حظوظ اليسار في انتخابات 2019 : انتقل من الاختلافات الى الصراع والتشتت وحمة بات وحيدا
مثلت انتخابات 2014 الرئاسية والتشريعية ضربة موجعة لليسار التونسي خاصة اقصاه ونقصد هنا الاحزاب التي تتبنى الفكر الماركسي الصرف .
لكن حتى الاحزاب التي تصنف نفسها كونها من اليسار الوسطي او المعتدلة لم تنجح هي الاخرى لا سياسيا فقط بل وايضا شعبيا حيث تقلصت شعبيتها الى درجة ان الكثير من الاحزاب اندثرت ولم يعد لها وجود فعلي في الساحة.
في مقابل هذا فان الاحزاب المحافظة ونقصد هنا ذات المرجعية الدينية والاقرب لليبرالية استطاعت ان تكتسح الانتخابات مجتمعة وتنفرد بالسلطات كلها تشريعية وتنفيذية و نقصد هنا نداء تونس وحركة النهضة.
بالتالي قبل البحث عن حظوظ احزاب اليسار في انتخابات 2019 علينا ان نفهم لماذا نجحت الاحزاب المحافظة في مقابل فشل اليسار رغم انه يرفع شعارات الدفاع عن المواطن وكونه ضد تغول واستغلال رجال الاعمال او ما يصفه بالرأسمالية المتوحشة؟
الامر يختلف بين النهضة والنداء فالأولى لعبت طويلا على وتر الهوية والدين وكونها ممثلة للاسلام وضامنة له وهو ما خدمها كثيرا في انتخابات 2011 وحتى 2014 وربما الآن .
اما نداء تونس فقد استفاد من “ماكينة” ضخمة جاءت خلفه هي معادية للنهضة والاسلام السياسي بصورة عامة ولكنها ضمت عناصر وأطرافا فاعلة من رجال اعمال وسياسيين ومثقفين الى درجة ان الكثيرين وصفوه حينها بكونه نادي انتخابي سياسي وليس حزبا.
الارتباك عند اليسار
بدا اليسار التونسي خلال انتخابات 2014 مرتبكا جدا في خياراته ومواقفه فهو وان رفع شعار التضاد مع الرأسمالية و “السيستام” القديم الا انه دعم نداء تونس قبل الانتخابات ودخل في تحالف معه لكنه انفصل عنه ودبت الخلافات بينهما عندما فرض الباجي قائد السبسي رأيه ورفض التقدم بانتخابات مشتركة مع اليسار او الجبهة الشعبية والمقصود قائمات انتخابية بينهما رغم انهم وعدوا بذلك.
هذا الأمر حصل بعد اجتماع باريس المعروف بين قائد السبسي مؤسس النداء وراشد الغنوشي رئيس او زعيم النهضة حيث انتقل تحالف النداء من الجبهة اليسارية الى النهضة الاسلامية.
انتخابات 2019
بالنسبة لانتخابات 2019 فان الكثير من الامور تغيرت فيها وما يعنينا هنا اليسار حيث وصل درجة من التشرذم والتفكك غير مسبوقة بل هي لم تحصل حتى في سنوات الجمر.
هناك اسباب ظاهرة لهذا منها غلبة النزعة “الزعاماتية” خاصة من قبل حمة الهمامي الذي فرض مواقفه على الجبهة ممثلة اليسار وهو ما جنت منه خسائر فادحة لكن رغم ذلك فانه لم يتراجع او يعترف.
السبب الجوهري لضعف اليسار هو وضعية التكلس والجمود وعدم التجديد لا في الافكار ولا في الاشخاص فالوجوه هي نفسها لينضاف الى هذا تبلور صورة لدى الرأي العام كون اليسار مرتبط دائما بالرفض والعرقلة ووضع العصا في العجلة.
بالتالي فان اليسار عموما يدخل انتخابات 2019 بحظوظ اقل مما كانت عليه في انتخابات 2014 والسؤال: هل وجدت حلول لذلك؟
قبل البحث عن الحلول هناك مرحلة اخرى لم تتحقق وهي التوجه نحو نقد الذات والمراجعات وهي غير موجودة في قاموس اليسار ككل بما في ذلك التونسي الذي مازال يتعامل مع السياسة في 2019 بمنطق وعقلية التحركات والنضال الطلابي والنقابي في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي .
في هذه الانتخابات بدا حمة الهمامي الذي كان رمز اقصى اليسار وحيدا فالماكينة التي دعمته في انتخابات 2014 تشتت بشكل كبير والامر يتجاوز كونها انقسمت بينه وبين المنجي الرحوي بل كثير منها سار في اتجاهات اخرى.
محمد عبد المؤمن