هجرة الأدمغة: تونس يتم افراغها من كفاءاتها لضرب مؤسسات القطاع العمومي للتفريط فيها
تونس – الجرأة الأسبوعية :
دائما ما يتم تفسير وصول المؤسسات العمومية الى هذه الحالة التي تعيشها اليوم بالإضرابات والاحتجاجات.
هذا السبب صحيح لكنه ليس الوحيد بل هنا سبب آخر لا يقل عنه اهمية وخطورة .ما نتحدث عنه هو افراغ المؤسسات العمومية من كفاءاتها وكوادرها بشكل بات يلفت الانتباه ويثير ألف سؤال .
لماذا كل او على الاقل اغلب المؤسسات العمومية صارت مفلسة او شبه مفلسة ؟
الامر بات غريبا فمثلا لو اخذنا على سبيل المثال مؤسسة اتصالات تونس فإننا نجد وضعيتها صعبة في مقابل مزودين خواص اقل منها امكانيات لكنهم يحققون ارباحا كبيرة.
اين المشكل اذا؟
بالتأكيد هو في الحوكمة وفي السياسة التسييرية.
الامر نفسه ينطبق على مؤسسات ضخمة مثل شركة فسفاط قفصة و”الصوناد” و”الستاغ” وغيرها.
بالتالي فشبح التعمد لم يعد مجدر وهم مؤامرة بل ان الحقائق باتت تشير كون هناك تعمد لضرب المؤسسات الخاصة ولعل الهدف هو ايصالها الى وضعيات صعبة لتحقيق هدفين.
الأول جعلها في وضعية متردية ما يجعل طرح فكرة التفريط فيها للخواص مقبولة.
الامر الثاني انزال قيمتها المادية لبيعها بمبالغ لا تعكس قيمتها الحقيقية.
التفريط في الكفاءات
عندما نتحدث عن الكفاءات والخبرات والتي يطلق عليها مصطلح الأدمغة فإننا نعني بذلك الأشخاص الذين انفقت عليهم الدولة لسنوات طويلة حتى يختصوا في مجال ما والأصل أن يستفاد منهم داخليا على غرار المهندسين والأطباء والمختصين في التقنيات والتكنولوجيا لكن للأسف وبسبب التهميش والأزمات والصعوبات التي تواجههم نجد الكثير منهم بات يخير الفرص التي تأتيه من الخارج خاصة من أوروبا والولايات المتحدة وكندا .
علينا ان نوضح هنا كون تزايد وتصاعد خسارة البلاد للكفاءات له أسباب عدة منها ذاتي يتعلق بالأشخاص وطموحاتهم والبحث عن فرص أفضل لكن السبب الأهم هو غياب الفرص للخلق والابداع والانخراط في الدورة الاقتصادية بل أكثر من هذا فان كفاءات كبيرة وجدت نفسها عوض استثمار تعليمها وتكوينها وحتى تميزها في اختصاصها تقف في صفوف البطالة بلا أمل ما يخلق فيها حالة احباط ويأس.
هذا الوضع تتحمل المسؤولية فيه الحكومات المتعاقبة التي تتعامل مع كفاءاتها التي انفقت عليها الدولة الكثير من موارد المجموعة الوطنية على أنهم مجرد رقم في إحصائيات حول نسبة وعدد العاطلين عن العمل والمتخرجين من الجامعات بل اكثر من هذا فحتى الكفاءات ذات التكوين المتميز في الخارج تعود لتجد نفسها على الهامش .
المهم هنا هو كيفية التعامل معمع المعضلة أي معالجة هذه المسألة وهذا يتطلب أولا الاقرار كون هناك مشكل لا التعامل معه وكأنه أمر عادي.
هذا النشكل له وجهان الأول ان هجرة الأدمغة هي استنزاف للموارد الوطنية لأن الأصل أن تنفق الدولة على أبنائها ليفيدوا بلادهم وذلك باستثمار كفاءاتهم في بناء البلاد والنهوض باقتصادها.
الوجه الثاني هو أن هذه الكفاءات تتم الاستفادة منهم من بلدان أخرى حيث أنها تحصل عليهم جاهزين ولا تبذل أي جهد سوى في ادماجهم في الصورة الاقتصادية.
لكن مع ان لهذه الكفاءات عذرها في التوجه للخارج وهو أساسا عدم ايجاد الفرصة والمكان للعمل وبالتالي الخلق والابداع ما يؤدي بهم للاحباط واليأس وبالتالي القبول بالعروض الخارجية فان المسألة قانونية حيث انه لا يوجد قانون يلزم من انفقت عليهم الدولة لتكوينهم بالعمل بالوطن لمدة معينة وهذا يشمل خاصة من يسافرون للدراسة في اختصاصات دقيقة على حساب الدولة ويحصلون على منح من بلادهم هي في الأصل مصاريف وانفاقات تتحملها المجموعة الوطنية.
لكن بغض النظر عن كل هذا فان الحل الأمثل والأنجع لن يكون قانونيا أساسا بل موضوعيا وعمليا وذلك بتهيئة المناخ للعمل وايجاد واقع يمكن من تحويل الأفكار الى مشاريع واضافة فالمعضلة ليست عدم احساس بالوطنية بل هي نتيجة لحالة الاحباط التي تصيب الكفاءات وعدم توفير المناخ الملائم للعمل.
نشر في جريدة الجرأة الأسبوعية