جبريل عليه السلام: قائد الملائكة وأكثرها قوة …منزل الوحي ومعذب الأمم بقوة رهيبة لا يملكها غيره من المخلوقات
يعد جبريل عليه السلام من الملائكة المقربين من الله عز وجل لذلك خصه بما لم يخص به غيره.
فان كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرب خلق الله اليه من البشر فان جبريل هو الاقرب لله من الملائكة.
جبريل عليه السلام هو حامل الوحي من الله للرسل وهو ايضا الذي يكلف من الله بتنزيل العذاب على الكافرين والمفسدين والأمم.
ومما يروى في الاثر ان قوة جبريل عظيمة جدا وانه يعد اقوى المخلوقات التي خلقها الله على الاطلاق بل انه يتميز بقوة رهيبة لا يقف في وجهها شيء فهو قادر على ابادة مدن وقرى بضربة واحدة او نفخة كما حصل مع اقوام مثل عاد وثمود واصحاب الايكة وغيرهم.
كما أن بإمكانه نسف مناطق كاملة بسكانها دون ابقاء أي اثر لها ولهم مثلما حصل مع قوم لوط.
ومن الصفات والمواصفات التي يتميز بها جبريل وفق ما ذكر في القرآن:
♦ العلم: جبريل عليه السلام هو مُعلِّم أعلمِ النَّاس، وهم الأنبياء، قال تعالى في حقِّ رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم: ﴿ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى ﴾ [النجم: 2 – 6]، فالذي علَّم محمدًا صلى الله عليه وسلم هو جبريلُ عليه السلام.
كما نزل جبريلُ عليه السلام بـ”التوراة” على موسى عليه السلام، ونزل بـ”الزَّبور” على داود عليه السلام، ونزل بـ”الإنجيل” على عيسى عليه السلام؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((أَقْرأني جبريلُ على حرفٍ، فلم أزل أستزيدُه حتى انتهى إلى سبعة أحرُف))[1].
♦ القوة الهائلة: حيث وصف القرآن العظيم جبريلَ عليه السلام بقول الله جل جلاله: ﴿ ذِي قُوَّةٍ ﴾ [التكوير: 20]، وأول وأهمُّ ما يحتاج إليه جبريل عليه السلام من القوة التي تساعده في أداء ما خُلقَ من أجلِه – ذلك في استماعه لكلام الله جلَّ جلاله؛ لأنه يَحتاج إلى قلبٍ راسِخ وقوَّة خلْقيَّة عظيمة، وثباتٍ لا يُشبهه ثبات؛ لأن الملائكة تلك المخلوقات النورانيَّة الهائلة حين تسمع كلامَ الله جل جلاله إذا تكلَّم سبحانه وتعالى بالوحي يُغشى عليها مِن هَوْل الموقف وعظَمته؛ قال تعالى: ﴿ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ﴾ [سبأ: 23]، فالملائكةُ تفزع إذا سمعَت الوحيَ، ثم يُغشى عليها، ثم يرفعه اللهُ جل جلاله عنها، وقال تعالى في حقِّ جبريل عليه السلام: ﴿ ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى ﴾ [النجم: 6]، و﴿ ذُو مِرَّةٍ ﴾؛ أي: شديد الخَلْق، شديد البَطْش والفعل.
وإنَّ الله جلَّ جلاله قد وصف نفسَه بالقوي، وهو ذُو القوَّة، وأن القوَّة كلها لله جلَّ جلاله، قال تعالى: ﴿ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ ﴾ [البقرة: 165]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾ [الذاريات: 58]، وهو أعلم جلَّ جلاله كم أعطى لجبريل عليه السلام من قوَّةٍ؛ لتتناسَب مع حَجْم المهامِّ الموكَلة إليه؛ لذلك وصف الله جبريل عليه السلام بأنه شديد القوى؛ قال تعالى: ﴿ عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ﴾ [النجم: 5]؛ أي: إن الذي علم محمدًا صلى الله عليه وسلم هو جبريلُ وهو شديد القُوى.
ومِن عظَمة جبريل عليه السلام وقوَّته وعلوِّ مكانتِه عند الله جلَّ جلالُه – فإن الله جلَّ جلاله يذكُره عليه السلام في القرآن الكريم، ثمَّ يعطف عليه الملائكةَ، فكأنه عليه السلام في كفَّةٍ والملائكةُ في كفَّة؛ قال تعالى: ﴿ يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا ﴾ [النبأ: 38]، وقال تعالى: ﴿ تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ﴾ [المعارج: 4]، وقال تعالى في حقِّ ليلة القدر: ﴿ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ﴾ [القدر: 4]، والرُّوح هنا هو جبريل عليه السلام.
كما أنَّ خلقَ جبريل عليه السلام كان عظيمًا؛ فإن له ستَّمائةِ جَناحٍ، وكان قد سَدَّ الأفقَ يوم رآه النبيُّ محمد صلى الله عليه وسلم على صورتِه التي خلقه اللهُ جل جلاله عليها، حتى إنه قد غُشي على النبيِّ صلى الله عليه وسلم يوم رآه على صورته أولَ مرَّة؛ فعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، قال: ﴿ لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى ﴾ [النجم: 18]، قال: “رأى جبريلَ في صورتِه له ستُّمائة جناحٍ”[2]، بينما بقيَّة الملائكة لها أجنحة وصَفَها القرآنُ الكريم في قوله تعالى: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ﴾ [فاطر: 1]،فلنا أن نقدِّر الفرقَ بين خَلْق جبريل عليه السلام وخَلْق الملائكة.
وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما، أنه سمع النبيَّ صلى الله عليه وسلم، يقول: ((… ثم فَتَر عنِّي الوحيُ فَتْرة، فبَينا أنا أمشِي سمعتُ صوتًا من السماء، فرفعتُ بصَري قِبَل السماء، فإذا الملَكُ الذي جاءني بحِرَاء، قاعدٌ على كرسيٍّ بين السماء والأرض، فجُئِثتُ[3] منه، حتى هَويتُ إلى الأرض، فجئتُ أهلي فقلتُ: زمِّلوني زمِّلوني، فأنزل الله تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ ﴾ [المدثر: 1 – 5]))، قال أبو سلمة: و﴿ الرُّجْز ﴾: الأوثان[4].
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله: “قال بعض السلَف: منزلتُه من ربِّه منزلة الحاجِب من الملَك، ومن قوَّته أنه رفعَ مدائن قوم لوطٍ على جناحِه، ثمَّ قلَبَها عليهم، فهو قويٌّ على تنفيذ ما يُؤمر به، غير عاجزٍ عنه؛ إذ تطيعه أملاكُ السموات فيما يأمرهم به عن اللهِ تعالى، قال ابن جرير في تفسيره، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح: “أمين على أن يَدخل سبعين سرادقًا من نور بغير إِذْن”[5].
لقد أخذ السامريُّ الذي كان مع قومِ موسى عليه السلام قبضةً من ترابِ أَثَر فرَس جبريل عليه السلام حين كان حاضرًا في حادثة انشقاق البَحر لموسى عليه السلام وبَنِي إسرائيل، ونجاتهم من فرعون، فكان لتلك القبضة تأثيرٌ عجيب في الأشياء، فحين رمَاها على حليِّهم أصبحَت عجلاً جسدًا له خوار بإِذْن الله جل جلاله، فإذا كانت قبضةُ ترابٍ من أثر فرَس جبريل عليه السلام لها هذا التأثير، فكيف بجبريل نفسِه عليه السلام؟!