الأسعد الذوادي يكتب لكم / المستشارون الجبائيون : عن أي عدالة انتقالية يتحدث الفاسدون وأعداء حقوق الإنسان ؟

أصيب المستشارون الجبائيون بخيبة امل كبيرة حين علموا ان عريضتهم المعللة والموثقة المرفوعة امام هيئة الحقيقة والكرامة رفضت لأسباب لا زالوا يجهلونها، علما انهم لم يتسلموا اي وثيقة بهذا الخصوص. ويرجح البعض منهم سبب ذاك الرفض الى عدم التعامل بجدية مع عريضتهم والنظر فيها من قبل محامين في وضعية تضارب مصالح. ويتمثل الانتهاك الجسيم الذي تعرضوا له بمقتضى القانون الفاسد عدد 11 لسنة 2006 في حرمانهم من حقهم في العمل امام المحاكم الجبائية الذي مارسوه طيلة 45 سنة دون قيد او شرط بمقتضى القانون عدد 34 لسنة 1960 المتعلق بالموافقة على المستشارين الجبائيين الذي تم نقله عن التشريع الاروبي وبالاخص الفرنسي.لا يخفى على العارفين بمهنة المستشار الجبائي أن الفصل الأول من القانون عدد 34 لسنة 1960 المتعلق بالموافقة على المستشارين الجبائيين الذي لا زال ساري المفعول كقانون دولة، مثلما اكدت ذلك المحكمة الادارية برايها الاستشاري عدد 495 لسنة 2006، والذي تم نقله عن التشاريع الاروبية يسند للمستشار الجبائي  مهمة الدفاع على حقوق المطالبين بالضريبة أمام المحاكم الباتة في النوازل الجبائية بغض النظر عن مبلغ النزاع :”إن جميع الشركات أو الأشخاص الماديين الذين تقتضي مهنتهم القيام بالموجبات الجبائية لفائدة المطلوبين ومدهم بيد المساعدة والنصائح أو الدفاع على حقوقهم لدى الإدارة الجبائية أو المحاكم التي تبت في النوازل الجبائية يعتبرون كمستشارين جبائيين سواء أكان قيامهم بتلك المهنة بصفة أصلية أو ثانوية”. اما الفصل 10 من نفس القانون، فقد نص على ان المحامي يقوم بصفة ثانوية بمهام المستشار الجبائي :”ان أحكام هذا القانون لا تنطبق على الأشخاص الذين يباشرون مهنة محام و يقومون بصفة ثانوية بمهمة مستشار جبائي”. وقد باشر المستشار الجبائي المهام المشار إليها اعلاه طيلة 45 سنة  دون قيد او شرط. في هذا الاطار، تجدر الاشارة الى ان قانون 1960 تم نقله عن التشريع الاروبي، علما ان المستشار الجبائي الاروبي مسموح له بالدفاع امام المحاكم الجبائية بالمانيا والنمسا وايطاليا وهولندا وتشيكيا وسويسرا وروسيا ولاتفيا وغيرها من البلدان وكذلك امام محكمة العدل الاروبية المختصة بالنظر في القضايا الجبائية المرفوعة ضد دول الاتحاد التي لا تحترم التوصيات الاروبية الجبائية. اما بافريقيا، فيكفي الاطلاع على التشريع الكامروني وكذلك التشريع المعمول به داخل اتحاد وسط افريقيا الذي يضم ستة بلدان لمعرفة ان المستشار الجبائي مؤهل للدفاع عن المطالبين بالضريبة امام المحاكم وكذلك بالقيام بالاختبارات العدلية في المادة الجبائية.

 

فقد كان المستشار الجبائي  ضحية للفساد الإداري والسياسي والصفقات المشبوهة منذ عشرات السنين وبالأخص خلال سنة 2006 عند الإعداد للقانون عدد 11 لسنة 2006 في ظروف يشوبها الفساد والمغالطة والزور علما ان تلك المظلمة شاركت فيها عديد الاطراف التي هي في وضعية تضارب مصالح وبالاخص وزير العدل واعضاء لجنة التشريع العام بمجلس النواب الذين ينتمون لمهنة المحاماة المعروفة بعدائها الشديد لمهنة المستشار الجبائي مثلما يتضح ذلك من خلال مداولات مجلس النواب الواردة بالرائد الرسمي لمجلس النواب عدد 15 لسنة 2006.

 

فلا احد بامكانه ان ينكر ان المستشار الجبائي كان ضحية للتعسف في استعمال السلطة الذي تم تعريفه صلب إعلان مبادىء العدل الأساسية المتعلق بضحايا الجريمة والتعسف في استعمال السلطة الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجب قرارها المؤرخ في 29 نوفمبر 1985 وذلك من خلال الاستيلاء على مجال تدخله والتضييق عليه والحقا ضرر معنوي واقتصادي به بمقتضى القانون عدد 11 لسنة 2006 الذي يلزم المطالب بالضريبة بتعيين محام في القضايا التي يفوق فيها مبلغ النزاع 25 ألف دينارا والذي سن في ظروف مشبوهة وفاسدة باستعمال المغالطة والكذب والزور وقلب الحقائق والتعسف في استعمال السلطة من قبل وزير حقوق الإنسان آنذاك، علما ان ذاك القانون الذي جاء مخالفا انذاك للفصول 5 و6 و7 و32 من دستور 1959 كرس حالة من التمييز بين المتقاضين لا مبرر لها وحرمهم من ان يتم الدفاع على مصالحهم من قبل المختصين دون سواهم في خرق للفصل 26 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

 

وقد استبسل آنذاك وزير حقوق الإنسان أمام البرلمان لتمرير ذاك القانون الفاسد الذي انتهك حقوق المستشارين الجبائيين وكذلك المتقاضين وذلك من خلال التأكيد على أن “المسالة تتعلق بتجسيم قرار الرئيس المخلوع المتخذ بمناسبة 7 نوفمبر 2002 لفائدة المحامين” والحال ان ذلك محض كذب لان ذاك القرار لم يوص بالتضييق على المستشارين الجبائيين. كما كذب مرة ثانية مثلما اوضحت ذلك المحكمة الادارية من خلال رايها الاستشاري عدد 495 لسنة 2012 حين رد على احد النواب :”أود أن أوضح هنا بان قانون 14 ديسمبر 1960 الذي نظم مهنة المستشار الجبائي لم ينص صراحة على ان من مهام المستشار الجبائي نيابة الأشخاص أمام المحاكم…”( الرائد الرسمي لمداولات مجلس النواب عدد 15 لسنة 2006). ايضا كذب وزير حقوق الإنسان مرة ثالثة في رده على احد النواب حين أكد أن الوزارة تحاورت مع المستشارين الجبائيين. أما الكذبة الرابعة، فتتمثل في التأكيد على ان نسبة القضايا الراجعة للمستشارين الجبائيين لا تتجاوز 4 % والحال ان ذلك فيه مغالطة كبيرة اذ انه لم ياخذ بعين الاعتبار عدد المستشارين الجبائيين مقارنة بعدد المحامين  ولو قام بذلك لتبين ان عدد القضايا الراجعة للمستشارين الجبائيين أكثر من تلك الراجعة للمحامين دون التطرق الى مسالة التخصص والإلمام بالمادة الجبائية، علما ان المحامين الذين يتدخلون في القضايا الجبائية بحكم عمل اغلبهم داخل ادارة الجباية يعدون على الاصابع. اما الكذبة الخامسة فتتمثل في عدم تواجد المستشارين الجبائيين بكل الولايات.

 

وقد استعمل وزير العدل وحقوق الإنسان والبعض من مساعديه كل الطرق والوسائل القذرة للتنكيل بالمستشارين الجبائيين واستهدافهم في مجال تدخلهم وآخرها المذكرة عدد 2007/2/670 الصادرة عن المتفقد العام بتاريخ 31 ماي 2007 التي أوصى من خلالها القضاة بعدم قبول المستشارين الجبائيين في القضايا التي يفوق فيها مبلغ النزاع 25 ألف دينارا عندما لاحظ ان بعض المحاكم قبلت بنيابة المستشارين الجبائيين باعتبار ان قانون مهنتهم الذي هو نص خاص واساسي لم يتم إدخال تحويرات عليه بمقتضى القانون عدد 11 لسنة 2006. الأدهى والأمر في تلك المذكرة المهزلة التي اعتبرتها المحكمة الادارية معدومة والتي رفضت الوزارة سحبها إلى حد الان انها نصت على انه بإمكان المستشار الجبائي أن يساعد المطالب بالضريبة والمحامي في القضايا التي يفوق فيها مبلغ النزاع 25 ألف دينارا. تلك المذكرة المتناقضة تثبت أن القضاء كان يسير عن طريق التعليمات والتأويلات غير الشرعية للقانون التي تقوم بها السلطة التنفيذية.

 

وبالرجوع الى الصفحة 712 من مداولات مجلس النواب من الرائد الرسمي عدد 15 لسنة 2006، يتضح ان لجنة التشريع العام والتنظيم العام للإدارة التي يسيطر عليها المحامون التجمعيون استمعت بجلستها المنعقدة يوم 16 فيفري 2006 إلى الاستاذ عبد الستار بن موسى عميد الهيئة الوطنية للمحامين انذاك الذي كان شاهدا على تلك المظلمة الناجمة عن جريمة فساد إداري عوض ان تستمع للضحايا الممثلين في الهياكل المهنية للمستشارين الجبائيين التي لم تجد اذانا صاغية انذاك بخصوص الضرر الذي سيلحقه مشروع القانون بحق اساسي لأهل المهنة.

 

ان القانون عدد 11 لسنة 2006 جاء مخالفا للفصول 5 و6 و7 و32 من دستور 1959 آنذاك والفصول 2 و7 و14 و26 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والفصول 10 و22 و23 من الميثاق العالمي لحقوق الإنسان والفصلين 2 و6 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

 

هذا وقد اعتبرت المحكمة الادارية من خلال حكمها الصادر في القضية عدد 19899 بتاريخ 30 نوفمبر 2011 المنشور الصادر عن وزير العدل معدوم الوجود والاثر مؤكدة ان ذاك المنشور فيه تدخل سافر في شؤون القضاء. كما اكدت في العديد من قراراتها انه يبقى بامكان المستشار الجبائي الحضور في القضايا التي يتجاوز فيها مبلغ النزاع 25 الف دينارا ولكن شريطة حضور محام الى جانبه.

 

كما ان الراي الاستشاري عدد 495/2012، الصادر عن المحكمة الادارية بتاريخ 6 اوت 2012 بخصوص مهام المستشار الجبائي، اكد على ان مهام المستشار الجبائي لا تاثير للقانون المنظم للمحاماة عليها وانما تبقى مرتبطة بالقوانين الاجرائية. تبعا لذلك، اعترف وزير المالية بتلك المظلمة الشنيعة من خلال جوابه الموجه بتاريخ 19 جويلية 2016 لعضو مجلس نواب الشعب فتحي الشامخي وقد تقدم في اطار مشروع قانون المالية لسنة 2016 بمبادرة لتحوير الفصلين 57 و67 من مجلة الحقوق والإجراءات الجبائية حتى يتمكن المستشار الجبائي من استرجاع حقه في التدخل امام المحاكم الذي سلب منه في ظروف فاسدة وتعفى المؤسسة من تحمل اعباء زائدة من شانها الاضرار بقدراتها التنافسية الا ان تلك المبادرة تم اسقاطها داخل مجلس الوزراء بتدخل من المحامين كما اعترف بذلك وزير المالية من خلال جوابه وذلك عملا بقانون الغاب “حوت ياكل حوت قليل الجهد يموت”. وعملا بقانون الغاب، تم الى حد الان تعطيل مشروع القانون المتعلق بتنظيم المهنة بالنظر للمعايير الاروبية المعد منذ سنة 1994 والذي كان من المفروض عرضه على مجلس الوزراء في غرة اوت 2018 وذلك بتدخل من الفاسدين واعداء المهنة، علما ان جلسة العمل الوزارية المنعقدة بتاريخ 24 جوان 2013 اوصت بعرضه على مجلس الوزراء في اقرب الاجال.

هذا وقد اكدت لجنة حقوق الانسان التابعة للامم المتحدة من خلال فقهها القار انه لا يجب تكريس حالة من التمييز بين المتقاضين في نفس الاجراءات  وبغض النظر عن المبلغ المتنازع عليه (اقل واكثر من 25 الف دينارا) مثلما نص على ذلك الفصل 21 من الدستور والفصل 26 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. كما لا يجب الحد من حقوق المستشارين الجبائيين الواردة بالفصل الاول من قانون مهنتهم مثلما نص على ذلك الفصل 49 من الدستور الجديد. ايضا، يجب تمكين المتقاضين من محاكمة عادلة ومنصفة يدافع خلالها على حقوقهم الخبراء في المجال الجبائي دون سواهم مثلما نص على ذلك الفصل 108 من الدستور والفقرة الاولى من الفصل 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. كما انه يجب توفير سبل تقاضي وتظلم وانتصاف لفائدة المستشارين الجبائيين كما اقتضت ذلك احكام الفصل 2 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية باعتبار ان حرمانهم من ممارسة حقوقهم تم بمقتضى نص تشريعي فاسد ونتيجة لفشل مسار العدالة الانتقالية المشار اليه بالفقرة 9 من الفصل 148 من الدستور. ايضا، تم تجاهل العرائض المرفوعة بهذا الخصوص امام الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد نتيجة لتضارب المصالح رغم ان الحجج والمؤيدات المقدمة تثبت ان المسالة تتعلق بملف فساد خطير. اما الاعتراض المقدم في الاجل لهيئة الحقيقة والكرامة قبل ان تغلق دكانها، فلم يتم الرد عليه ولا يعرف ماله الى حد الان. ونظرا لعدم تركيز المحكمة الدستورية وفشل مسار العدالة الانتقالية الذي اهدر من خلاله المال العام لم يتمكن المستشارون الجبائيون من استرجاع حقهم في العمل وفي ممارسة مهامهم المضبوطة بمقتضى الفصل الاول من قانون 1960 الذي لا زال ساري المفعول كقانون دولة. تبعا لما تقدم، من هي الجهة المختصة للنظر في قضايا ضحايا العدالة الانتقالية وهيئة الحقيقة والكرامة ومن هي الجهة التي سوف تتم مقاضاتها طالما انه تم اغلاق دكان هيئة الحقيقة والكرامة ؟

 

الأسعد الذوادي

رئيس مؤسس للمعهد التونسي للمستشارين الجبائيين وعضو المجلس الوطني للجباية (2002 – 2016) والجمعية العالمية للجباية ومعهد المحامين المستشارين الجبائيين بفرنسا ورئيس مؤسس سابق للغرفة الوطنية للمستشارين الجبائيين (1997 – 2011)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!