مبرّرات شنّ عدوان على إيران لا تكون بهذا الغباء

بقلم: محمد الرصافي المقداد

حادثة  الناقلة الصهيونية (ميرسر ستريت) في بحر عمان، وإصابتها بأضرار طفيفة، ومقتل إثنين من طاقمها، وإتهام إيران باستهدافها ذريعة إسرائيلية، لتأليب حلفاءها الغربيين عليها، وحثهم على تشكيل جبهة دولية ضدّها تقوم على تصويرها دولة معتدية، تهدد أمن الملاحة العالمي، في منطقة جدّ حسّاسة، تمرّ منها إمدادات النفط والغاز إلى دول العالم، وهي محاولة متجدّدة لاستصدار قرار دولي لعسكرة المنطقة بحريا، بعدما عسكرتها أمريكا وبريطانيا وفرنسا، بقواعد جنوب الخليج الفارسي، وهي التي شكّلت منذ دخلتها تلك الدول الإستعمارية المعتدية، بتاريخها الإجرامي القذر، عناصر توتّر وعدم استقرار في المنطقة، وهي أساسا موجودة هناك، لأجل ضمان تدفق النفط إلى تلك البلدان بالسعر الأدنى، زيادة على نفقات الجنود العاملين بتلك القواعد.

لم تتاخر إيران في نفي تورطها في الاعتداء على الناقلة، فقد قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية (سعيد خطيب زاده) في مؤتمر صحفي، أنه على النظام الصهيوني وقف مثل هذه الاتهامات التي لا أساس لها، وهذه ليست المرة الأولى التي يوجهون فيها مثل هذه الإتهامات المباشرة، وهي اتهامات مدانة (1).

حادثة الإعتداء على الناقلة مثيرة للريب، من جهة موقعها القريب من المياه الإيرانية وإيران ليست بذلك الغباء الذي عليه الساسة الغربيون عادة، في اقتراف إي عدوان يرونه يصبّ في مصلحتهم، ولو كان غير أخلاقي ولا قانوني، والقوات الإيرانية من حرس وجيش يأتمران بقيادة حكيمة، تعرف أنه ليس من مصلحتها، ولا من الشجاعة في شيء ضرب سفينة مدنية، حتى لو كانت إسرائيلية لينطبق إدعاء هذه الدّول على إيران.

ما تسعى أمريكا وبريطانيا وربيبتهم إسرائيل، من وراء فبركة إعتداء سخيف على ناقلة نفط إسرائيلية، لا يخرج عن إطار محاولة وقف تمدد القوة البحرية الإيرانية إلى أعماق البحار، ولجم قدرتها على السيطرة والمواجهة والمناورة، بالوسائل العسكرية المتطورة، هم لا يريدون أن تنافسهم قوّة ملتزمة بأخلاقيات عالية، تراعي حقوق الشعوب في التعايش السلمي، لقد انتهى زمن الإستئثار بالمياه الدّولية والتحكم فيها بالغطرسة والقوّة المفرطة.

من جهة إيران أفادت قنوات غير رسمية تابعة للحرس الثوري، نقلا عن مصادر أمنية مساء الثلاثاء، بأن القوات الإيرانية وجميع الفصائل التابعة للمقاومة في المنطقة، ليست متورطة بأي حادث بحري في بحر عمان، وأكدت المصادر الأمنية أن الأنباء التي تدعي تورط إيران بهذه الأحداث ليست إلا محاولات خبيثة لتهيئة الرأي العام لتوجيه ضربات ضد إيران.

وحتى يركب الادّعاء الأوّل جاءت بريطانيا بادّعاء جديد، لم يكن مألوفا من قبل، ونحن نعلم أن مواقع القراصنة، هي قبالة سواحل القرن الأفريقي (الصومال) وليس في بحر العرب أو قبالة سواحل الإمارات، وليس من مصلحة إيران، ولا من عاداتها خطف السفن بدون سابق اعلان كما حصل لسفينة بريطانية مقابل احتجاز ناقلة ايرانية في مضيق جبل طارق( ناقلة مقابل ناقلة)(2) وأخرى كورية جنوبية مخالفة لقوانين الملاحة، وضغطا على كوريا الجنوبية للإفراج على مستحقات إيران من صفقات النفط المجمّدة في البنوك الكورية.

من خبث البريطانيين والامريكان  أنهم وجهوا اصابع اتهام  تدبير الإعتداء على الناقلة الإسرائيلية إلى إيران قبل أن يباشروا تحقيقاتهم، وتهافتهم هذا يؤكّد ارتهانهم لإسرائيل فيما إدّعته، ومضيّهم قُدُما في دعمها وحمايتها، فهي بالنسبة إليهم قاعدتهم المتقدّمة في قلب الأمّة الإسلامية، وليس بإمكانهم تركها في مواجهة عدوّ مبدئي، وضع نصب عينيه هدف إزالتها من على خريطة فلسطين، مهما كبرت أخطاؤها وتعاظمت جرائمها.

فقد قالت هيئة العمليات البحرية البريطانية إن سفينة قبالة ساحل الفجيرة الإماراتية تعرضت للخطف، وأن منفذي العملية يرتهنون طاقمها، وقد أفاد مراسل RT في لندن بأن الناقلة التي تعرضت للقرصنة في خليج عمان، تحمل اسم “أسفالت” وهي محتجزة من قبل مسلحين لم تحدد هويتهم بعد، وفيما ردّت الخارجية الإيرانية على التقارير التي أفادت بوقوع حوادث أمنية لعدد من السفن قرب ساحل الإمارات “مثيرة للريبة”، وحذرت من أي محاولة لخلق أجواء مفبركة مناهضة لطهران.(3)

موقع سكاي نيوز عربية التابع للنظام السعودي ذهب بكاتبه الخيال إلى سيناريوهات اربعة لضرب إيران (4)- وهو ما يتمنونه في خيالاتهم وأحلامهم – لكنه صعب التّحقق لأسباب منطقية أهمّها:

أوّلا: إن ضرب إيران سينجرّ عنه ردّ صاعق لأهداف متعددة جملة واحدة على أهداف متعددة حسب تورط المعتدين.

ثانيا: اذا حصل عدوان على إيران فإن حركات المقاومة ستكون بطبعها ملزمة بالرد على العدوان إسداء لجميل ما قدّمته من أموال واعتدة لتلك الحركات، جعلتها في مقام الندّية في الرّدع مع الكيان الصهيوني.

ثالثا: قناعة امريكا وبريطانيا بأن الردّ العسكري غير مضمون النتائج لا يمكن أن تغيّرها إسرائيل بتهافتها لعمل عسكري ضد إيران، لذللك فهذا الإحتمال غير وارد في هذه الحال

رابعا: كأني بأنظمة العمالة للغرب جنوب الخليج الفارسي، لا تدرك بأن القواعد التي أباحتها للقوات الإستعمارية ليست بمنأى عن الإستهداف، لو وقع عدوان عسكري على إيران.

خامسا: تبدو الصين وكوريا الشمالية وروسيا في موقع المستهدف لاحقا، لو نجح العدوان المتوقع نظريا على إيران، لذلك فإن تضامن هاتين الدولتين مع إيران سيكون آليّا، وهما دولتان نوويتان يخشاهما الغرب.

فهل سيبلغ الحمق الأمريكي البريطاني مبلغه، في الاستجابة لحتْفِ إسرائيل، وهي بهذه المسرحية السيئة الإخراج تحفر قبرها بيدها، وأجل زوالها كما احتمله قائد الثورة الإسلامية الإمام الخامنئي ما يزال زمنيا بعيدا نوعا ما، فهل تقرّبه عجرفة الغرب الصهيوني، فنرى السقوط المدوّي والسّريع لكيان عنصريّ، طالما تآمر علينا نحن المسلمون، فنفرح ويسعد الشعب الفلسطيني بتحرّره من أسوأ استعمار عرفته البشرية؟

راعوا أنفسكم أيها الكارعون(5) في مستنقع الحمق، فإيران ليس من عادتها ضرب أهداف مدنية.

المصادر

1 – إيران تنفي تورطها في الهجوم على ناقلة نفط تديرها شركة إسرائيلية قبالة سلطنة عمان  https://www.france24.com/ar/

2 – التايمز: احتجاز ناقلة نفط بريطانية يزيد احتدام الصراع في الخليج

https://www.bbc.com/arabic/inthepress-49054704

3 – الحرس الثوري الإيراني ينفي ضلوعه في أي حادث بحري بخليج عمان

https://arabic.rt.com/world/1258523

4 – بعد هجوم الناقلة.. 4 سيناريوهات للرد “الجماعي” على إيران

https://www.skynewsarabia.com/world/1454903

5 – كرع يكرع كرعا: مدّ عنقه وتناول الماء بفمه مثل السّوائم.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى