الانتخابات الرئاسية الإيرانية: خيبة أخرى عند أعداء إيران
بقلم: محمد الرصافي المقداد
هناك من الأنظمة من لا تمتلك ثقافة الحوار، ولا تسمح لشعوبها بتقرير مصيرها، على أساس يمكنها من صناعة قرارها السياسي المستقل والحرّ، بواسطة دستور يضمن لها كرامتها أوّلا، ويعطيها مجالا أوسع للحركة ضمن أحكامه العادلة، وهنالك شعوب لم تعرف لصندوق الإقتراع معنى ولا طريقا، فهو إن وجد عبارة عن مسرحية، سرعان ما تنفضّ عن واقع لا يختلف عن سابقه في شيء سوى تغيير الأسماء هذا إن تغيّرت، تعيش تحت نظام لا يرى لغيره مجالا للمشاركة معه في الحكم إلا بشكل صوريّ، وهنالك أسوأ من هؤلاء جميعا، أنظمة الأسرة والقبيلة، التي ابتليت بها شعوب عربية – استثنيت من ثورات الربيع العربي المفتعلة – لا تزال إلى اليوم لا تعرف طريقا إلى الحرية والشورى، التي تتيح لها الشراكة في صنع القرار السياسي لبلادها.
وعندما نقارن هذه الأنظمة السابحة في بحر عمالة الغرب، والماضية قدما عكس مصالح شعوبها، استجابة لنزواته الخاطئة، بنتاج الثورة الإسلامية الإيرانية، هذا النظام القويّ الذي في ظرف قصير(42سنة) حقق انجازات جمّة لشعبه، لعلّ أهمّها تحقيق العزة والكرامة، بانتهاج سياسة إسلامية لا شرقية لا غربية، مخالفة للنظامين العالميين السّائدين، الرأسمالي الغربي، والشيوعي الشرقي، تعطي للإنسان قيمته ومكانته في المجتمع، بقطع النظر عن معتقده، وتفسح مجالا رحبا لمنافستهما والتغلب عليهما في المستقبل، نفهم أننا مقبلون على تحوّلات جذرية في السياسة العالمية، ستلفظ فيها شعوب العالم هاتين المنظومتين، وتتحرر من زيفهما بتمهيد هذا النظام لقيام دولة العدل الإلهي في ربوع العالم كله، وما قدّمه النظام الاسلامي الذي أسسه الإمام الخميني مصلح هذا العصر، وضع أساست صدقه في المحكّ الفعلي، وقدّم منظومته الحكميّة على أساس اعتبار قيمة الإنسان وأولوية مراعاتها.
وبين مبدإ الشورى (الديمقراطية ) الإسلامي، الذي يمارسه الشعب الإيراني تحت نظام ولي الفقيه، وبين الديمقراطيات الصورية المزيفة، التي يمارسها الغرب وأتباعه، المهووسين بمدنيّته الكاذبة، يظهر الفرق والتباين واضحا بين المبدئين، ففي حين خاض الايرانيون على مدى عمر نظامهم ما يعادل انتخابا في السّنة، ما بين انتخاب رئيس الجمهورية، ومجلس خبراء القيادة، ومجلس الشورى، ومجلس صيانة الدستور، ومجالس البلدية والقروية، قدّموا فيها دروسا لا تنسى، في الوعي والالتزام والصبر والانضباط، واثبتوا نسب مشاركة برهنت كل مرة على أن النظام الإسلامي له حاضنة قوية، تزداد بمرور الزمن متانة، تبدو من جهة أخرى المشاهد الإنتخابية في الغرب وأتباعه صورية، وتمثيلية رتيبة بلا روح، قليلة المشاركة، وبلا وعي لمن شارك فيها، باستثناء القليل ممن قاطعها، أو ترك ورقة بيضاء في صناديقها، تعبيرا عن عدم رضاه بها، أو حيرته أمام هجمة دجل الدعاية.
اليوم يخوض الشعب الإيراني ملحمة جديدة، في إثبات مدى ولائه لنظامه الإسلامي، وقد بادر أفراده للخروج باكرا في يوم عطلتهم الأسبوعية الجمعة، ليدلوا بأصواتهم في 4 انتخابات: الرئاسية /والبلدية والقروية/ والتكميلية البرلمانية/ والتكميلية لمجلس خبراء القيادة، استمر تمديد فترة الاقتراع الى ساعات متأخرة من الليل، تنفيذا للبروتوكول الصحّي لمكافحة كورونا، وتمكينا لقطاعات أوسع من المواطنين من المشاركة.
عاملين راهن عليهما أعداء النظام الإسلامي في إيران ليخفّض من نسبة مشاركة الشعب في الإنتخابات، وهي تشديد العقوبات عليه من جهة، ليتضرر منها أفراد هذا الشعب المقاوم، فيتقاعس منهم من يتقاعس تذمّرا، وتكثيف الحملات الدعائية ضدّ نظامه، لإحباط معنوياته تضليلا ودجلا، ومن هنا يظهر الفرق بين الشعب الواعي ونقيضه، إنّ وعي الشعوب يكمن في مدى التزامها بواجباتها، ولا يمكن لشعب أن ينجح بالتخلّي عن واجباته والتزاماته، وهو يطمح في منافسة غيره، وقد أثبت الشعب الإيراني في محطّات ابتلائه العديدة التي اعترضت طريقه، أنه قادر على رفع التّحدّي، ومناجزة أعدائه في جميع الميادين وتحقيق تفوقه عليهم.
هذا وقد أعطى الإمام الخامنئي المثل لشعبه بالخروج باكرا، للإدلاء بصوته في هذه الإنتخابات، بعد أن حثّه على المشاركة فيها بكثافة، ليثبت من جديد وأكثر من أي وقت مضى أنه شعب ولاية الفقيه، مُسفِّها تمنّيات أعدائه بضعف نسبة المشاركة، ليتّخذ منها ذريعة كعادته، باتهام النظام أنه مفروض على شعبه، وهو تَمَنٍّ لا يزال يُؤَمِّلُهُ هؤلاء المفسدون في الأرض، لتحقيق مآربهم في إسقاطه، وعودتهم مجددا إلى إيران ليعيقوا مسيرة شعبها، من أجل ذلك قال سماحته: ( إن يوم الانتخابات هو يومُ الشعب الإيراني، والناس هم أسياد الميدان الأساسيون، فهم الذين يحدّدون بتصويتهم المصيرَ العام والأساسي في البلاد للسنوات المقبلة (1))
وحسب مراسلي قناة العالم الفضائية فإنه قد تم فرز 90% من بطاقات الناخبين وقد حصل السيد ابراهيم رئيسي على 17.800.000 صوت، ورضائي على 3.300.000 صوت، وهمّتي على 2.400.000 صوت، وهاشمي على 1.000.000 صوت، وبقيت ال10% في اطار مواصلة عمليات الفرز اليدوي المعتمدة، ويبدو من خلال هذه المعطيات، أن نسبة المشاركة الشعبية ستكون بحدود 62%، وهي نسبة لم تصلها أغلب الدّول الغربية التي تدّعي الديمقراطية، بما فيها أمريكا.
درس آخر يقدّمه الشعب الايراني من حيث استجابته لنداء القائد، وتثبت جدواه أجهزته الأمنية المدنية والعسكرية والإدارية، الساهرة على سلامة مكاتب الإقتراع وأمن النّاخبين، وهذا ليس بالأمر السّهل، على بلد يتهدّده الإستكبار والصهيونية والإرهاب التكفيري بمؤامراتهم، أملا في عرقلة مسيرته الموفّقة لحدّ الآن.
اختيار الشعب الإيراني لرجل مقتدر مثل السيد إبراهيم رئيسي، هو تعبير منه على أنه شعب حرّ يملك إرادته بيده، ويريد أن يكون على هرم سلطته التنفيذية رجل دين وقضاء له تاريخه النضالي الثوري، في مكافحة الإرهاب والفساد، أصوليّ سيكون مختلفا بتعاطيه مع الملفات العالقة مع سلفه روحاني، وهكذا أسقط ما في أيدي أعداء إيران من أمل، في حصول شيء اختلال الأمن في هذه الإنتخابات، أو تدنّي نسبة المشاركة، يمكن بموجبها اتهام النظام بعدم شرعيته، أو صعود شخص قد يأمل فيه الغرب، لينًا واستجابة لتحقيق أهدافه، من تنازلات يرتّب عليها ضغوطه وعقوباته، وهي أمنيات سقطت في الماء، العزاء عند أعداء ايران، والرضا في بيت الولاية .
المصادر
1 – خامنئي: يوم الانتخابات هو يوم الشعب الايراني
https://arabic.sputniknews.