قراءة في هجوم سوسة الإرهابي

بغاية التوضيح وتنزيل الأحداث في سياقها: يمثل الهجوم على الحرس الوطني في أكودة اليوم سادس عملية إرهابية تسجل في تونس سنة 2020. في المقابل، هذه ثاني عملية إرهابية تحدث في منطقة حضرية هذه السنة.

أما العمليات الأربع الأخرى فقد حدثت في مناطق جبلية على الحدود الغربية باستعمال عبوات ناسفة أو ألغام. من ذلك، استهداف دورية عسكرية بعبوة ناسفة في جبل المغيلة يوم 19 أفريل الماضي. في هذا الصدد، يمكن تسجيل ملاحظتين. أولا، انخفاض وتيرة الهجمات الإرهابية هذه السنة بشكل دال. ففي السنة الفارطة، تعرضت تونس إلى 29 هجوم إرهابي، وهو أدنى عدد هجمات إرهابية تعرضت له البلاد منذ سنة 2014. في هذه السنة، تعرضت تونس إلى 6 هجمات إرهابية فحسب، ولم يبقى سوى ثلاثة أشهر على نهاية السنة. ثانيا، نلاحظ أن الهجومين الإرهابيين على قوات الأمن في المناطق الحضرية، في كل من أكودة اليوم وأمام مدخل السفارة الأمريكية بالبحيرة في 6 مارس الماضي، قد نفذها أفراد من الواضح افتقادهم إلى التدريب العسكري مستعملين فيها أدوات هجوم بدائية (طعن بالسكاكين وعبوة منزلية الصنع). وذلك على عكس الهجمات السابقة في المناطق الحضرية، التي نفذها أفراد ثبت تلقيهم تدريبا عسكريا واستعملوا فيها أسلحة نارية، مثل هجومي نزل الإمبريال ومتحف باردو.

كذلك، من الملاحظ غياب أي دليل لتبني هجومي السفارة الأمريكية وأكودة من قبل أي تنظيم إرهابي، بما في ذلك تنظيم الدولة الإسلامية. وقد يفهم ذلك من باب التمويه أو إدخال اللخبطة، إلا أنه مناقض لسلوك التنظيم الإعلامي الذي سارع إلى تبني عملية التفجير الإنتحاري بشارع الحبيب بورقيبة في 27 جوان 2019. أخيرا، من الدال أن منفذي هجومي أكودة ومدخل السفارة الأمريكية، ليسوا ممن يعرفون ب”العائدين من بؤر التوتر” أو المقاتلين الجهاديين الأجانب. فلم يثبت توجه أي منهم سابقا إلى القتال خارج تونس. ومن اللافت أيضا، أن يكون أحد منفذي هجوم مدخل السفارة قد قضى عقوبة سجنية بثلاث سنوات تحت طائلة قانون الإرهاب، بينما نسجل حسب المعلومات المتوفرة راهنا أن منفذي هجوم أكودة لم يكونوا أصلا تحت عين المراقبة الأمنية. لعله من التسرع الآن القفز إلى الاستنتاجات، وقد تكشف التحقيقات مع المشتبه فيه الرابع بهجوم أكودة عن معطيات أكثر إنارة، غير أنه من الممكن سوق ثلاث خلاصات/فرضيات أولية من ما قيل أعلاه: أولا، يبرز جليا نجاح الاستراتيجية الأمنية و العسكرية في مكافحة الإرهاب، وهو ما يكشفه انخفاض نسق الهجمات الإرهابية الناجحة منذ سنة 2016. في مقابل فشل ذريع لاستراتيجية التوقي المجتمعي، لأسباب متعددة يطول شرحها. ولعل بعض اخفاقات العمل المجتمعي بصدد الانعكاس سلبا على العمل الأمني، والعكس بالعكس. ثانيا، يبدو أن الحركة الجهادية في تونس تعيش تفككا غير مسبوق منذ أواسط العقد الأول في الألفينات (بداية تشكلها الفعلي)، في حين تبدو دينامية نشاطها ذات بعد محلى وفرداني أكثر من أي وقت مضى. وهو ما تبرزه عمليتي أكودة ومدخل السفارة الأمريكية، حيث يرتبط المنفذون ببعضهم البعض من خلال شبكة علاقات فردية (أشقاء وأصدقاء) ومحلية (الإنتماء إلى حي أو منطقة) دون ارتباط واضح بشبكة تنظيمية مهيكلية وذات امتداد دولي. إضافة إلى أن دوافعهم، في غياب خطاب تبني للهجومين، تبدو ذات بعد إيديولوجي وفردي، على عكس عمليتي سوسة ومتحف باردو التي كانتا تندرجان في إطار تكتيك إنهاك الدولة الذي انتهجه تنظيم الدولة الإسلامية. تبقى فرضية ثالثة محتملة، وهي أننا إزاء فاعل جهادي راديكالي جديد (ما يعرف بالتيار الحازمي، رغم تحفظي على التسمية) مازال في حالة جيشان إيديولوجي لم يتشكل بعد في تنظيم. بالطبع، في ظل ضمور مساحات العمل الميداني حول تحولات الراديكالية الجهادية في تونس (خصوصا داخل السجون) يبقى من الصعب تجذير هذه الفرضيات تجريبيا.

 

الباحث جهاد الحاج سالم:  مركز الدراسات الاستراتيجية حول المغرب العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!