كيف ساهمت التراخيص وكراسات الشروط في تخلف المهن وتعفين محيط الاستثمار؟

 لا يخفى على اصحاب المهن والمستهلكين لخدماتهم أن الرئيس المخلوع وباشارة من الوزراء الفاسدين والجهلة المحيطين به بادر سنة 2001 بتخريب المهن من خلال حذف التراخيص المتخلفة اصلا المتعلقة بعديد المهن والانشطة الاقتصادية وتعويضها بكراسات شروط اكثر منها تخلفا وفسادا خالية من ادنى الشروط العلمية والمهنية والاخلاقية.

وقد برر الفاسدون صلب الادارة تلك الخطوة التخريبية بتبسيط الاجراءات الادارية مثلما هو الشان الان. تلك المبادرة الاجرامية الفاسدة جاءت لسحب البساط من تحت المنظمات الدولية لحقوق الانسان التي كانت تندد بالممارسات الاجرامية والقذرة للرئيس المخلوع ونظامه الذي يحرم المعارضين من حقهم في العمل والارتزاق من خلال حرمانهم من الحصول على التراخيص المتعلقة بالمهن والانشطة الاقتصادية. من لا يعرف ان كراسات الشروط الفاسدة التي تمت صياغتها من قبل الفاسدين والجهلة صلب الادارة والتي جاءت مخالفة بصفة صارخة للفصل 3 من الامر عدد 982 لسنة 1993 المتعلق بضبط العلاقة بين الادارة والمتعاملين معها كما اكد ذلك مجلس المنافسة خلال سنة 2009 خربت المهن وجعلتها متخلفة وكرست الفوضى والتحيل والغش وعفنت محيط الاستثمار وخير مثال في ذلك ما يسمى بمكاتب التكوين ومهنة المستشار الجبائي التي تحضى بعناية جد فائقة عبر العالم وبالاخص داخل الاتحاد الاروبي وكذلك البلدان الافريقية. كان من المفروض تنظيم كل المهن والانشطة الاقتصادية بقوانين متطورة تضمن الشروط العلمية والمهنية والاخلاقية مع منح المهنيين سلطة الاشراف على مهنهم حتى لا تعم الفوضى والتحيل والتخلف مثلما نلاحظه بكل مرارة اليوم في الوقت الذي يطبل فيه الفاسدون والخونة للمزايا التي سوف تتاتى من اتفاق التبادل الحر الشامل والمعمق الذي سوف يلحق اضرارا جسيمة بقطاعي الفلاحة والخدمات. كان من المفروض ملاءمة التشريع المهني التونسي مع التوصية الاروبية المتعلقة بالخدمات المصادق عليها من قبل البرلمان الاروبي في 12 ديسمبر 2006 عوض العمل على تخريب المهن والتفرج على القوانين الفاسدة والتنكيل بالمهن وباصحابها مثلما هو الشان الان بالنسبة لمهندسي الفضاءات الداخلية او الفضاءات الخضراء او مخططي المدن. ويبدو ان بعض الفاسدين صلب الادارة من الذين يتمعشون من دم ولحم دافعي الضرائب برروا سعي وزاراتهم اليوم لتعويض التراخيص المتبقية بكراريس شروط بالضغط الممارس من قبل الاتحاد الاروبي وهذا محض كذب سافر لا يصدقه الا فاسد ومخرب ومتخلف. هل يعقل ان يتم تنظيم مكاتب المراقبة الفنية التي ينخرها الفساد بكراس شروط خالي من ادنى الشروط؟ وهل يعقل ان يمارس الاتحاد الاروبي ضغوطات على تونس لتكريس الفوضى والتخلف والانحطاط والفساد والتحيل والغش وفسح المجال للدجالين لكي يباشروا كل المهن والانشطة الاقتصادية على مراى ومسمع الجميع دون رادع مثلما هو الشان الان طالما ان الادارة المكلفة بالسهر على احترام التشريع المهني وتاهيل المهن قبل تحريرها ينخرها الفساد؟

 

ففي تجاهل تام لحقوق المستهلكين والمهنيين على حد سواء ولمحيط الاستثمار اتخذ القرار سنة 2001 بحذف أغلب التراخيص المتعلقة بمباشرة عدد هام من الأنشطة الاقتصادية والمهن وتعويضها بكراريس شروط وذلك في إطار تبسيط الإجراءات الإدارية حسب رأي الجهلة والفاسدين من انصار الفوضى والتحيل والسمسرة والتخلف. السؤال الذي يطرح نفسه علينا بإلحاح ما جدوى هذه العملية التي لم تأخذ بعين الاعتبار المعايير المهنية المتعارف عليها داخل البلاد المتطورة التي نرغب في تصدير خدماتنا إليها وكذلك مشاغل أصحاب المهن نظرا لأن القوانين التي نصت على التراخيص المحذوفة متخلفة ولا تأخذ بعين الاعتبار الشروط الموضوعية التي يجب أن تتوفر في من يرغب في تعاطي المهن والانشطة الاقتصادية المعنية بتلك الكراريس التي جاءت بدون شروط، وهو ما أضر بصفة خطيرة بمصالح المهنيين والمستهلكين على حد سواء وبمحيط الاستثمار وجعل مهننا متخلفة بالنظر لما تحضى به مثيلاتها داخل البلدان المتطورة خاصة إذا علمنا أنه لم يتم الأخذ برأي أصحاب المهن والأنشطة الاقتصادية الذين هم أولى وأدرى بكيفية تطوير وتأهيل مهنهم دون الحديث عن عدد هام من المهن المهمشة وغير المنظمة بقوانين والتي يمكن ان توفر عددا هاما من مواطن الشغل كالمستشار في التصرف والخبير في الإعلامية ومهندس الفضاءات الخضراء ومخطط المدن ومهندس الفضاءات الداخلية ومقيم الممتلكات الذي تمت الإشارة إليه ضمن مجلة الشركات التجارية بخصوص الحصص العينية والمستشار الاجتماعي والمستشار المالي الذي أحكمت فرنسا تنظيم مهنته حماية للمدخرين عند سنها للقانون المتعلق بسلامة المعاملات المالية خلال سنة 2003 ومهن أخرى لا تحصى ولا تعد بالنظر لقائمة الخدمات المعنية بالتحرير الملحقة بالاتفاقية العامة لتجارة الخدمات بالمنظمة العالمية للتجارة.

 

كما أننا سنكون بذلك قد أعطينا أسبقية في المنافسة للأجانب الذين فتحنا لهم وسوف نفتح لهم سوقنا في إطار الاتفاقية العامة لتجارة الخدمات داخل المنظمة العالمية للتجارة وكذلك اتفاق الشراكة مع المجموعة الأوروبية الذي ألزمنا بإيجاد منطقة حرة للتبادل في مجال الخدمات واخيرا اتفاق التبادل الحر الشامل والمعمق. فعوض أن نسرع بتأهيل المهن على أسس علمية تضمن التخصص والخبرة والجودة العالية عند الأداء واحترام أخلاقيات المهنة والشروط المادية للممارسة أضعنا جهودنا في تعويض التراخيص الفاسدة والمتخلفة بكراريس خلت من الشروط الموضوعية المتعارف عليها في كل أنحاء العالم. كان من المفروض أن لا توجد تلك التراخيص وتوكل مهمة الإشراف على المهن والانشطة الاقتصادية لأصحابها.

 

إن تعلل الفاسدين صلب الادارة بتبسيط الإجراءات الإدارية لا يمت بصلة للفوضى التي استشرت بعد إصلاح الخطأ (الإجراء المتعلق بالترخيص) بخطأ أفدح منه بوضع هذه الكراريس التي تركت المستهلك والمهنيين في حيرة من أمرهم باعتبار أنهم أصبحوا غير قادرين على التفريق بين المؤهلين قانونا (حسب هذه الكراريس) من غيرهم من منتحلي الصفة والدخلاء والدجالين والسماسرة والمشعوذين والمتحيلين خاصة في غياب سجل وطني للمهن غير التجارية يمكن الاطلاع عليه من خلال شبكة الانترنات.

 

فاغلب تلك الكراريس لم تنص على الاختصاص والخبرة المهنية وحمل بطاقة مهنية وجدول الممارسين والتكوين المستمر ومراقبة الجودة وغير ذلك من الشروط الموضوعية، كما أن أغلبها لم ينص على آلية للتفقد والتأديب وإن وجدت فهي غير فعالة وصورية. لقد أثبتت التجربة أن مهام الرقابة والتفقد لا يمكن القيام بها إلا من قبل أصحاب المهن باعتبار أن الإدارة التي ينخرها الفساد اليوم لا تولي أية عناية لمشاغل المهنيين والمستهلكين على حد سواء مثلما يتضح ذلك من خلال كراس الشروط المتعلق بمهنة المستشار الجبائي الذي جاء مصبوغا بعدم الشرعية بحكم مخالفته الصارخة لاحكام الفصل 3 من الامر عدد 982 لسنة 1993 المتعلق بضبط العلاقة بين الادارة والمتعاملين معها.

 

فقد اكد مجلس المنافسة من خلال الدراسة المعمقة التي اجراها خلال سنة 2009 ان اغلب كراريس الشروط جاءت مخالفة بصفة صارخة لمقتضيات الفصل 3 من الأمر عدد 982 لسنة 1993 المتعلق بضبط العلاقة بين الادارة والمتعاملين معها التي نصت على ضرورة ان يضبط كراس الشروط المقتضيات اللازمة والوسائل الضرورية لممارسة النشاط والمصالح الإدارية التي يجب إعلامها بالشروع في الممارسة الفعلية للنشاط (إضافة لإدارة الجباية التي يبقى التصريح لديها ضروريا على معنى الفصل 56 من مجلة الضريبة على الدخل) والتدابير التي يتم اتخاذها في حالة مخالفة كراس الشروط، وخير مثال في ذلك كراس الشروط المتعلق بمباشرة مهنة مستشار جبائي الذي هو موضوع دعوى في تجاوز السلطة امام المحكمة الادارية والذي يصر الفاسدون صلب الادارة على عدم ملاءمته مع الامر المشار اليه اعلاه.

 

ان من يرغب في تعاطي أية مهنة داخل البلدان المتطورة عليه أن يجتاز امتحانا نظريا وتطبيقيا (أنظر التجربتين الأمريكية و الأوروبية) وهو إجراء مقبول من قبل الجميع ولا يمثل عائقا كما يزعم الفاسدون من أنصار العبث والفوضى المنظمة والفساد والابتزاز لما يوفره من ضمانات للمهنة والمستهلكين على حد سواء.

 

تبعا لما تقدم وبالنظر لتبعات اتفاق التبادل الحر الشامل والمعمق وتعفن محيط الاستثمار واستشراء الغش والتحيل ومغادرة المستثمرين الاجانب لتونس، لماذا لم تعمل الحكومة على حذف التراخيص الادارية وكراريس الشروط المتعلقة بالمهن والانشطة الاقتصادية والتي كان من المفروض احداث كتابة دولة للعناية بها ومتابعتها وتعويضها بقوانين مهنية متطورة تضمن الشروط العلمية والمهنية والاخلاقية مع منح المهنة سلطة التاديب والرقابة والحماية بعيدا عن كراريس الشروط الفاسدة والمتخلفة ؟ ايضا، لماذا لم تبادر الحكومة بفتح تحقيق بخصوص الفاسدين صلب الادارة الذين شلوا اعمال المجلس الوطني للخدمات منذ احداثه سنة 2006 وباخراج المجلس الوطني للخدمات من غيبوبته وإعادة صياغة الأمر عدد 417 لسنة 2009 المتعلق به حتى ينجز المهام الملقاة على عاتقه منذ سنة 2006 والمتمثلة اساسا في تاهيل مهن الخدمات بالنظر للمعايير الدولية والاروبية. كان على الحكومة فتح تحقيق بخصوص الفاسدين صلب الادارة الذين هم بصدد التصدي لمطالب اصحاب المهن الذين ينادون منذ عشرات السنين بتاهيل مهنهم بالنظر للمعايير الدولية وبالنظر للتوصية الاروبية المتعلقة بالخدمات المؤرخة في 12 ديسمبر 2006 مثلما هو الشان بالنسبة للمستشارين الجبائيين الذين تم تعطيل مشروع القانون المتعلق بتنظيم مهنتهم برئاسة الحكومة منذ انعقاد جلسة العمل الوزارية بتاريخ 24 جوان 2013 التي اوصت بعرضه في اقرب الاجال على مجلس الوزراء نتيجة لتدخل الفاسدين من داخل وخارج الادارة خدمة للمتحيلين والمرتشين ومنتحلي الصفة من مخربي الخزينة العامة الذين يكلفونها خسارة سنوية تقدر بعشرات مليارات الدينارات. هل يعقل ان يتم الاشهار لمنتحلي صفتي المستشار الجبائي والمحامي من قبل ممتهني المحاسبة وغيرهم من المتحيلين والسماسرة من خلال الموقع الالكتروني لوكالة النهوض بالصناعة والتجديد وهل يعقل ان تقوم تلك الوكالة بقبول تصاريح بالاستثمار تتعلق بمباشرة مهنتي مستشار جبائي ومحامي من قبل المتحيلين في دوس على القانون عدد 34 لسنة 1960 المتعلق بالموافقة على المستشارين الجبائيين والمرسوم عدد 79 لسنة 2011 المتعلق بتنظيم مهنة المحاماة؟ الا يعلم رئيس الحكومة ان اغلب مهن وانشطة الخدمات غير منظمة بقوانين ويمكن مباشرتها من قبل الجهلة والمتحيلين واصحاب السوابق وقد رفض الفاسدون صلب الوزارات المعنية تنظيمها بقوانين متطورة للحد من تعفن محيط الاستثمار وحماية مستهلكي خدماتها؟ فعلى الحكومة ان توقف التفاوض مع الاتحاد الاروبي بخصوص تحرير قطاع الخدمات في اطار اتفاق التبادل الحر الشامل والمعمق طالما ان الفاسدين صلب الادارة اصروا على شل المجلس الوطني للخدمات المحدث سنة 2006 والمكلف بتنظيم قطاع الخدمات وتاهيله وتطويره. كما عليها ان لا تسير في طريق الحكومات السابقة التي تجاهلت قطاع الخدمات مصرة على الابقاء على التراخيص وكراسات الشروط الفاسدة وساهمت في تخلفه وتخريبه مما ادى الى تعفن محيط الاستثمار واستشراء الفوضى والتحيل وتخلف المهن.

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى