جريمة ارتكبتها القناة الوطنية التي ندفع لها غصبا عنا ليلة رأس السنة

كتب عامر بوعزة على صفحته معلّقا على غياب حفلة “الريفيون” على شاشة القناة الوطنية ليلة أمس:

لأول مرة منذ تأسيسها لم تحتفل التلفزة الوطنية باستقبال العام الميلادي الجديد. البعض وصف الأمر بالفضيحة، لكنني أفضل استخدام لفظ الجريمة.

على امتداد أكثر من ستين عاما ظلت هذه المناسبة واحدة من المحطات التلفزيونية المفضلة لدى العائلات التونسية، من جيل إلى آخر كانت الشاشة الصغيرة ليلة رأس السنة تحرص على تقديم منوعة استثنائية ينتخب لتنشيطها أفضل المنشطين، بل يتنافس هؤلاء للفوز بها قبل شهور طويلة، وكان الذين تعوزهم الإمكانيات لارتياد الفنادق لا يجدون ضالتهم إلا في التلفزيون العمومي، من يريد أن يتأكد يمكنه العودة إلى أرشيف التلفزيون ليرى ماذا فعل الرواد..

اليوم ونحن نستقبل العام 2022 في ظروف نفسية أقل ما يقال عنها إنها صعبة، خيرت التلفزة العمومية التي ندفع لها إتاوة شهرية (غصبا عنا) أن تغلق أبوابها وتسرح موظفيها باكرا كي يعود كل واحد منهم إلى بيته بعلبة مرطبات ويتفرج في حفلات التلفزيونات الخاصة، بضمير بارد وقلب ميّت. نعم خيّرت التلفزة ولحكمة نجهلها أن ترتاح ليلة رأس السنة وتضع حفلات مسجلة، وألقت على شماعة الإمكانيات مسؤولية التقصير والكسل، وقعود الهمة، والفشل.

لم تكن التلفزة يوما غنية بأموالها، بل بإرادة أبنائها وعزيمتهم. لكنها اليوم وفي ظل منافسة شرسة مع قنوات القطاع الخاص، خيرت الانسحاب وعدم خوض المعركة، كمن ألقى سلاحه في الميدان، كمن ركع على قدميه أو لوّح بالراية البيضاء من بعيد، هكذا بكل بساطة ترك التلفزيون الكعكة كاملة لمنافسيه ولم يقضم منها ولو قليلا..

ليست المشكلة في الميزانية، فكل أبناء المهنة يعرفون أن مثل هذه المناسبات يمكن بيعها مسبقا، هذا ما يفعله الخواص وينجحون فيه وليس في الأمر معجزة أو خارقة من الخوارق، يكفي لذلك أن تكون الخطة جاهزة قبل أشهر حتى يمكن التفاوض مع الشركات والتعاقد مع الضيوف، ثم إن التذرع بعدم جاهزية الأستوديو قد يقنع مسؤولا حكوميا طارئا على العمل السياسي ويمكن (برولته) بكلمتين من هذا القبيل، لأن أفضل المنوعات التي تحتفظ بها التلفزة في أرشيفها وتقتات منها بلا كلل ولا ملل، تم تصويرها في الفنادق وفي الفضاءات التجارية الكبرى، سيقول بعضكم ذاك زمن نجيب الخطاب، وأقول لا، ذاك زمن كان يمكن للإدارة فيه أن تجند كل طواقمها للعمل، أما اليوم فهي لا تستطيع أن تفرض على عشرة أشخاص المداومة الليلية الاستثنائية.

ما فعله التلفزيون العمومي ليلة رأس السنة الإدارية نموذج عملي أمام كل يدافع بشراسة عن المرفق العمومي ويعتبره (مفخرة). لقد سلم جمهوره على طبق من ذهب لمنافسيه هؤلاء الذين مهما اجتهدوا لا يمكنهم التخلي عن الرداءة والإسفاف، في ذلك الوقت كانت تلفزة الشعب تعيد بث فيلم (شوف لي حل) وتقطع الصوت كلما همّ أحد الممثلين بنطق سنة 2009، أرأيتم غباء أكثر من هذا؟؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى