صعود صاروخي للدينار التونسي على الدينار الجزائري ما السبب ؟

شهدت السنوات الأخيرة تراجعًا لافتًا في قيمة الدينار الجزائري أمام عدد من العملات، ومن بينها الدينار التونسي، الذي بات يتمتع بقوة نسبية في أسواق الصرف الإقليمية. هذا التفاوت الملحوظ بين العملتين، رغم التقارب الجغرافي والتاريخي بين البلدين، يدفع إلى التساؤل حول الأسباب العميقة وراء هذا الانهيار النسبي للدينار الجزائري مقارنة بجاره التونسي.

 1. الفارق في السياسات النقدية

تعتمد الجزائر منذ سنوات على سياسة نقدية توسعية تتسم بضخ كميات كبيرة من النقود في السوق، في محاولة لمواجهة العجز في الميزانية الناتج عن تراجع عائدات النفط والغاز. هذا التوسع النقدي، دون غطاء إنتاجي كافٍ، ساهم في ارتفاع التضخم وتآكل القدرة الشرائية للعملة الوطنية.

في المقابل، تتبع تونس سياسة نقدية أكثر تحفظًا، رغم التحديات الاقتصادية التي تمر بها، حيث يعمل البنك المركزي التونسي على ضبط الكتلة النقدية ومراقبة التضخم بنوع من الحذر النسبي، مما ساعد على الحفاظ على قيمة الدينار التونسي مقارنة بالعملات الأخرى، ومنها الدينار الجزائري.

2. هيكلة الاقتصاد: الريع مقابل التنوع

يعتمد الاقتصاد الجزائري بشكل كبير على صادرات المحروقات، ما يجعله عرضة لتقلبات أسعار النفط والغاز في الأسواق العالمية. وعند هبوط الأسعار، تتراجع مداخيل الدولة، وينعكس ذلك سلبًا على قيمة العملة الوطنية.

أما الاقتصاد التونسي، ورغم مشاكله البنيوية، إلا أنه يتمتع بقدر أكبر من التنوع، حيث تساهم قطاعات مثل السياحة، الفلاحة، والصناعات التحويلية في تغذية الاقتصاد بالعملات الصعبة، مما يوفر نوعًا من الدعم للدينار التونسي.

3. السوق السوداء وتعدد أسعار الصرف

في الجزائر، يوجد فارق كبير بين سعر صرف الدينار الرسمي وسعره في السوق السوداء، خاصة أمام العملات الأجنبية كاليورو والدولار. هذا التعدد في أسعار الصرف يخلق بيئة غير مستقرة ويؤثر سلبًا على الثقة في العملة الوطنية، بعكس تونس التي لا تعرف نفس المستوى من الفجوة في أسعار الصرف.

4. قيود التحويل وصعوبة الوصول إلى العملة الصعبة

يعاني الجزائريون من قيود صارمة على تحويل الدينار إلى عملات أجنبية، وهو ما يدفع الأفراد والشركات إلى اللجوء للسوق الموازية للحصول على العملات الصعبة، ما يزيد من الضغط على قيمة الدينار. أما في تونس، فرغم وجود بعض القيود، فإن الانفتاح النسبي للأسواق ساهم في الحد من ظاهرة السوق السوداء.

 5. ثقة المستثمرين والبيئة الاقتصادية

تلعب الثقة دورًا أساسيًا في تحديد قوة العملة. في هذا السياق، تعاني الجزائر من مناخ اقتصادي يتسم بالغموض والبيروقراطية، ما يدفع العديد من المستثمرين إلى الحذر أو العزوف عن ضخ الأموال. أما تونس، فرغم الصعوبات، فإنها تبذل جهودًا لتحسين مناخ الأعمال وجذب الاستثمارات الأجنبية.

خلاصة

إن انهيار الدينار الجزائري أمام الدينار التونسي ليس نتيجة ظرفية عابرة، بل هو انعكاس لسلسلة من التحديات البنيوية والسياسات الاقتصادية المتباينة بين البلدين. ولا يمكن معالجة هذا الوضع دون إصلاحات عميقة تشمل تنويع الاقتصاد، إصلاح السياسة النقدية، وتحسين مناخ الاستثمار والثقة في المؤسسات.

 

Scroll to Top