الذكرى الخامسة لوفاة معتمد مطماطة محسن بنعاسي : ملزومة السياسي في رثاء عشاق الكراسي

كتب الحبيب العرفاوي

في مثل هذا اليوم الموافق ل 11 نوفمبر 2017 توفي معتمد مطماطة الجديدة الأستاذ محسن بنعاسي ورئيس منطقة الحرس الوطني بالمنطقة السيد مهدي الحداد. استشهد بنعاسي والحداد وهما يسعيان جاهدين لإنقاذ تلاميذ مدرسة أم الأفّام من الغرق في يوم شهد فيضان وادي بن زلطن. ومحسن بنعاسي هو أصيل ولاية قفصة معتمدية زانوش حائز على شهادة الماجستير في تاريخ العالم المتوسطي وحضارته وكان بصدد إعداد رسالة دكتوراه في التاريخ الوسيط وقد استشهد تاركا زوجة وبنتا في عمر الزهور… رحم الله صديقي محسن بنعاسي والسيد مهدي الحداد وأسكنهما فراديس جنانه.

لا مجال اليوم للبكاء…فأمواتنا جميعهم يمقتون البكاء ” رغم أن العرب بكت بالدموع الغزار لأمر ما ” ورغم كيد الاعداء و قهر الرجال وغلبة الزمان … و قد نعجز عن الخوض في غرض الرثاء بعد أن أبدع الأدباء ولا يزالون في رثاء من يحبون عند فقدهم شعراً كان ذلك أم نثراً ، وقد حفظ لنا التاريخ العديد من هذه النماذج…

ماتت مها و فرح و ال12 رضيعا … و تخيرنا الا نذهب إلى الذي هو بين يديْ ربه بجميل الصنيع، ونقاء السريرة، وطهارة المرامي التي أفنى حياته من أجلها. فهو حي دون شك، بكل ذلك التاريخ النقي والناصع؛ ولكننا ذهبنا الى الذي هو من المُفترض أن يكون حيا بين ظهرانينا. ذلك الذي يُمارس الموت اليومي باسم الحياة و ذلك الذي تجرَّد من كل ما يدلُّ عليها، ويدلُّ على أنه بشر أساساً. إنه الحي -الميت الذي يحتاج رثاء من نوع خاص يليق به وبأدواره المُدمِّرة. رثاء يقول حقيقته في الحياة من دون زيادة أو نقصان.

مات المعتمد و الجندي و الامني كمدا…و ظل السياسي مصابا بعمى الألوان، فهو لا يرى سوى لونه، وهو يعتبر نفسه قد احتل القلوب وسيطر على النفوس وأنه وحيد زمانه وفارس ميدانه، فكثرت طلاته وملأت مطولاته الشاشات وصفحات الصحف والمجلات. ماتوا جميعهم و ماتت معهم عائلاتهم قهرا…و ظل النائب السياسي مزهوا نافخا ريشه كديوك الحبشة وكالطواويس من كل لون وجنس و نسى أنه يحمل جنسية هذا الوطن، وأن الجنسيات الثانية هي الطارئة، وأن عليه أن يولي وجهه نحو هذا الوطن… وطن بدت غائبة فيه الكلمة المسؤولة وتحول فيه الغيارى على بلدهم من الندرة والقلة فساقت جماهيره الى المسالخ بعد أن صار أصحاب المصالح يتحكمون بعباده المساكين.

استشهد محسن بن عاسي بعد صراع مع الطبيعة… وظلت الحكومة تعيش يوميا اشبه ما يكون بما عاشه الاسرائليون على ذكرى تيشعابآف التاسع من آب بالتقويم العبري، ذلك اليوم المشؤوم لدى بني اسرائيل لارتباطه بخراب الهيكل الاول والثاني المزعومين حيث قاموا بوضع حجر الأساس ليكون تخليدا لشؤمهم المستديم… فحتى في الفرح الشحيح ثمة غول السياسي يخرّب بأظلافه وأنيابه زهو الدولة العابر، وابتساماتها المؤقتة، واستقرارها الكاذب، وهدوءها المصطنع ، ورفاهيتها الفادحة.

ماتوا جميعا فجأة… و ظل يردد تارة على مسمعنا المقولة الشهيرة لجيفارا :”مثل الذي باع بلاده وخان وطنه كمثل الذي يسرق من بيت أبيه ليطعم اللصوص فلا أبوه يسامحه ولا اللص يكافئه” و طورا يورد الكلمة الخالدة لأمير عبد القادري الجزائري و التي يقول فيها :” لو جمعت فرنسا سائر اموالها و خيرتني بين ان اكون ملكا عبدا او ان اكون فقيرا معدما لاخترت ان اكون حرا فقيرا” و لكن هيهات اسمعت لمن ينادي حيا و لكن لا حياة لمن تنادي …

مات سامي المرابط شهيدا نحسبه عند ربه … دون يقرأ السياسي كتاب جيوش الظل لصاحبه الأستاذ باسل يوسف النيرب … كتاب صدر عن دار العبيكات الرياض، اورد فيه مؤلفه أهم الشركات و الشخصيات و الدول العاملة في الارتزاق ، مشيرا أن هذه الشركات تعيش في مناخ سياسي مضطرب، أين تضطر إلى توظيف رجال لهم قابلية لارتكاب جرائم ضد الإنسانية و انتهاك حقوق الإنسان و تعذيب الشعوب و قهرها و نهب خيرات بلدانها …

ماتوا كلهم  تعبا … وظل الوزير السياسي كل ليلة أساطير الشعوب القديمة كالجورك و السيخ و الهنود عند البريطانيين و سكان أمبوتيا بهولندا عند الهولنديين، و القوقاز عند الروس، و جيوش الدمى من منغوليا و الصين واندونيسيا وبورما عند اليابانيين، شعوب يُعرفون بلا مبالاة كاملة ، انتهازيون على أعلى مستوى ، ولاؤهم الوحيد لأنفسهم ثم الشخص الذي يدفع لهم، أما الوطنية أو الشرف أو حتى معاني الديمقراطية فهي مفاهيم لا يؤمنون بها . مات المعتمد و غير المعتمد دون رجعة.. وظل السياسي مغالطا كاذبا على الشّعب مذكرنا بحادثة جريدة “إيفننج ستار” الإنقليزية التي أعلنت في 31 مارس سنة (1746) أن “غداً – أول أفريل – سيقام معرض حمير عام في غرفة الزراعة لمدنية (أسلنجتون) الإنقليزية، وأن رئيس وزراء بريطانيا يدعو جميع البريطانيين لمشاهدة المعرض مجاناً”، فهرع الناس لمشاهدة تلك الحيوانات، واحتشدوا احتشاداً عظيماً، وظلوا ينتظرون فلما أعياهم الانتظار سألوا عن وقت عرض الحمير، فلم يجدوا شيئاً فعلموا أنهم إنما جاؤوا يستعرضون أنفسهم فكأنهم هم الحمير…

مات من و من …و ظلت ملامح السياسي تقترب اكثر من أي وقت مضى من الشخصية الكرتونية «بينوكيو» ذلك الطفل الذي يزداد أنفه طولاً كلما كذب، مات بن عاسي و الجندي و الامني و الشاب الحارق و الجارف غيرهم كثر كمدا و قهرا و ضغطا و هرسلة و قد تركوا فينا نداء قالوا فيه أيها الناس استيقظوا فقد طال نومكم، إن أغلب من يتحكم فيكم لا يقدس الوطن وإلا ما معنى أن نصل الى حافة الهاوية بغباوة بعض أناس مصابين بعمى الألوان… كلهم استشهدوا وقد اوصون ألا نرثهم …و إنما نرثي دولة هي في ترتيب الضياع والغياب والتخلُّف والارتهان والانشداد لمن يصنع نهاياتها. دولة في الرتْبة ما بعد الأخيرة بين الأمم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى