بكل جرأة / يكتبها محمد عبد المؤمن : النهضة بين شق الاخوان وشق التنويريين…من الاتجاه الاسلامي وأحداث باب سويقة الى الحركة فالحزب …

 لا يمكن فهم ما يحصل في النهضة اليوم الا بالرجوع الى جذورها أي العودة الى حركة الاتجاه الاسلامي . هذه الحركة تكونت قبل ما يزيد عن اربعة عقود من قبل شباب حينها كان هدفهم وفق ما أعلن الدعوة واصلاح المجتمع وهداية الناس.
أي ان الجماعة اوكلوا لأنفسهم مهمة هداية الناس او على الاقل جعلوا من انفسهم وسيلة لذلك. في تلك الفترة أي فترة التأسيس كانت الحركة سرية لكنها تظهر نشاطها في العلن وتحديدا في المساجد كدعوة.
برز لها خطباء مفوهون كانوا وقتها على قلب رجل واحد منهم راشد الغنوشي وعبد الفتاح مورو وحسن الغضباني ونذكر هؤلاء لانهم معروفون حاليا لكن هناك اسماء اخرى اختفت او بأكثر دقة همشت ونسيت . في فترة بورقيبة كان النشاط كثيفا وكانت هناك حاجة لهم في فترة ما وتحديدا في الظرفية التي تولى فيها محمد مزالي . كانت هناك رغبة من السلطة في الحد من قوة وتأثير اليسار وكما فعل الرئيس المصري الاسبق انور السادات فعل النظام البورقيبي أي جعل الاسلاميين اداة غير مباشرة للجم اليسار خاصة في الجامعات .
فالسلطة حينها ارادت خلق صراع ايديولوجي لامتصاص قوة الطرفين ثم الاستفراد بالمنتصر او لعله بهما معا. النقطة الفاصلة في تاريخ هذه الحركة لم يكن الاعلان عن نشاطها العلني والخروج من السرية بل يمكن ان نعتبر ان احداث باب سويقة هي التي خلقت خطابا وتوجها جديدا داخل الحركة التي لم يعد من الممكن ان تتواصل كاتجاه اسلامي وكان لا بد من مراجعات . نتائج احداث باب سويقة كانت انقسام الحركة بين راديكاليين ومتفتحين يرفضون اسلوب العنف ويرون ان ما حصل حينها كان جريمة وان ظلم النظام والسلطة لم يكن ليبرر الانتقال الى استخدام العنف .
المرحلة الموالية المهمة في تاريخ هذه الحركة كانت انقلاب 7 نوفمبر وهنا لا بد من الحديث عما قبله وعما بعده . كثير من الشخصيات السياسية تحدثت عما اسمته بانقلاب كان سيحصل يوم 8 نوفمبر 1987 وقد سمعت بعضا منه كشهادات رويت لي من شخصيات عاشت تلك الاحداث ومنهم الرجل الثاني في الانقلاب على بورقيبة الحبيب عمار. الرجل حدثني طويلا عما حصل وكيف انه وبن علي قررا تغيير تاريخ الانقلاب على بورقيبة لان معلومات وصلتهم كون الاسلاميين سينفذون هم ايضا انقلابا حدد له تاريخ 8 نوفمبر .
ليس المجال هنا للخوض في تفاصيل ما حصل لكن ما يعنينا اساسا أمران:
الاول : كيف وصلت حركة الاتجاه الاسلامي او النهضة حينها الى التغلغل في مؤسسات الدولة من أمن وجيش والاعداد للقيام بانقلاب ؟
الامر الثاني يتعلق ببن علي نفسه أي هل نسق معهم انقلابه او تواصل معهم بعد تنفيذه خاصة وانه “اعطاهم الامان” بعد سيطرته على السلطة وبقوا فترة ليست بالقليلة ينشطون سياسيا ؟
لنفهم هذا استحضر ما حدثني به رئيس الحكومة السابق حمادي الجبالي ومفاده انه تواصل مع احد ممثلي السلطة في فترة بن علي فسأله لماذا لا تتركونا نمارس السياسة وتخشوننا رغم ان الدولة واجهزتها بأيديكم وانتم تمثلون حزبا عريقا ؟
جواب هذه الشخصية انه قال: انتم تحتكون بالناس ويرونكم تؤدون الصلاة وتحضرون صلاة الصبح وتقفون معهم في صف واحد وتحتك اكتافكم باكتافهم في الصلاة أي انهم يرونكم تخافون الله فعندما تجري انتخابات وتشاركون فيها فهل سيصوتون لكم ام لنا؟ هذه الحادثة تفسر لماذا انقلب بن علي على الاسلاميين بمجرد ان استحوذ على السلطة بالكامل أي ان الفترة الاولى التي هادنهم فيها كان فيها مضطرا ولا يريد ان يدخل في مواجهة معهم . والاسلاميون قبلوا بهذه الهدنة بوعي او بلا وعي والاغلب بوعي بذلك فهم باركوا بيان 7 نوفمبر وقال الغنوشي قولته الشهيرة تلك عن بن علي . لكن كل ما ذكرناه هو ضمن النهضة المحلية او الداخلية لكن الاتجاه الاسلامي ليس قطريا بل يؤمن بالعالمية وبوحدة المسلمين وبالأمة الاسلامية وهنا نسأل: هل ان النهضة جزء من الاخوان المسلمين؟
من ناحية الفكر التأسيسي والنظري هي جزء من هذه الحركة لكن عمليا هي اتجاه اسلامي تونسي .اما مسألة كونه دعوي لا سياسي مثلما اعلن ابان التاسيس فهذا فرضته سياسة المراحل أي ان تلك الفترة تتطلب ذلك بمعنى التغلغل في المجتمع وكسب الانصار والتسلل الى العقول والوعي الجمعي.
هذه السياسة هي التي تخدم النهضة اليوم وهي التي تضمن لها خزانا شعبيا مهما. فجزء كبير ممن يصوتون للنهضة في الانتخابات لم يعيشوا فترة التأسيس ولم يعرفوا حركة الاتجاه الاسلامي بل لا نبالغ ان قلنا ان نسبة كبيرة منهم لا يحملون أي معلومات عنها ولا يعرفون من النهضة الا الغنوشي وهذه القيادات التي ظهرت بعد الثورة.
اليوم النهضة تعيش في صراع داخلي بين شقين او لنقل تيارين الاول هو امتداد لفكر واسلوب الاتجاه الاسلامي أي التأقلم مع الظروف والانحناء وقت الحاجة والضرورة الى حين مرور العاصفة.
الشق الثاني يمكن ان نطلق عليه التنويريين وهؤلاء هم مستقبل النهضة الحقيقي الذين يرفضون سلطة الاب وولي الامر المتجسمة في شخص الغنوشي.
فالغنوشي بات “صنما” داخل النهضة او كما يقول البعض داخل المعبد الأزرق يرى البعض انه حان الأوان لكسره وهذا الفعل معنوي رمزي اكثر منه مادي أي ان تحول الاتجاه الاسلامي الى النهضة كانت له نتائج منها ازالة بعض العوائق ومنهم اشخاص وكذلك فتحول النهضة الى حزب مدني لا بد له من ازالة عوائق ايضا وهم اشخاص على رأسهم كبيرهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!