متى يتدخل قيس سعيد لإنعاش المجلس الأعلى للقضاء ؟

تونس – الجرأة نيوز :

نص القانون عدد 34 لسنة 2016 على ان دور المجلس الأعلى للقضاء يتمثل في ضمان حسن سير القضاء واستقلالية السلطة القضائية وهي مهمة جسيمة لم تتحقق الى حد الآن بالنظر للعيوب والثغرات التي تضمنها ذاك القانون الذي سن بشكل اعتباطي وفي ظروف فاسدة حسب رأي المتابعين للشأن القضائي والناشطين في مجال مكافحة الفساد والعبث بالمال العام.

هذا القانون غير الدستوري والمكلف  أثار حفيظة الاشخاص الذين تم اقصاؤهم من تركيبة المجلس في خرق للفصل 112 من الدستور الذي لم ينص بالنسبة لأعضائه من المستقلين على مهن معينة دون غيرها (8 محامين وعدل منفذ و3 مدرسين جامعيين وخبيران محاسبان).

 

فلا احد بامكانه ان ينكر ان عبارات الفصل 112 من الدستور جاءت مطلقة ولم تخص مهنة دون غيرها. فخلافا لأحكام الفصل 112 من الدستور الذي منح ثلث مقاعد المجلس للمستقلين من المختصين من غير القضاة، تم بصفة مفضوحة ومبتذلة إقصاء كل الاشخاص الذين سمح لهم الفصل المشار اليه بالترشح لعضوية المجلس الاعلى للقضاء.

 

تركيبة المجلس الأعلى للقضاء

ويرى الاشخاص الذين تم اقصاؤهم ان ضبط تركيبة المجلس الأعلى للقضاء تذكر بنفس الأساليب المعتمدة في عهد بن علي الذي يتميز بالفساد والإقصاء والتهميش وإنكار قوانين الدولة والدوس على الدستور والمعاهدات الدولية المتعلقة بحقوق الانسان واستقلال القضاء وسيادة قانون الغاب واللوبيات وتطبيق المثال الشعبي”حوت ياكل حوت قليل الجهد يموت”.

 

فقد عبر عدول الاشهاد والخبراء العدليون والمستشارون الجبائيون وحتى المواطنون انذاك عن سخطهم وغضبهم جراء اقصائهم من الترشح لتركيبة المجلس الاعلى للقضاء  وجراء تمرير القانون عدد 34 لسنة 2016 في ظروف فاسدة، على حد تعبيرهم، في خرق صارخ لاحكام الفصول 10 و20 و21 و112 من الدستور والفصل 10 من الميثاق العالمي لحقوق الانسان والفصول 2 و14 و25 و26 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والمبادئ الاساسية المتعلقة باستقلال السلطة القضائية الموضوعة من قبل الامم المتحدة. كما اكدوا ان قانون المجلس لا يرمي الى بناء سلطة قضائية مستقلة طبقا للمعايير الدولية باعتبار ان ولاية المجلس على الشان القضائي محدودة جدا وان اعضاءه غير متفرغين واغلبهم لا تتوفر فيهم المواصفات المطلوبة لانجاز المهمة.

 

حالة استنكار

 

فقد استنكر المعهد التونسي للمستشارين الجبائيين حرمان المستشار الجبائي من الترشح لعضوية المجلس الاعلى للقضاء على الرغم من انه كمختص ومستقل مصنف ضمن المهن القانونية والقضائية مثلما يتضح ذلك من خلال الفصل الاول من القانون عدد 34 لسنة 1960 المؤرخ في 14 ديسمبر 1960 المتعلق بالموافقة على المستشارين الجبائيين :”إن جميع الشركات أو الأشخاص الماديين الذين تقتضي مهنتهم القيام بالموجبات الجبائية لفائدة المطلوبين ومدهم بيد المساعدة والنصائح أو الدفاع على حقوقهم لدى الإدارة الجبائية أو المحاكم التي تبت في النوازل الجبائية يعتبرون كمستشارين جبائيين سواء أكان  قيامهم بتلك المهنة بصفة أصلية أو ثانوية”. أما الفصل 10 من نفس القانون،  فقد نص على ان المحامي  يقوم  بصفة ثانوية بمهام المستشار الجبائي :”ان أحكام  هذا القانون  لا تنطبق  على  الأشخاص  الذين  يباشرون مهنة محام ويقومون بصفة ثانوية بمهمة مستشار جبائي”.

 

فالمعايير الدولية الموضوعة من قبل الامم المتحدة تفرض ان ينص القانون على ان اكثر من 50 بالمائة من تركيبة المجلس وجب ان تتكون من قضاة منتخبين وهذا الشرط تم الدوس عليه. كما كان من المفروض ان ينص على الية ترشح لعضوية المجلس بالنسبة للثلث من غير القضاة من المستقلين والمختصين عوض تعيين مهن بعينها (8 محامين وعدل منفذ و3 مدرسين جامعيين وخبيران محاسبان) وذلك في خرق صارخ لاحكام الفصل 112 من الدستور وفي تجاهل رخيص لراي الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين الذي اكد ان عبارات الفصل 112 من الدستور جاءت مطلقة ولم تخص مهنة دون غيرها.

 

ويرجع المتابعون للشان القضائي والناشطون في مجال مكافحة الفساد والعبث بالمال العام ان من بين اسباب فشل المجلس الاعلى للقضاء في القيام بمهامه تركيبته المخالفة للمعايير الدولية وللدستور وعدم تفرغ اعضائه.

 

مرفق قضائي مدمر

 

 

كيف يمكن لمجلس ان يساهم في اصلاح قضاء عليل ومرفق قضائي مدمر اذا كان اعضاؤه غير متفرغين وليست لاغلبهم قدرة على الخلق والابداع والتطوير وهذه المواصفات لم ياخذها بعين الاعتبار القانون عدد 34 لسنة 2016 الذي طغت على روحه عقلية المحاصصة والغنيمة والتضليل.

 

زد على ذلك ان تركيبة المجلس، التي تضم 45 عضوا غير متفرغين، لا نجد لها مثيلا داخل الدول العظمى، ناهيك ان بريطانيا العظمى ليس لها مجلس اعلى للقضاء كغيرها من عدد من البلدان الأوربية.

 

ويرى المتابعون للشأن القضائي والناشطون في مجال مكافحة الفساد والعبث بالمال العام ان عدم تنصيص القانون على تفرغ اعضاء المجلس يدخل في خانة الفساد والعبث بالمال العام. كما ان عدم تفرغ اعضاء المجلس من الموظفين العموميين من شانه الاضرار ايضا بالمرفق العمومي الذي ينتمون اليه كما تمت ملاحظته الان.

 

فأعضاء المجلس من القضاة والموظفين العموميين يتقاضون اجرين (2) باستثناء الرؤساء الاول لمحكمة المحاسبات ومحكمة التعقيب والمحكمة الادارية الذين يتقاضون ثلاثة اجور (3) باعتبار انهم يتقاضون اجرا من الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين التي لا تعمل ايضا وليس لها أي انتاج يذكر. هل يعقل ان يتم منح اجرين وثلاثة اجور لموظفين عموميين والعبث بالمال العام والاضرار بالمرفق العمومي في دولة تفتقر مستشفياتها العمومية للادوية والمعدات والتجهيزات واسرة الانعاش ؟

 

قيس سعيد… هل سيتحرك؟

ففي ظل صراع الصلاحيات وتكريس عقلية الغنيمة والفهم الخاطئ للاستقلالية وتمرير قوانين فاسدة تم تدمير المرفق العمومي وضاعت حقوق المتقاضين الذين تحولوا الى عجلة خامسة.

فهل يتدخل قيس سعيد والياس الفخفاخ ومحمد عبو واعضاء مجلس نواب الشعب لاعداد مبادرة تشريعية بغاية انعاش المجلس واحترام الدستور والمعايير الدولية ووضع حد للفساد والعبث بالمال العام والمرفق العمومي ؟ وهل سيبادرون فورا بمراجعة كل القوانين الفاسدة المحدثة لمختلف الهيئات العمومية المستقلة التي يهدر من خلالها المال العام دون رقيب او حسيب ؟ وهل سيدركون ان الاستقلالية مرتبطة بالمسؤولية والشفافية والمساءلة والمحاسبة وهذه المسائل تم اهمالها صلب القوانين المتعلقة بالهيئات والمجالس واللجان المستقلة ؟

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى