دنانير بينما سعره القانوني 3500 مليما.

ما يحصل ان الرخص يتم شراؤها مباشرة حيث وصلت التسعيرة في بورصة القباضات الى 400 دينارا لليوم الواحد مع العلم ان السجائر توزع يومين في الاسبوع لكل جهة.

أين الحكومة

السؤال المهم هنا يتجاوز الازمة الحاصلة الى ما هو اعمق أي : اين الحكومة من كل هذا ولماذا تتكرر الازمة مرتين او ثلاثة كل سنة وكل مرة تتصاعد بشكل اعمق؟

ما يحصل في قطاع السجائر يحصل في قطاعات اخرى مثل الاسمدة وعلف الحيوانات وغيرها أي انها حالة تسيب وفوضى وعلينا هنا الا نتهم المسؤولين بالتورط خوفا على مشاعرهم المرهفة رغم ان جيوبهم وحساباتهم باتت اكثر حساسية خاصة وانها مع كل ازمة تمتلئ وتفيض .

وزارة التجارة المعنية بهذا الملف نائمة في العسل أولعلها مشغولة بملفات اخرى لا ندري ما هي فلعلها تعد العدة لرمضان رغم ان هناك انذار صريح كون اسعار المواد الغذائية خاصة الخضر ستعرف ارتفاعا كبيرا خلال هذا الشهر  والتبرير انها ليست فترة ذروة الانتاج.

الغريب ان الازمات من هذا النوع لا تتوقف فبعد ازمة البطاطا نشهد اليوم ازمة اخرى لكنها جديدة هذه المرة حيث انها مرتبطة بالبصل حيث ان سعره فاق كل الحدود الى درجة ان التونسي صار يسخر من واقعه وما يراه بقوله لا تقل البصل بل ” سي البصل”.

الالهاء بأزمات اخرى مصطنعة

وسط هذه الحالة الصعبة التي يعيشها المواطن فان هناك كوكب آخر في تونس اسمه كوكب السياسيين الذين يعيشون في واقع اخر لا علاقة له بواقع المواطن العياش .

هؤلاء مشغولون بمعارك حول حزام سياسي واطلاق سراح نبيل القروي وسامي الفهري وتعديل القانون الانتخابي والنظام السياسي .

مسرح هؤلاء وهو ليس مسرح الشعب بل مسرح الكائنات الفضائية لم يعد مضحكا ولا مسليا بل صار في قمة الرداءة والمساطة بل هو ممل ومقرف وممثلوه حمقى وثقال الظل.

كم يعني المواطن اليوم هو قفته ومقدرته الشرائية التي نسفت نسفا وصارت في الحضيض حتى وصل الوضع الى انتشار حالة من اليأس والاحباط بين التونسيين خاصة من الشباب الذي انغلقت امامه كل الفرص وهو يرى الوضع ويرى أي محاولة للإصلاح تجابه من قبل الشيوخ بالنسف والتدمير بل حتى الحرقة التي هي داء ينخر فئة الشباب تحولت الى مجرد ملف امني أي كيف يقبض على من يحاولون الهجرة غير الرسمية ثم محاكمتهم اما معالجة الاسباب فهي اخر الاهتمامات .

الحلول

لو عدنا الى ملف السجائر والازمة الحاصلة حوله فان المهم هو البحث عن الحلول فليس تصنيف السجائر كونها مضرة يعني القبول بالفساد في القطاع او القبول بذلك .

من بين الحلول التي اقترحت السماح للمساحات التجارية الكبرى ببيع التبغ وهو قرار انتقد لكونه سيخدم مصلحة رجال الاعمال الا انه بات ينظر اليه من قبل المستهلكين كونه حل من الحلول لان اصحاب القطاع انفسهم اعماهم الطمع وحب الربح الكبير بالتالي لم يعد هناك من حل الا هذا .

الامر الثاني هو مسألة ربط توزيع السجائر بالقباضات وهو نظام اثبت كونه يفتح الباب امام التجاوزات والفساد وعقد الصفقات مع السماسرة والمحتكرين .

هذه المنظومة لا بد من مراجعتها وايجاد منظومة اخرى اكثر شفافية وقدرة على مراقبتها والتحكم فيها وفق منظومة اعلامية صارمة تحدد الخلل اينما كان ان كان في التوزيع المباشر او في مرحلة الدخول الى المسالك بكامل تراب الجمهورية .

بمعنى آخر قطع الطريق امام أي خلل او تجاوز من قبيل ما صار يحصل من تعطيل آلات الانتاج بهدف تقليل المنتوج لرفع السعر عمدا حيث ان كثرة الطلب اذا تفوقت على العرض فمعناه  رفع الاسعار آليا وفتح الباب للتجاوزات والفساد .

الامر الثالث هو تفعيل القانون بصرامة من ناحيتين ونقصد هنا على اصحاب الرخص والقمرق .

الاول حصر البيع في هذه النقاط .

الثاني مراقبة نقاط البيع ومنع أي تسرب للمنتوج خارج هذه النقاط وتسليط عقوبات صارمة على من يخالف ذلك .

محمد عبد المؤمن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!