الانتخابات الرئاسية الايرانية: نجاح آخر يحققه أوفياء الثورة والنظام الإسلامي
بقلم: محمد الرصافي المقداد
ليس من العسير على من تابع حركة الشعب الإيراني، منذ بدء ثورته الفريدة في أدائها وتطورها، إلى يوم انتصارها، وما استتبع ذلك من قيام نظامها الإسلامي، بقيادة ولي الفقيه الإمام الخميني، مؤسس الحكومة الإسلامية في القرن العشرين، أن يدرك أنه أمام تجربة إسلامية فريدة، من حيث نظرتها السياسية في الحكم، وأداؤها المميز على مدى 42 عاما، مضت جُلّها ابتلاءات ومحن وتحديات، لم يكن من السهل اجتيازها، وهي بتلك الكثافة وذلك الإستهداف، خصوصا في السنوات العشر الأولى، التي أعقبت انتصار الثورة، وبداية تأسيس نظامها الإسلامي، حيث تعرضت إيران لحرب عدوانية – وهي تخطو خطواتها الأولى في مجالها الثّوري – استمرت ثماني سنوات، كان الهدف منها اسقاط نظامها، وإنهاء وجوده مبكّرا، بتحريض ودفع أمريكي، كان سهلا عليه إعلاميا، أن يقلب الحقائق المتعلّقة بالعدوان الصّدّاميّ، ويغطي على المجرم الحقيقي، وهو يتحكم في العالم دولا وإعلاما وامكانيات.
منذ ذلك التاريخ وإيران الإسلام ترزح تحت مفعول العقوبات الإقتصادية، وتزداد تأثيرا سنة بعد أخرى، بسبب خيارها السياسي، الذي قطع نهائيا مع حقبة التّبعيّة للقوى الغربية الكبرى أمريكا وبريطانيا، وموقفها المُعلن بخصوص القضية الفلسطينية، والذي كان واضحا منذ البداية باعتبار أن الكيان الغاصب لفلسطين والقدس، هو كيان يجب أن يزول وتتحرر فلسطين نهائيا من آثار احتلاله، وزاد من تهيُّجِ قوى الإستكبار العالمي من النظام الإسلامي في إيران، دخوله في مواسم الحج بمشاريعه القرآنية، في البراءة من قوى الشّرك في مكة، والولاية لأهل الإيمان، والدعوة إلى الأخوّة والوحدة الإسلامية في المدينة، بتطبيق الأوامر الإلهية وتفعيل حقيقة الحج الابراهيمي المحمّدي، وتحويله منبرا للدعوة إلى إقامة شعائر الحج كما جاء بها القرآن.
لقد كانت أمنية هؤلاء الأعداء، القضاء على النظام الإسلامي في مهده، وقاموا بما في وسعهم من أجل بلوغ غايتهم، لكنهم فشلوا في تحقيقها، لأنهم اصطدموا بنظام ملك قيادة ربّانية حكيمة، وشعبا كان فعلا كزبر الحديد، أحبط جميع المؤامرات التي استهدفته، كلما ابتُلِيَ بواحدة زادته إيمانا، بأنه سائر على طريق الحق، لا يُضِيرُه تنمُّرُ أعداءه، طالما أنّه مؤمن إيمانا قاطعا بأن الله معه معينا وناصرا، وقد لمس تلك النفحات الالهية والأيادي الرّبّانية، في عدة مواطن كثر فيها العدوّ وقلّ الصّديق.
إيران اليوم التي تعتبرها أمريكا خارجة عن صفّ عملائها، تمثّل خطرا حقيقيا على نظامها الإستكباري، المتحكم في سياسات واقتصاديات الدّول، لا يمكنها السكوت عليه إن أرادت الإبقاء على هيمنتها على العالم، فلم تتوانى في الإضرار بها سياسيا واقتصاديا ودعائيا، ومضت أحكامها الجائرة في تسليط العقوبات عليه الى درجة منعها في شراء لقاحات كورونا وشراء مستلزمات لقاحاتها التي رغم كل ذلك امكن لعلمائها من النجاح في صناعة لقاحين ( بركت/ فخرا) في انتظار استكمال بقية مشاريع اللقاحات دورتها لتصبح قابلة لاستعمالها بشريّا.
وايران التي خرجت بثورتها من تحت السيطرة الأمريكية، بإزاحتها لنظام ملكي دكتاتوري، واقامة نظام إسلامي شورويّ مكانه، امتلك مواصفات الديمقراطية الحقيقية – التي إدّعاها صنّاعها الغربيون، لكنهم عملوا خلافها، فهي ديمقراطية صورية، يستخدم فيها صوت المواطن الغربيّ، لينتخب أحزابا أو أشخاصا ذوي سياسة، تتعارض في غالبها ورغبته، بمفعول الدعاية الكاذبة المسلّطة عليه إعلاميا- قدّم للعالم نموذجه الشورويّ الإسلاميّ، ليكون نظام حكم منافس، لأنظمة حكم صورية، حكمتها نزوات من تمكنوا من مغالطة وخداع شعوبهم، وهذا هو الخطر الحقيقي، الذي سيعرّي عورات أنظمة الحكم المستكبرة، المهيمنة على العالم بالظلم والعدوان، والعميلة التابعة لها بالضعف وقلة الحيلة.
بالأمس خاض الشعب الإيراني دورته الثالثة عشرة لانتخاب رئيس جمهوريته، وسط ساحة حرب اقتصادية بكافة عقوباتها المسلطة على بلاده، وأمنيّة بتشكيل أمريكا وحلفائها، جماعات ارهابية مسلحة معادية، لضرب أمن واستقرار البلاد من الدّاخل، وإعلامية تجنّدت لها وسائل سمعية بصرية ومكتوبة، تخصصت في تشويه النظام الإسلامي، والتركيز على الإنتخابات بمئات القنوات الفضائية الناطقة باللغة الفارسية، والموجّهة إليه تحديدا من أجل التأثير عليه معنويا، وثنيه عن المشاركة فيها، لكنه أثبت في هذه المرّة كما في شأن المرّات السابقة، أنّه ليس غَبّا ولا الغَبّ يخدعه(1)
ولو أن شيئا من هذه العقوبات والدعايات والأوضاع المعيشية الاستثنائية الصعبة التي يمرّ بها الشعب الإيراني بسبب تسلط أمريكا وإنفاذ أحكامها الجائرة، سُلِّطت على دولة أخرى وشعب آخر لسقط في شراك التأثير الدعائي لأعدائه وقاطع الانتخابات، ومن هنا تجلّت الصورة النّاصعة لهذا الشعب الأبيّ المقاوم، والثابت على مبادئه الإسلامية الثورية، وقد قدّم نموذجا راقيا في الصمود من أجل تحقيق أهدافه في العزة والكرامة، وقد نجح لحد الآن في بلوغ مستويات مقدّمة، من أجل تحصيل العلوم والتكنولوجيا المدنية والعسكرية، التي أصبح فيها منافسا قويا، لدول سبقته بقرن من الزمن، وفرض وجوده فيها بكل اقتدار.
نسبة المشاركة التي بلغت 48.8% وإن بدت قليلة غير أنها في واقع الأمر ليست كذلك لأن حاضنة النظام الاسلامي فيه من مجموع 29 مليون ناخب بلغت 22.338.775 ومع احتساب الاوراق الملغاة التي بلغت3 ملايين و726 ألفا و870 صوتا (2)بسبب تعدد صناديق الإقتراع، ووقوع هذا العدد الكبير من الناخبين في خطإ وضع الورقة في مكانها المناسب، اعتقد أن أغلب هؤلاء من القرويين وكبار السّن الذين اختلطت عليهم الصناديق الأربعة، وبذلك تكون هذه الحاضنة في تمام عافيتها، مستعدة للبذل والتضحية، من أجل الدّفاع عن قيمها ومبادئها ونظامها الإسلامي.
كسْبٌ آخر وانتصار جديد، ملحمةٌ فوز يسطرها الشّعب الإيراني، وفاء لملهم ثورته الأوّل الإمام الخميني رضوان الله عليه، ورسالة غير مشفّرة يوجّهها من خلال هذا الاستحقاق الانتخابي، بإعطاء صوته لرَمزٍ أصيل من رموز الثورة الإسلامية ومناضل صلب، قضى عمره في خدمة مبادئها والدّفاع عنها، هو قَطْعًا حجة الاسلام السّيّد إبراهيم رئيسي (14/12/1960)، النائب الأول لرئيس مجلس خبراء القيادة، والرئيس الحالي للسلطة القضائية في إيران.
عُيّن في هذا المنصب في 7 مارس 2019 من قبل المرشد الإيراني السيد علي خامنئي، وفي عام 1989 تولى منصب المدعي العام للثورة الإسلامية في طهران، ورئيس مؤسسة المتابعة والتفتيش العامّة، ثم انتُخب في مجلس الخبراء، ممثلًا عن محافظة خراسان الرضوية، كما شغل منصب نائب رئيس السلطة القضائية، منذ عام 2004 حتى 2014، وفي عام 2016 عيّنه المرشد السيد علي خامنئي على رأس منظمة (آستان قدس رضوي)، كما تولى منصب المدعي العام في البلاد.(3)
اسم السيّد رئيسي مدرج أمريكيا، على لائحة عقوبات الشخصيات الإيرانية الفاعلة في الثورة والنظام الإسلامي، بادّعاءات ملفّقة مُفادها إعدام معارضين للنظام، بينما هم في واقع الأمر إرهابيون، تسببوا في قتل الناس ظلما وعدوانا، فاستحقوا أحكامهم وقصاصهم العادل، وهذا شرف يحسب له، ومسؤولية قام بها على أحسن وجه، لا تعيها أمريكا بغطرستها.
الكيان الصهيوني استفزه انتخاب السيد ابراهيم رئيسي، فسارع إلى التصريح بلسان متحدث باسم الخارجية الإسرائيلية، أنه الأشد تطرفًا بين رؤساء إيران حتى الآن، محذرًا من أن يكثف القائد الإيراني الجديد أنشطة بلاده النووية.(4)
هذا واكّد قائد الثورة الإسلامية السيد علي الخامنئي عقب انتهاء الانتخابات وإعلان نتائجها، أنّ الشعب هو الفائز الكبير فيها بالحضور الملحمي الى مراكز الاقتراع في مؤشر واضح على عزمه وأمله وعينه الساهرة على امن البلاد.(5)
اصدقاء ايران قاموا بتهنئة رئيسها الجديد، بينما اغتمّ أعداؤها بانتخابه على رأس أجهزة النظام الاسلامي التنفيذية، وبين هؤلاء المهنئين وهؤلاء المغْتمّين، يواصل الشعب الايراني وخصوصا أتباع ولاية الفقيه الثابتين على مبدئهم كالجبال الرواسي، مسيرتهم الموفّقة من أجل عزة إيران وكرامة الأمّة الاسلامية، وتحقيق كامل أهدافها في التحرّر من نيْرِ الاستكبار الأمريكي والتسلّط الصهيوني على عالمنا، بتوفيق من الله الذي أبت إرادته، أن يكون لقوم سلمان المحمّدي دور محوري في بلوغ تلك الأهداف.
المراجع:
1 – الغبّ: الأحمق الغبيّ
2 – نقلا عن قناة العالم الفضائية
3 – إبراهيم رئيسي https://ar.wikipedia.org/wiki/
4 – إبراهيم رئيسي: إسرائيل تحذّر من أشدّ رؤساء إيران تطرّفا حتى الآن
https://www.bbc.com/arabic/middleeast-57542688
5 – قائد الثورة : المشاركة الملحمية بالانتخابات صفحة مشرقة لأمجاد الشعب
https://www.alalamtv.net/news/5660628